ترجمة عبد الرحمن أياس
مديرة البحوث في CNRS، تدرس تسييس الحدود الإثنية في المجتمعات الغربية المعاصرة. وتركز بحوثها في شكل خاص على استخدام الفئات الإثنية في المدارس الفرنسية، وفي شكل أوسع على مسألة إدماج المجموعات السكانية للمهاجرين المسلمين في أوروبا، والاعتراف بالتمييز وتسييس العلمانية ومكافحتهما. وتشمل مؤلفاتها "المقاربة الماضوية وطرقها وحمّاها"، في إم سي سماوتس (محرر)، حالة ما بعد الاستعمار، باريس، مطبعة العلوم، 2007؛ وتسييس الحجاب: الحالة في فرنسا وأوروبا والعالم العربي (محررة)، باريس، لارماتان، 2005؛ والمدرسة والتحدي الإثني: التربية والإدماج (مؤلفة مشاركة)، باريس، NIRI، إيسي ليه مولينو، SFS، 2003.
في 2004 وبعد حملة إعلامية قوية شملت في شكل واسع تجاوزات الإسلام، تبنّت فرنسا تنظيماً يحظر على الطلاب ارتداء رموز تؤدي في الفضاء المدرسي إلى إدراك انتمائهم الديني . وأقترح هنا قراءة للفترة على ضوء مشروع سياسي، هو عبارة عن مقاربة طُوِّرت في دراسات تتعلق بوضع أجندة للمشاكل العامة. وأطلق تسمية المشروع السياسي على نسق من اللاعبين الاجتماعيين من ذوي الأوضاع المختلفة، الذين عُبِّؤوا لدعم وضع مشكلة قائمة في قرار سياسي وفق الصيغ التي يرغبون فيها. ويتمثّل شرط نجاح أصحاب المشروع السياسي في كيفية قراءة الواقع كمشكلة وفق صيغهم هم لضمان الحل الذي يحملون. وتقترح دراسة حالات أميركية متعددة وجود تحالف يشمل القادة العاديون بدرجات مختلفة لمجموعات مصالح، إلى جانب مسؤولين رفيعي المستوى وخبراء ومشرعين وأحياناً صحافيين . ويقوم المشروع في منطقة نزاع ويجب أن يعمم الدعم الذي يحظى به، ثم يواجهه آخرون يحاولون التشكيك في المشكلة المزعومة، أو يحاولون الترويج لحل بديل . وتبيّن فترة تسييس الحجاب الإسلامي في فرنسا بين 2003 و2004 انتصار مشروع سياسي رغب أصحابه طويلاً في حظر الحجاب في المدارس. لكنهم لم يتحالفوا سابقاً ولم يجدوا الفرصة للسيطرة على الأجندة العامة.
لم تكن حماسة وسائل الإعلام في نيسان – أيار متوقعة تماماً. فبداية نيسان شهدت وضع المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية (CFCM) تحت سلطة وزارة الداخلية بعد عملية تشاور أطلقها شوفنمان في تموز 1999. ويشمل المجلس قادة الاتحادات الرئيسية لأمكنة العبادة، بما فيها اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF) الذي ألصقت به صحافة التيار السائد في انتظام نعت "الأصولية". ويبدو أن المقاربة تعكس نظرة براغماتية إلى وضع الرجال المسؤولين عن القرارات المتعلقة بالسياسات الخاصة بهذه الحالة، تحديداً وزير الداخلية نيكولا ساركوزي ثم رئيس الجمهورية. لكن في 19 نيسان 2003، وخلال مؤتمر اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، المنعقد في بورجيه، واجه ساركوزي، بعد ترحيب حار،
احتجاجات لأنه أكد أن الحجاب محظور في صور الهويات . واستغلت وسائل الإعلام الفضيحة وسرعان ما كبرت كرة الثلج: في الأستوديوهات التلفزيونية، والإذاعات، والمجلات، ومقالات الصحف. وفي 2003، نحصي ما لا يقل عن 1284 مقالة عن "الحجاب" في اليوميات الفرنسية الثلاث الرئيسية، أي أكثر من مقالة يومياً لكل من هذه الصحف . وانتقلت المسألة إلى المدارس: "مع حظر الحجاب في المدارس أو ضده؟"، الذي سرعان ما تحول إلى "مع الحجاب في المدارس أو ضده؟" و"مع الحجاب أو ضده؟". وفي 4 حزيران، أطلق جان لوي دوبري، رئيس الجمعية الوطنية، مهمة إعلامية برلمانية "حول مسألة الرموز الدينية في المدارس". وسرعان ما عيّن رئيس الجمهورية صديقه برنار ستاسي، الوزير الوسطي ووسيط الجمهورية سابقاً، رئيساً للجنة تُعنى بـ"مبدأ العلمانية"، وتسلّم ستاسي مهامه في 3 تموز وبدأ جلسات الاستماع العلنية الخاصة به في بداية أيلول. هي الضجة في وسائل الإعلام إذاً. وقدمت مهمة دوبري تقريراً بنتائجها في 12 تشرين الثاني: وطلبت بالإجماع قانوناً يحظر الارتداء "العلني" لرموز دينية في المدارس (وهو موقف راديكالي، لا يستند إلى القانون بل إلى المرسوم التنظيمي الذي يشير إلى عنوان القانون) . وفي 11 كانون الأول، قدمت لجنة ستاسي تقريرها: كان حظر الرموز الدينية "الواضحة" في المدارس اقتراحها الأبرز، الموقَّع بالإجماع، باستثناء صوت واحد، صوت جان بوبيرو، الخبير الوحيد في العلمانية في اللجنة، الذي امتنع عن التصويت. وفي 17 كانون الأول، أعلن جاك شيراك بدء العملية التشريعية، مع الأخذ في الاعتبار خطاب تعبئة وطنية موحد. وتدفقت الحماسة العامة بقوة. وسيُقَر القانون في مناخ من التوافق. وسيحظر "ارتداء رموز أو ملابس يبيّن من خلالها الطلاب انتماءً دينياً".
لكن التطوير الإعلامي للمسألة لم يطلق الشرارات الاجتماعية والسياسية. فمسألة وضع قانون يحظر الحجاب في المدارس استمرت في الظهور في فضاء النقاش العام الفرنسي منذ عهد حكومة بالادور (1993 – 1995) على الأقل. لكن الأشهر الأولى من 2003 كانت هادئة، باستثناء التغطية الإعلامية لرفض معلمين دخول طالبة ترتدي منديلاً مزخرفاً مدرسة المارتنيير في ليون، وهي مؤسسة ضخمة تضم 2500 طالباً. ولم يتبنَّ رئيس المدرسة طلب الرفض الذي تقدّم به المعلمون، وبدا أن التأييد كان من نصيبه. وبين آذار وكانون الأول 2003، انقلب الوضع تماماً.
