المّصريّة الرديئة 18 حين تلقّى الفنّان صليبا الدويهي الرسالة المنشورة أدناه من صديقه الفنّان رشيد وهبي، عام 1946، كان قد أنهى عمل...
المّصريّة الرديئة 18

والظاهر أنه كان يلاقي صعوبة بالغة في تأمين ما يلزمه من ألوان زيتية في عمله في تلك المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ( 1939-1945)، ونفاد مخزونها عند التجّار المحلّيين، بسبب الظروف الناجمة عن الحرب، وشلّها لحركة الإستيراد والتصدير. فأستنجد بوهبي الذي كان قد أنهى دراسته الفنيّة العالمية في كلّية الفنون الجميلة بالقاهرة، وتخّرج منها سنة 1945، ويتابع تحصيله الفنّي في المعهد العالي لفنّ التمثيل العربي، في العاصمة المصريّة، أي المعهد العالي للفنّون المسرحية حالياً، في قسم النقد، والبحوث الفنّية.
وهنا جاء في رسالة وهبي الى الدويهي :

عزيزي الأستاذ صليبا
تحيّاتي وأشواقي. لقد أسفت كثيراً لعدم الكتابة إليك من زمن بعيد وقد طال العهد بمقابلتنا. وأنني بالحقيقة ما أخّرني في مراسلتك إلا أنتظار الفرصة لتحقيق ما وعدتك به من إرسال بعض الألوان الزيتيّة. إنني لا أدري كيف أداري خجلي وهذا التأخير الذي اضطررت اليه لأنني كنت أقطع الأمل من إمكان إرسال شيء منها. وستعذرني عندما تعلم إنني وكل من في الفنون الجميلة لم نجد من الألوان الجيدة صنع الخارج ما يسدّ جزءاً يسيراً من حاجتنا. فقد نفد ما كان مخزوناً منها ولم يعد أمامنا غير الألوان المصرية الرديئة التي تفقد رونقها وزهاءها بعد العمل بها بمدة قصيرة وبالطبع لم أفكر أن ارسل لك منها شيئاً.
وأخيراً بعد أن وجدت في السوق بعض الألوان الأوروبية أرسلت اليك مع أحد المسافرين أمس ما تيسّر وجوده علّها توفّر عليك بعض حاجتك. وقد كلّفت هذا المسافر بإيداعها عند: " الخواجة الياس قلفاط صاحب مطبعة دار الفنون – ساحة النجمة – بناية وقف الروم الأرثودكس في بيروت" حيث يمكنك إستلامها بعد إهدائه تحيّاتي.
أكتب اليّ عن أحوالك وأذكر لي عبر نشاطك الفنّي وما تنتجه في هذه الأيام كما ارجو أن تحيطني علماً بالحركة الفنّية في بلدنا الجميل الذي مضى على غيابي عنه زهاء السنتين . لقد انهيت دراستي في الفنون الجميلة ونلت الدبلوم منذ سنة . أنني أجد ما يحببني في مصر لما اراه من وقت لآخر من معارض فنّية ومظاهر يبدو عليها الإتجاه الفنّي الذي يغذي معتشق الفنّ فهل أجد حركة مماثلة في لبنان يا ترى عندما أزوره في هذا الصيف؟
تحياتي الى الخواجه جورج مصور لعلّه بخير وتمنياتي لك بالصحة الكاملة وأقبل خالص مودتي وسلامي)

135 شارع الخديوي اسماعيل
الأورومان
مصر
لا نعلم هل طال أمد هذه المشكلة التي واجهها الفنّانون اللبنانيون في تأمينهم لمستلزماتهم، أم لا. وجلّ ما نعلمه ان الدويهي كان يسعى جاهداً لتخطّيها بالإعتماد على أصدقائه الموجودين في الخارج، أو في الأقل، على صديقه الفنّان رشيد وهبي الذي ساعده بالفعل كما ورد في الرسالة . فالفّنان الذي يتوخّى لأعماله الفنّية البقاء الطويل، والصمود أمام العوامل المؤدّية لتآكلها، وتلفها، يحرص على تأمين أجود المواد، ما وجد الى ذلك سبيلاً. وصليبا الطامح، بكل جوارحه، وبكل ما أُوتي من طاقة، الى الخلود، لم يكن ليبخل على نفسه، ولا على الطامحين الى إقتناء نتاجه الذي لم يتوقّف يوماً عن إسترعاء الإنتباه، وإنتزاع الإعجاب، والتقدير.
محسن أ. يميّن
ليست هناك تعليقات