أولاً، تشكّل تحالف مؤيد بفضل فضيحة دوبورجيه (ووسائل الإعلام)، وكان له عمودان أساسيان: قادة الاتحاد من أجل حركة شعبية المقرب من رئيس الجمهورية، ونواة متشددة يسارية. ودعم هذا التحالف، الجديد والسري، الحملة الإعلامية المحمومة، وحظي في الخريف بتحول الحزب الاشتراكي وفئات من أحزاب أخرى، ما أوجد توافقاً سياسياً تاماً بيّنتُه في الجزء الأول. وفي الواجهة، كان مؤيدو دولة القانون، ممثَّلين برأي مجلس الدولة الصادر في 27 تشرين الثاني 1989 واجتهاده اللاحق، عديدين فعلاً: الكنائس والحاخامية الرئيسية، والجمعيات العلمانية الرئيسية، وأغلبية اتحادات المعلمين، والمنظمات الإسلامية، إلخ. لكنهم فشلوا في جعل قضيتهم عامة. كان تأثيرهم السياسي قليلاً ولم يُسمَع صوتهم في وسائل الإعلام كما سيتبين في القسم الثاني من هذه المقالة. واستفاد الحظر من "ذعر أخلاقي" ساعد في إطلاقه واستدامته لكنه لم يتمكن من خلقه من العدم. ويعني مبدأ الذعر الأخلاقي، المشكَّل من دراسة لـ"الخوف الكبير" في القرون الوسطى، زيادة التحكم العاطفي في مجتمع مناوئ لمجموعة في شكل لا يتناسب مع طبيعة سلوك المجموعة المتهمة . وتتطور حركات جماعية كهذه في أغلب الأحيان من اقتران بين استعدادات للخوف كانت موجودة سابقاً في الكتلة السكانية وعمل المجموعات التي ستعزز هذه الاستعدادات وتحوّلها لخدمة أهدافها. وفي هذه الحالة، سرّعت القضية قلقاً اجتماعياً من الإسلام وعلى الأمة ومن "إدماج" المسلمين، وروجت لاستدامة من خلال مفاقمة توتر الشعور القومي من الحمايات القانونية التي يتمتع بها المسلمون. وسيكون ذلك محور الجزء الثالث من هذه المقالة .
1. رواد الفترة: تحالف غير مسبوق
يكشف تحليل حذر للوقائع مزيجاً من التعبئة السياسية الآتية من اليمين البرلماني القريب من رأس الدولة، ونشاط متزايد لخبراء وعقائديين على معرفة بالسلطة من دون أن يكونوا فيها. ويبدو اللاعبون العشرة جميعهم وسطيين. ويبدو أن التنسيق شكّل تبلور الفترة. وفيما كان لاعبو المجال التعليمي سبب الحظر، لم يكونوا جزءاً من قلب المشروع.
1.1. تعبئة حزب الأغلبية
انخرط الحزب الديغولي الجديد في معركة ضد الحجاب في المدارس منذ عودته إلى السلطة في 1993. ويتميز برنار بونس، رئيس كتلة التجمع من أجل الجمهورية في الجمعية الوطنية، وروبير باندرو وبرونو بورغ بروك، النائبان والعضوان لاحقاً في مهمة دوبري "حول مسألة الرموز الدينية في المدارس"، بحدة هجماتهم على المرسوم الأول الصادر في هذه القضية عن وزير التربية الجديد رئيس الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية، فرانسوا بايرو، في أيلول 1993. وكان بايرو جدّد بنفسه مرسوم جوسبان الصادر في 12 كانون الأول 1989 والذي نقل رأي مجلس الدولة الصادر في 27 تشرين الثاني 1989. وضمت الأغلبية في الجمعية الوطنية في صفوفها أيضاً إرنست شينيير، المدير السابق لكلية كرييل والذي أثار "قضية الحجاب" الأولى إذ طرد ثلاث طالبات من كليته واستدعى الصحافة بعد انقضاء 1989. وتحت هذا الضغط، أصدر بايرو في أيلول التالي مرسوماً ثانياً حظر فيه هذه المرة الرموز "الظاهرة تلقائياً" في تناقض صارخ مع رأي مجلس الدولة واجتهاده ومبدئه . ولا يستدعي هذا المرسوم إعادة نظر من مجلس الدولة في رفضه لتصنيف الرموز بغض النظر عن كيفية ارتدائها. لكنه أثار فوراً ذروة جديدة في النقاش العام وخلق تدفقاً في التشريع. وبعد يوم على انتخابه، أيد جاك شيراك حظراً قانونياً وسأل فرانسوا بايرو أن يتقدم باقتراح في هذا الصدد. لكن الانتخابات التشريعية في 1997 أوقفت المشروع، واختفت القضية من المسرح الرئيسي حتى آذار 2003 .
وفي التاريخ نفسه، ومع انتهاء انتخابات بقيادة وزير الداخلية للمندوبين إلى المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية الذي كان مكتبه قد تحدد، طفا النقاش مجدداً إلى السطح وبحدة في الاتحاد من أجل حركة شعبية. وفي 8 آذار، انتهت في باريس مسيرة "لا عاهرات ولا خاضعات" التي نُفِّذت في فرنسا كلها للدفاع عن المسلمات المقموعات، بتظاهرة ضمت 30 ألف شخص، ما مثّل نجاحاً عاماً. وعُلِّقت صور وجوه المشاركات، ذات التسريحات المشابهة لتسريحة "ماريان"، على أعمدة قصر بوربون. وألقت شخصيات من الحزب بيانات دعت إلى التصويت على قانون يحظر الحجاب، وكانت الشخصيات مقربة من رئيس الجمهورية، ويمكن الظن أنها تحركت بتحريض منه ، وهي ألان جوبيه، رئيس الاتحاد من أجل حركة شعبية، وجان لوي دوبري، رئيس الجمعية الوطنية، وباروان، نائب رئيس الجمعية الوطنية الناطق باسم الاتحاد من أجل حركة شعبية، والنائب إيف جيغو.
وحصل باروان من رئيس الوزراء جان بيار رافاران على تقرير عن وضع العلمانية. وأُعلِن التقرير وعنوانه علمانية جديدة في أيار خلال طاولة مستديرة في الجمعية الوطنية (تقرير مجلة الفيغارو في 24 أيار). وفي نظرة استعادية إلى التقرير، ثمة ثلاث نقاط لافتة فيه.
بداية، يُعتبَر كاتب التقرير سياسياً صاحب انتباه إلى المعنى إلى جانب الإستراتيجيا. ويؤيد التقرير صدور قرار تشريعي مناوئ للحجاب في المدارس. لكن النص يتجاوز هذه الفكرة إلى قضايا الرؤية السياسية. فالتقرير، أولاً، يجري تعديلاً رمزياً سيكون ناجحاً خلال الفترة، فهو يدعو إلى التفكير في العلمانية وإرادتها كشعار لاستدامة "الهوية الفرنسية" في مواجهة التحديات الكبرى والتهديدات الداخلية للفترة:
ففيما يهتز مجتمعنا بالعولمة والإدماج الأوروبي واللامركزية، تبدو العلمانية مرجعاً ثابتاً وإلى حد قليل أسطورياً. ولهذا أصبحت مرجعاً في الهوية الفرنسية. ويمكن اعتبار التشكيك فيها من التعددية الثقافية ومن الطائفية تهديداً للهوية الوطنية .
وكانت العلمانية سابقاً قيمة يسارية، لكن ها هي تُعاد صياغتها وفق فهم وطني محافظ. وأيدت لجنة ستاسي هذا المعنى.
ووفق هذا التصميم، لا يمكن للعلمانية أن تفشل في الجمع، فكاتب التقرير يستبق الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية:
لذلك يصبح إحياء العلمانية جزءاً من الرد الصادم على 21 نيسان 2002. فنحن نشهد "إعادة تسييس" لمسألة العلمانية التي يمكن أن تصبح قيمة من قيم "اليمين الأياري" في مواجهة يسار تحول عموماً إلى التعددية الثقافية وفشل في مواجهة تحدي الطائفية .
ومن خلال العملية، يقترح الكاتب تنظيماً مناسباً للنقاش العام من خلال لجنة شبيهة بتلك التي ترأسها مورسو لون حول إصلاح قانون الجنسية في 1987 مع جلسات استماع تبثها "القناة البرلمانية". واقترح تعزيز لجنة المعلومات البرلمانية لإجراء تحقيقات أوسع. وجرى تبني معظم هذه التوصيات.
النقطة الثانية في التقرير بعد نظرة استعادية: اعتبار الحجاب إهانة في تحدٍّ لموقف مجلس الدولة. لكن الانتصار الخطابي في تلك الفترة لم يكن كاملاً بعد في هذه المرحلة، فثمة تأثير بسيط على مستوى الرمز في التقرير في ما يخص الانضمام إلى العلمانية والهوية الفرنسية. يقول التقرير، مثلاً، إن الحجاب "ليس رمزاً دينياً"، مشيراً إلى الأصولية. وسيبرز الرأي خلال الفترة كلها. لكن الصفة "رمز ديني – سياسي"، التي ستزدهر في الخريف، تغيب عن تقرير باروان. واللافت أنها تبرز في خطاب الاتحاد من أجل حركة شعبية، مثلاً في كلام ألان جوبيه في جلسة استماع للجنة ستاسي في 28 تشرين الأول. وستأنف تقرير ستاسي ثورته "الدينية – السياسية" من خلال إلحاق "المجموعات" أو "الحركات".
والنقطة اللافتة الأخيرة هي "الاقتراحات الـ16 لعلمانية جديدة" التي تشكل الجزء الأخير من التقرير والتي جرى تبني إحداها: "احظروا الحجاب". ويصح الأمر نفسه على اقتراحات لجنة ستاسي. صحيح أن اقتراحات تقرير باروان كلها لا تعكس تغييرات، لكن بعضها ذكّر ببساطة بالمعيار المكرس. والأهم أن اقتراحات التقرير لا تحمل نبرة مناوئة للدين. وما من شك في العودة إلى التدين الداخلي (أي مستوى الحرية الدينية في النظام القديم). ويكرس تقرير باروان نصف اقتراحاته تماماً للدفاع عن الحرية الدينية وحرية الضمير والاعتراف بـ"مكانة الدين في مجتمعنا". ومرت الاقتراحات كلها عبر معيار الربح والخسارة. وكان تقرير مهمة دوبري، التي لعب باروان دوراً أساسياً فيها، التقرير الذي تلفّظ بالموقف الأكثر مناوءة للتسامح مع الرموز الدينية في المدارس. لكن التوجه هذا للتقرير الصادر في أيار 2003 مشدد لكي لا يعطي فهماً سياسياً. فهذا المشروع المخصص لتمجيد العلمانية الفرنسية وتجريم الحجاب الإسلامي في المدارس جزء من إستراتيجية للاتحاد من أجل حركة شعبية لاجتذاب كتلة ناخبة ذات إدراك ديني أو ترتيب أوضاعها، وتشمل الكتلة الناخبة من المسلمين المتدينين . ولم تهدف إلى تخريب المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية الحديث العهد بل تأطيره بإبطال رمزي للخوف أو القلق الناجمين عن إدخاله في الكتلة الناخبة للأغلبية. كذلك كان اقتراح حظر الحجاب في المدارس متوازناً، فهو نص على "السماح لمسؤولي المؤسسات بالأخذ في الاعتبار مصالح الطلاب"، وهو تنازل اختفى خلال التطرف العقائدي في الخريف.
1.2. نواة ناشطين خارج عالم السياسة
وتكشفت الفترة من خلال أشخاص كانوا، على الرغم من أنهم خارج عالم السياسة، في مواقع جيدة داحل جهاز الدولة، ومطلعين ويعملون إستراتيجياً. لنبدأ بالأكثر وضوحاً. كان اختيار أعضاء لجنة ستاسي، وتنظيم عملها، واختيار شهادات الشهود، قرارات حددت التأثير في الرأي العام ونتيجة الفترة. كان ريمي شوارتز، مسؤول الطلبات المقدمة إلى مجلس الدولة والمفوض الأقدم للدولة الذي عُيِّن مقرراً للجنة، لاعباً بارزاً. وأيّد فوراً إصدار قانون . وخلال الطاولة المستديرة بعنوان "المدرسة والعلمانية اليوم"، التي نظمتها كتلة الاتحاد من أجل حركة شعبية في الجمعية الوطنية في 22 أيار 2003، قبل أيام من بدء مهمة دوبري حول مسألة الرموز الدينية في المدارس، عبّر عن بقوة عن عدم رضاه عن اجتهاد مجلس الدولة، "الصعب على التطبيق، خصوصاً حين يتعلق الأمر برموز ظاهرة ورموز قد لا تكون كذلك". وأضاف:
افرضوا حظراً على الرموز الدينية كلها في النظام التربوي، أقله في التعليم الابتدائي والثانوي، فهذه هي المسألة الفعلية. لكن الأمر يثير سؤالين: السؤال الدستوري... ويركز السؤال الثاني على اختصاص المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وعند هذه المرحلة، كانت ثمة لحظة أساسية في تطور عمل لجنة ستاسي تمثلت في الاستماع المصور في 17 تشرين الأول لجان بول كوستا بصفته نائب رئيس المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. فكوستا، المدير السابق لمكتب ألان سافاري في وزارة التربية الوطنية ومستشار الدولة والأستاذ المشارك في جامعة باريس الأولى والخبير القانوني في العلمانية ونائب رئيس المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان منذ 2011، عبّر أيضاً ولفترة طويلة عن عدم رضاه عن القانون الحالي واعتقاده بضرورة صدور قانون في مواجهة الإسلام . وقبل صدور رأي لجنة ستاسي، يمكن لكوستا، من منطلق قانوني بحت، أن يزيل الشكوك التي يمكن أن تكون موجودة. قال: "إن قُدِّم قانون كهذا إلى هذه المحكمة، يمكن تقييمه وفق النموذج الفرنسي للعلمانية وخلافاً بالتالي للميثاق الأوروبي لحقوق الأنسان"، ورأى بأن المحمة تقر بالهامش المعطى لكل بلد لتفسير المبادئ العامة لحقوق الإنسان.
وفي دورين مختلفين لكن حيويين، تشهد الفترة بروز شخصيتين من شخصيات مجلس الدولة تجسدان اتجاهاً خسر في التصويت في نقاشات المجلس. يدافع ريمي شوارتز وجان بول كوستا عن فكرة أن المجلس أصدر في مسألة ارتداء الحجاب حكماً تلقائياً نوعاً، منطلقين من تشريع متشدد كانا يرغبان فيه سياسياً. لكن ثمة أشخاصاً آخرين، على اطلاع على العمل الحكومي بسبب وظائف تبوأوها فيما كانوا غير معروفين كثيراً من الرأي العام، وخبراء في مسائل المدارس والإدماج، ما أعطى تماسكاً عقائدياً للحل المتمثل بالحظر.
وسلطت الطاولة المستديرة بعنوان "المدرسة والعلمانية اليوم"، في 22 أيار 2003 في الجمعية الوطنية، في نظرة استعادية، الضوء على ساحة المعركة الخاصة بقلب المشروع. فهي أوجدت ارتدادات في الفضاء السياسي (الجمعية الوطنية) لنقاشات بين مفكري وسائل الإعلام والسياسيين (النواب) ووزيرين للتربية وعضو بارز في مجلس الدولة ومسؤول نقابي وممثل للعالم الأكاديمي. فإلى جانب وزيري التربية، كان ثمة خمسة متحدثين مسؤولين عن عرض الوضع الراهن، هم "خمسة شهود رئيسيين" ولا أحد غيرهم، هم ألان فنكلكرو وألان جيرار سلاما وريمي شوارتز والسيدة غايي بيتيك سالوم وألان سكزيغ. وأثبت الجميع مناوءتهم لموقف مجلس الدولة وطالبوا الجمعية الوطنية بإقرار إجراء طارئ. واثنان منهم، أي فنكلكرو وسلاما، معتادون على الأضواء الإعلامية، وتُعتبَر وسائل الإعلام العامة مجال عملهما. أما المتحدثون الثلاثة الآخرون فتعطيهم منصة الجمعية الوطنية الفرصة لأن يعرضوا كذلك عدم رضاهم القانوني (ريمي شوارتز) أو "الحقيقة" على الأرض، سواء أكانت تخص النساء أو الضواحي أو المدارس.
ودعت سالوم، مديرة جمعية ELELE التي تساعد النساء المتحدرات من أصول تركية وعضو المجلس الأعلى للإدماج (ولاحقاً عضو لجنة ستاسي)، إلى الدفاع عن الجمهورية في مدراسها والدفاع عن الفتيات في مواجهة الإيديولوجيين الراديكاليين الذين يتصرفون سراً: "إن هذه الحجابات أسلحة واضحة مدمرة لعقد الجمهورية، يحملها العقائديون الراديكاليون الذين يرغبون في منع تحرير الفتيات الصغيرات وتمكينهن". وأصبح ألان سكسيغ، المفتش التربوي والناشط اليساري السابق والأستاذ السابق، مدير المشروع في صندوق العمل الاجتماعي . وعمد المستشار السابق لجاك لانغ في وزارة التربية الوطنية (2000 – 2002) حيث أطلق لجنة العلمانية في المدارس وزودها بقصص مقلقة عن بعض سلوك الطلاب وبعض الممارسات التربوية التي اعتبرها انحرافات، إلى تسليط الضوء على الحاجة الملحة إلى تدخل على صعيد السياسات لإعادة بناء المعيار العلماني.
في 1999 وبالتزامن مع قضية فلير، كان ألان سكسيغ وغايي بيتيك كتبا معاً "رد فعل" في صحيفة ليبيراسيون . وجاء رأيهما في ستة نقاط، وهو أساساً كما يلي: الحجاب رمز "سياسي – ديني" وتمييزي؛ وهو يبيّن الامرأة التي ترتديه، ويحدد تلك التي لا تفعل ذلك ؛ وهو لا يستثني الفتيات، بل إن "الفتيات يستثنين أنفسهن"؛ والإيمان شأن خاص؛ ويجب حظر الرموز الدينية الظاهرة كلها، بما فيها القلنسوة اليهودية؛ والأمر لا يصِم الإسلام والمسلمين، بل يحارب الأصولية – انظروا ماذا حصل في الجزائر؛ في فرنسا والجزائر تدور المعركة نفسها؛ وثمة حاجة إلى قانون يعيد تحديد متطلبات العلمانية في المدارس؛ ولا لـ"علمانية" مجلس الدولة التي تسمح لأهل الطالبات المحجبات بالاعتماد عليها!
وبعد خمس سنوات، شكّل هذا الرأي إطار تقرير لجنة ستاسي، ويبدو أنه أصبح رأي المسؤولين السياسيين والمواطنين جميعهم تقريباً عند تقديمه باعتباره توافقاً وطنياً في الأمة من رئيس الجمهورية. هل هي قصة نجاح لـ"أقلية ناشطة"؟ ألم تؤتِ التعبئة في الأجل البعيد وخبرة النشاط السياسي، اللذان يسمان "الأقلية الناشطة"، ثمارهما ؟ ما من شك. لكن يجب النظر في النجاح على أساس منهجي. فكما رأينا، كان ثمة تلاقٍ على إطلاق عمل بين خبراء ناشطين ومستشارين حكوميين معارضين للموقف الرسمي القديم، رافقهم مثقفون معروفون. وتمثّل هذا التلاقي على الأقل في تعبئة أطلقها في شكل مستقل في مطلع العام حزب الأغلبية حول الأفكار نفسها.
1.3. التسلسل المركزي: الهجوم الإعلامي، تنسيق متعهدي الفترة، العاطفة الشعبية، تعبئة الحزب الاشتراكي، القرار
كانت حمى الهجوم الإعلامي بعد حادثة بورجيه هي ما جعل نواة الاتحاد من أجل حركة شعبية تتحرك ضد الحجاب في المدارس، وجعلت نواة الناشطين خارج الحزب تنضم إلى الحملة، فاستخدمتا تشبيهاً عسكرياً ونظمتا تنسيقهما بهدف تحقيق القرار التشريعي. وفي ظل هذا التحليل، يمكن تحديد كتلة من البيانات المكتوبة والمرئية التي أُنتِجت خلال الفترة وشكلت الخطوط العريضة للمشروع. هي بسيطة نسبياً. ففور تحققه قبل بدء الإجازات المدرسية، كانت لجهاز تسييس "المشكلة" مرحلتان – مهمة برلمانية ولجنة عامة، واستحوذ رواد مشروع الحظر على زمام القيادة – منذ البداية في ما يخص المهمة الإعلامية البرلمانية وتدريجياً على صعيد اللجنة، يدعمهم الضجيج الذي ساهموا في تغذيته، وأصبح "الحل" الخاص بهم السبيل الوحيد فينظر الرأي العام وفي الوسط السياسي. وطُوِّر الجهاز وفق ما كان باروان طالب به: "لجنة خاصة ترأسها شخصية غير خلافية وتكون مسؤولة عن التقدم باقتراحات حول المسائل المختلفة التي تواجه مبدأ العلمانية" وتعمل بالتنسيق مع المهمة الإعلامية البرلمانية. لكن فيما كان باروان اقترح أن تقصر هذه المهمة تحقيقاتها على تطور الحركة الإسلامية في فرنسا، تقرر التركيز على الرموز الدينية في المدارس، في استباق مباشر للعمل التشريعي المطلوب مستقبلاً. وترأس اللجنة العامة برنار ستاسي، وكان المقرر ريمي شوارتز، فيما ترأس المهمة البرلمانية جان لوي دوبري نفسه، وكان فرانسوا باروان وإريك راوولت، عضوين فيها ونائبين له.
وأيدت المهمة البرلمانية التي لم تُبَث جلسات الاستماع التي عقدتها، فوراً وفي شكل ساحق حظراً تشريعياً، وكانت جلسات الاستماع موجهة بوضوح في هذا الاتجاه . لكن الجلسات مثيرة جداً للاهتمام من منظور علم الاجتماع السياسي، فالشهود استدعوا للشهادة على هذا الأساس، وكانت الشهادات جماعية تماماً أحياناً. ولذلك تقدّم الجلسات معلومات عن الموقف الخاص بالمجموعات الاجتماعية المتأثرة مباشرة بارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس والذي أقرت به المهمة. ومن بين أمور كثيرة، يتبين أن مديري المدارس الثانوية كانوا في أغلبيتهم مناوئين لقانون جديد، وكذلك مديرو المدارس الذين اضطروا إلى التعامل مع "مشروع الحجاب" (فيما اعتبرهم خطاب الحظر أقوى الداعمين لحظر قانوني) (انظر أدناه).
في هذه الأثناء، كانت لجنة ستاسي بداية أكثر علنية. فالتسجيلات الفيلمية للنقاشات تبيّن كيف تمكنت إدارة عملية النقاش داخل اللجنة من التحكم في النتائج غير المتوقعة . فكل شيء حصل كأن ريمي شوارتز، المقرر العام، قرره، لكن اللجنة لم تكن محكمة. وكان لأعضاء آخرين – كما بدا خصوصاً في فيلمي باتريك ويل وجيل كيبيل – تأثير كبير على صعيد المبادرة. وكان انتقاء الضوابط متحيزاً في شكل خاص . فأي طالبة محجبة لم يُستمَع إليها، فيما كانت الأغلبية العظمى منهن تتلقين تربية طبيعية وفق رأي مجلس الدولة . واستُمع إلى ناشطتين شابتين محجبتين في الاجتماع الأخير، وكانتا استُدعيتا بعد إكمال التقرير. ولم يُطلَب أي أستاذ أو مدير مدرسة مرتاح إلى "مشكلة" الإسلام، وقال جان بوبيرو علناً بعد تسليم التقرير إن هذه الخطوة التي اقترحها جوبهت بالرفض. وغُطِّي على هذا التحيز في البيانات الخاصة بالمشكلة من خلال ظروف النقاشات: العاطفة الناجمة عن شهادات الشهود الأوائل، وتداعيات وتيرة عمل اللجنة (وجب إكمال كل شيء قبل الأعياد، وزاد أخيراً اختيار 11 كانون الأول موعداً لتقديم التقرير من الضغط)، وضغط الإعلاميين. واستنكر رينيه ريموند وألان تورين، اللذان لم يؤيدا بداية إصدار قانون لكنهما صوتا أخيراً مع المجموعة، هذه الضغوط في وقت لاحق . وإضافة إلى تأثير الاستعجال والتعاطف، أدت الزمالة والصداقة اللتان سادتا اللجنة إلى إجماعها على النص في الوقت الصحيح، مع امتناع واحد عن التصويت .
وفي الوقت نفسه، نال بروز الموقف القومي – الجمهوري المفرط في هذا الرأي دعماً من نشاط الشبكات المختلفة وبروز شبكات أخرى. وعُبِّأ أعضاء نافذون في الشرق الأكبر دعماً للتقليد العلماني الفرنسي. وفي هذه الأثناء، اتخذ المحفل النسائي الأكبر لفرنسا موقفاً جماعياً. وانضمت مجموعات وأفراد إلى الحركة النسائية "لا عاهرات ولا خاضعات" في شأن موضوع استغلال المرأة في الأصولية الإسلامية إن لم يكن في الإسلام نفسه . وجهد جزائريون أو متحدرون من أصل جزائري في الترويج للحظر. وسلطت شبكات أمازيغية من أعضاء سابقين في حزب الطليعة الجزائري (الحزب الشيوعي الجزائري سابقاً) لاجئين في فرنسا، وفي صفوفها نخب أكاديمية وفنية، الضوء على معاناة النساء في الجزائر وتجربتهن مع التهديد الإسلامي. وفي الخريف تمكنت هذه الشبكات المرتبطة بجامعيين فرنسيين متعاونين مع الجزائر، من دق ناقوس الخطر في الجامعة وتمكنت في بعض الأوساط من بدء تحرك يدعو إلى الحظر.
وكان للتغطية الإعلامية للفترة تأثير بلغ حده الأقصى في هذه التعبئات. والتزم معظم المجلات الورقية المتخصصة في الرأي، وفي شكل غير مفاجئ وبلهجات مختلفة ، تأييد الرؤية القومية – الجمهورية المفرطة للمشكلة وحلها المتمثل بالحظر. وكانت صحيفة ليبيراسيون رأس الحربة. وكان الضغط في الربيع كبيراً إلى درجة أن عدد عالم التربية في أيار 2003 والذي ضم في ملفه مبالغات ذلك الفصل من السنة، حمل العنوان "الطائفية. تهديد للمدارس" من دون علامة استفهام. واستثنت المجلات المطبوعة عموماً الفتيات المحجبات من إبداء الرأي، فعلى غرار لجنة ستاسي، لم يكن هؤلاء سوى موضوع للنقاش . وفي هذه الأثناء، صورت التلفزيونات عموماً وفي شكل مادي الموقف الأقلوي لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، وبثت مواد مناوئة للمسلمين والمسلمات الذين طالبوا بنسخة من العلمانية تستند إلى دولة القانون.
وجرت السيطرة على الرأي العام تدريجياً. فالاستطلاعات سجلت تطورت المناوءة العامة، شاملة الأساتذة، بين أيلول وكانون الثاني. كذلك في الطبقة السياسية، التحق المترددون بالتيار أو بقوا صامتين. وفي تشرين الأول، تجمع الاتحاد من أجل حركة شعبية وراء قياديه المؤيدين للحظر، وخفف الساركوزيون صوتهم (دعا فيون إلى قانون في 16 أيلول). وصوت المجلس الوطني للاتحاد من أجل حركة شعبية في 28 تشرين الثاني. وتخلى الحزب الاشتراكي خصوصاً عن موقفه السابق المؤيد لدولة القانون. وأعلن جاك لانغ، الذي أطلق هذا التغيير للمرة الأولى في الربيع، نيته اقتراح مشروع قانون يحظر الحجاب في المدارس، وتبعه لوران فابيوس في مؤتمر ديجون في 17 أيار. وفي 12 تشرين الثاني، تبنى المكتب السياسي للحزب بالإجماع الدعوة إلى الحظر (تحدثت الصحافة عن ضغوط في هذا الاتجاه)، وهو اليوم نفسه الذي أعلنت فيه مهمة دوبري، التي تضم إليزابيت غيغو وجان غالفاني، نتائجها الداعية إلى قانون بإجماع أعضائها.
تحقق الشمول. فبعد تقديم تقرير ستاسي، ألقى جاك شيراك الخطاب الذي أعلن فيه عن القانون ، وجرى النقاش البرلماني والتصويت السريع والمكثف لحظر الانتماء الديني "الظاهر" في المدارس العامة، وصدر المرسوم بعد ضغط صلب من الرابطة الوطنية لمديري التربية والتعليم (SNPDEN) واستُبدِل الوزير (ورث فرانسوا فيون الحقيبة)، ومُنِعت ببساطة الرموز "التي تفضي حين تُلبس إلى ملاحظة فورية للانتماء الديني". وتحقق النصر للتحالف القومي – الجمهوري المفرط. وأقر مجلس الدولة القانون، وأصبح المرسوم تشريعاً مصادقاً عليه.
1.4. الرواد المدرسيون للحظر: خارج النواة
حملت الرابطة الوطنية لمديري التربية والتعليم، المنظمة الرئيسية لرؤساء التربية الوطنية والمرتبطة بـ"النقابات الوطنية المستقلة" (UNSA) ، مطلب القانون منذ تجديد قيادتها في كانون الأول 2002. وفيما شدد مجلس الدولة على حقوق الطلاب ، طالبت الرابطة بالعكس. وهي إذ اعتبرت المدرسة خدمة عامة لا تشبه سواها، اعتبرت أن الطلاب ليسوا "مستخدِمين". لذلك لا تحق لهم المطالبة بحقوق خاصة.
ومع هذا الموقف المؤيد للحظر، وجدت الرابطة نفسها معزولة نسبياً عن سائر المنظمات المدرسية. فسائر الاتحادات المهنية المدرسية الكبرى لم تتبعها (انظر أدناه)، ولم يلتحق اتحادها بها، بعد تردد خلال الفترة، إلا أثناء نقاش المرسوم التطبيقي . وأُهمِلت هذه النقطة خلال حمى النقاش، على الرغم من أن المدارس كانت في صلب خطاب الذين طالبوا بقانون يحميها. لكن الرابطة لم تشكّل أيضاً جزءاً من النواة الأساسية للمشروع. وفي الجمعية الوطنية، لم تنخرط في الطاولة المستديرة حول العلمانية في المدارس، وهي المبادرة التي جمعت شمل مجموعات التحالف وأطلقت العمل البرلماني تحت رعاية جان لوي دوبري في 22 أيار 2003.
لكن الرابطة أوصلت آراءها إلى الهيئتين، أي مهمة دوبري ولجنة ستاسي. وظهر كثير من آرائها في تقرير مهمة دوبري: امتعاض مديرين من القانون النافذ وإنكارهم لما يعتبرونه "قانوناً محلياً" للعلمانية – فرض موقف مجلس الدولة – في انتظار عمل تشريعي يحدد فحوى المدرسة العلمانية. وطالبت الرابطة بحظر على "العلامات الدالة والمرئية للهوية" ورفضت التعبير "ظاهر" الذي بدا أنه يفتح كوة إلى "القانون المحلي" (أي القانون المفسر وفق الظروف المحلية وشخصية رئيس المؤسسة التربوية) وإلى تخفيف العلمانية. وخلال الفترة، وجد القادة أنفسهم إلى جانب فكرة تمكين الفتيات التي حملتها منظمة "لا عاهرات ولا خاضعات" ومواقف حنيفة شريفي عن التهديدات الأصولية في الأحياء. لكنهم قلما شاركوا في النقاش العقائدي العام. وأخيراً كُتِب المرسوم التطبيقي لقانون 15 آذار وفق تعليماتهم . ففي أيار 2004، استنكرت الرابطة الوطنية لمديري التربية والتعليم التخلي عن "البعد الاجتماعي" للتدابير المقترحة من لجنة ستاسي .
2. مؤيدو القانون في الدولة: كثيرون لكن متفرقين ومن دون إدراك مباشر للسياسة
لم تمنح الحملة المؤيدة للحظر صوتاً لمؤيدي فهم لبرالي للعلمانية، المستندين إلى دولة القانون، ويشملون – في أحد التناقضات غير البسيطة للمسألة – جمعيات كبرى لحقوق الإنسان والعلمانية والمنظمات الرئيسية لقطاع المدارس. كذلك همّشت المدافعين عن تحديث الأنماط المدرسية، وهم أغلبية المديرين الكبار في وزارة التربية الوطنية.
2.1. المناوئون للحظر: تنوع من دون مبدأ جامع
خلال فترة تسييس الحجاب، حاول البعض تنبيه مؤيدي دولة القانون التي قالوا إنها تخلق في ما يخص الأديان توازناً بين الحقوق والواجبات وتعطي الدولة وسائل لفعل ما يناسب. ففي أي حال، لن يؤدي حظر على الحجاب في المدارس إلا إلى تعزيز الوسم الذي يستهدف أقلية موسومة كثيراً أصلاً، ويترك المشاكل الحقيقية كلها، وهي مشاكل الإدماج والمشاكل الاجتماعية.
وعبّأت مجموعتان من اللاعبين والمنظمات الخط المناوئ للحظر: من الجهة الأولى الكنيسة والحاخامية الرئيسية، ومن الجهة الثانية حركة مركبة وصفها مناوئوها بـ"اليسار الإسلامي" لأنها ضمت مسلمين متهمين بالإسلامية (أصدقاء طارق رمضان في الأغلب)، وجمعيات ومجموعات يسارية ونسائية، وجمعيات كبيرة تدافع عن حقوق الإنسان والعلمانية. ويعكس الموقعون على عريضة للمجموعة الجامعة المعروفة باسم "مدرسة لجميعكم – ضد القوانين العازلة"، تنوع أعضاء هذه الحركة: "تجمع المسلمين في فرنسا" (قريبة من طارق رمضان)، وDivercité (جمعية من ليون بقيادة سعيدة قضى)، و"شباب مسلمون من فرنسا" (من شبكات "المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية")، و"مجلس أئمة فرنسا"، و"طلاب مسلمون من فرنسا" (من شبكات "المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية")، ودنيا بوزار (شخصية مستقلة مرشحة إلى "المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية")، و"حركة الهجرة والضواحي" (MIB) المستقلة، و"رابطة حقوق الإنسان"، وSUD، وMRAP، وجمعية "الحقوق قبلاً!"، و"الخضر"، وLCR، وتجمع "الكلمات مهمة" (بقيادة بيار تيفانيان).
واضح أن هاتين المجموعتين من اللاعبين والمنظمات لم تتمكنا من إسماع صوتيهما في السياسة والرأي. وهما عانتا بوضوح نقصاً إعلامياً (باستثناء شخصيات بارزة تلقت هجمات مركزة، مثل طارق رمضان وسعيدة قضى) ونقصاً في مقالات الرأي. كيف يمكن إصدار كتب عن العلمانية المرغوبة والحاجة إلى عدم تغيير شيء؟ من باب أولى في سياق دولي غير مستقر، حين تبرز المخاوف، تعزيز كتب شعبية مثل شبكات الله وخفض الحجاب والأراضي الضائعة للجمهورية وماذا حصل؟ والعلمانية أمام اختبار الأصوليات وغيرها.
وفي شكل أعمق، لم يمكن بناء تحالف مضاد بسبب الفوارق (إن لم تكن المناوءة) بين الفضاءات الاجتماعية التي تعمل فيها هذه المجموعات. يُضاف إلى ذلك جمود أجندات التعبئة. فهذه المجموعات تأخرت كثيراً عن مناوئيها في مجالاتها: انتظرت الكنائس حتى 8 كانون الأول لتعلن بياناً مشتركاً، ولم تتشكل المجموعة الجامعة المعروفة باسم "مدرسة لجميعكم – ضد القوانين العازلة" قبل كانون الأول أيضاً.
وعلى صعيد هوامش النقاش العام، ركزت "رابطة التربية الوطنية"، وهي النسيج التاريخي للحركة العلمانية حول المدارس ، خلال الفترة كلها على تنسيق مواقفها مع اتحادات تتمتع بالأغلبية من بين الجمعيات التربوية والعائلية. وهي نجحت في ذلك، لكن من دون تأثير سياسي يفوق تأثير الحركات العامة.
وبحلول حزيران 2003، نشر بيار تورنمير، نائب الأمين العام للمجموعة، الذي بادر مع ميشال مورينو إلى تأسيس لجنة "العلمانية والإسلام" داخل الرابطة في 1997، في صحيفة إيديه أن موسيون نصاً عبّر فيه عن غياب ثقة القيادة الوطنية للرابطة في حملة التجريم. "فلنقل الأمر بوضوح: الحجاب والإسلام هما المستهدفان. والتهديد بوسم المسلمين في فرنسا، الذي يُوضع شركاً للإدماج الاجتماعي، كبير" . لكن الشرط العلماني لا يتمثل في محاربة نفوذ العقيدة الدينية. هو يتطلب تطويراً للفكر النقدي، لكن مع احترام كامل لحرية الضمير. وليس على المعلمين "الحكم على معتقدات طلابهم لأن لا حدود لحرية الضمير" . والقانون الساعي إلى "إعادة تعريف ’النمط المتشدد من العلمانية‘"، كما ترغب الرابطة الوطنية لمديري التربية والتعليم، "غير مناسب" لأسباب قانونية، وأيضاً لأسباب اجتماعية وفلسفية تتصل برسالة المدرسة. وفي مطلع تشرين الثاني 2003، نشرت "رابطة التربية الوطنية" على موقعها الإلكتروني مستنداً جديداً من 37 صفحة، موجه إلى لجنة ستاسي وعنوانه العلمانية، خير مشترك وبناء أبدي، تناولت فيه هذه المواقف وطورتها.
وفي الفترة نفسها، فرضت الرابطة تدريجياً شرعيتها كمرجع حول القضايا المطروحة على النقاش في منظمات أساسية في قطاع المدارس. لكنها لم تتمكن حتى قبيل خطاب رئيس الجمهورية في 16 كانون الأول 2003 من إصدار بيان مشترك قالت فيه المنظمات المدرسية ومنظمات التيار السائد المدافعة عن حقوق الإنسان لا لقانون جديد:
يبقى الموقعون، الرافضين لوسم أي جزء من السكان، متمسكين بالتوازن المكرس في قانون 1905 الذي وفّق بين الحرية الفردية للتعبير عن المعتقد والحاجة إلى احترام الحريات الأساسية كلها وحريات الناس كلها، وهي مبادئ يجب أن تنطبق على الجميع وفي كل مكان في الجمهورية.
ولهذه الأسباب ليس مناسباً اقتراح قانون كذلك الذي يجري التركيز عليه الآن.
وفي ظل هذه الظروف، نقترح تذكيراً وتوضيحاً علنيَّين بالتشريعات والتنظيمات الموجودة.
الموقف واضح، لكن الفوارق في الأجندات لافتة مجدداً. فحين صدر البيان المشارك، كانت فحوى الخطاب المقرر أن يلقيه جاك شيراك في اليوم التالي معروفة.
2.2. الحداثة والعلمانية في أطر التربية
لكن في قطاع المدارس، ليس الناشطون العلمانيون الوحيدين الذين عبروا عن ترددهم أو مناوءتهم إزاء إعادة تفسير المدرسة العلمانية في طريقة قمعية. فالأغلبية العظمى من المديرين في وزارة التربية الوطنية ونسبة مهمة من مديري المدارس، الأكثر تأثراً بـ"مشروع الحجاب"، حملتا الموقف نفسه. لم يكونوا ناشطين، وكان موقفهم لأسباب عملية أو إصلاحية.
وقابلت مهمة دوبري الجميع من بين المسؤولين البارزين في وزارة التربية الوطنية العارفين بارتداء الحجاب: مدير التربية المدرسية، الرؤساء الخمسة للجامعات الأكثر تأثراً ورئيس سابق، محام في القانون العام متخصص بالمدرسة العلمانية، والرئيسان المشاركان للجنة الوطنية لمناقشة العلمانية في المدارس والتقدم باقتراحات حولها، وعميد المفتشية العامة للتربية الوطنية ورئيس خدمة التفتيش العام لإدارة التربية الوطنية. وترك هؤلاء جميعهم مسافة واضحة بينهم وبين القانون أو عارضوه، باستثناء رئيس جامعتي باريس وليل .
ويمكن تفسير هذا التباعد البارز بتراث من العمل العام يمكن تسميته بـ"الحداثوي". فالمعركة من أجل نسخة من المدرسة العلمانية تقيد حرية الطلاب ستخالف في رأيهم على صعيد الأفق، الاستقلال الذاتي المؤسسي وإدارة الموارد البشرية وممارسة السلطة عند مستويات النظام كلها ومحاسبة الإدارة . ويعرقل مشروع تسييس الحجاب تطبيق رؤية كهذه على صعيد السياسات، وفق ما شرح مدير التربية المدرسية في جلسة استماع. قال: "يعمل القانون كمظلة في مقابل المسؤوليات الواجب تحملها. وهذا، في رأيي، غير متناسب أبداً مع مبدأ الاستقلال المؤسسي الذي يعطي الحرية ويعطي أيضاً المسؤولية".
وإن بدا خلال جلسات الاستماع أن هذا التراث لا يتشاركه الوزراء (أو على الأقل من حكوماتهم) وبعض من المفتشين العامين ، فإن أغلبية الرؤساء وجزء كبير من المديرين يطالبان به – حتى الرابطة الوطنية لمديري التربية والتعليم تفعل ذلك خارج سياق العلمانية وحقوق الطلاب. ويبدو أن هذا التراث يحمي إلى حد كبير المديرين من الخوف من الإسلام في تحليلهم للمسائل التربوية.
3. الخوف من الإسلام وأزمة الإدماج
ركزنا إلى الآن على تحليل "الكيفية" الخاصة بالفترة، ولم نقل شيئاً عن "السبب". جرى الحديث عن أسباب كثيرة خلال النقاش حول ارتداء الحجاب في المدارس: السبب النسائي، وسبب الجمهورية، والأمة (في مقابل الطائفية)، والمدرسة، إلخ. ولكل سبب مؤيدوه الذين ينكرون بعداً معيناً في النقاش. رأينا الحركات النسائية تؤيد وتعارض، وكذلك المدافعين عن الجمهورية، والمدافعين عن العلمانية، والمدافعين عن المدرسة. وفي الواقع، لا تقول الحجج شيئاً عن "السبب" – وفي الواقع تقع المسألة إلى حد كبير في مجال المراقبة، لذلك فهي تندرج في مجال العلوم الاجتماعية.
لكن يمكن قول الملخص التالي: كانت الفترة وقتاً مناسباً لإطلاق مواقف مناوئة للإسلام، وذلك يُستنتَج من إبراز لإعادة التأكيد جماعياً على مثال الأمة الجمهورية العظيمة، حصل في خطاب جاك شيراك في 17 كانون الأول 2003. وإن كُشِف جانب نفسي أساسي في هذا الملخص، يمكن اقتراح فرضية تدعمها وقائع أخرى. قد يكون نجاح مشروع حظر رموز الإسلام قد أطلق عمليات ذات طبيعة سياسية بدائية: من الجهة الأولى، كانت مناوءة الإسلام التي برزت في المجال العام استعداداً للانخراط في خوف تتشاركه أغلبية السكان، واتخذ في الربع الأخير من 2003 مظهر "الذعر الأخلاقي"؛ ومن الجهة الثانية، يمكن لهذا الخوف في نهاية المطاف أن تتحول طبيعته إلى تمجيد للهيبة الوطنية الدائمة. فالدولة القومية في نظر معاصرينا هي الحامي الأول، وفق نوربرت إلياس، وتتمثل في "عناد" المقاومة التي يشنها "تمثيل مثال نحن" على تحول التشكيلات السياسية . ويمكن أن يكون الأمر نوقش أيضاً في فترة الدفاع العنيد عن مُثُل بلادنا.
3.1. عن مناوءة الإسلام المعبر عنها بالخوف من الإسلام
مثّلت مناوءة الإسلام الفترة كلها، ليس فقط في خطاباتها بل كذلك في بنيتها. ويبرز هذا المناخ في طرق مختلفة.
استُثني المسلمون المنظمون، خصوصاً في المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية، فوراً من عملية النقاش حول مسألة الحجاب. وبعد تأسيس المجلس إثر عملية تحضير استمرت لثلاث سنوات ونصف سنة مع وزارة الداخلية، يبدو فعل الاستثناء لافتاً. ففي البرنامج التلفزيوني مو كروازيه الذي تلا حادثة بورجيه، في 26 نيسان 2003، قال باتريك ديفيدجيان، وزير الصناعة القريب من ساركوزي، في مداخلة مشككاً: "لم نؤسس المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية ليسائلنا حول أول قضية مهمة تبرز!" . ولم يكن أي من ممثلي المجلس عضواً في لجنة ستاسي، المؤلفة من شخصيات ذات صلة في طرق مختلفة. فعلى رغم تعيينهم كما يجب، لم يُعطوا سلطة التعبير وفق الديمقراطية الدستورية حول مسألة تعنيهم في شكل أساسي. ويُعتبَر هذا التهميش للمسلمين "المعترف بهم" صفة من صفات مشروع تسييس الحجاب الإسلامي في فرنسا في 2003 .
ويبدو من الخطاب المناوئ للإسلام في الإعلام أن هذه المناوءة شُرِّعت رسمياً خلال الفترة. "فلنجرؤ على قول كل الشر الذي نظنه في الإسلام". لقد تمكن كلود إمبرت، المعلق في لو بوان والعضو في المجلس الأعلى للإدماج، من إعلان مناوءة الإسلام من دون أن يراجع واجباته.
أخيراً، من المثير للاهتمام العودة إلى الآراء التي طُوِّرت في تقرير ستاسي. فالتقرير الذي رحب به رئيس الجمهورية والطبقة السياسية، ليس دراسة مفصلة للإسلام وأنماط التعبير الخاصة به في فرنسا المعاصرة . هو يبدو أكثر كخطاب خوف. ويبدو البيان العام للأسباب في مقدمة التقرير، مقلقاً في شكل خاص، إن لم يكن مرعباً. ففرنسا تواجه خطر "مجموعات متطرفة تعمل في بلادنا لتختبر قوة الجمهورية وللدفع ببعض الشباب إلى رفض فرنسا وقيمها"، يقول، ولهذه المجموعات مستمعون في الكتلة السكانية المهاجرة. وتتضاعف الهجمات على العلمانية. فمن دون تقديم دليل، يقدّم التقرير أسباباً يعتبرها وجيهة لكي تصغي هذه الكتل السكانية "بتعاطف إلى أولئك الذين يدعون إلى محاربة ما نسميه قيم الجمهورية":
صعوبات الإدماج التي يواجهها الذين وصلوا إلى بلادنا في العقود الأخيرة، وظروف العيش في كثير من ضواحي مدننا، والبطالة، والشعور لدى كثيرين ممن يعيشون في أراضينا بأنهم يتعرضون إلى التمييز أو مبعدون عن المجتمع الوطني...
هل للمهاجرين سبب وجيه للإصغاء بتعاطف أو هم يفعلون ذلك بسبب العادة؟ إن لم يحصل هذا السؤال على إجابة، يبدو الدليل على نجاح بعض الناشطين الإسلاميين غير مشكوك فيه: "يجب أن نكون واضحين: نعم، المجموعات المتطرفة تعمل...". ولا يقدم النص دليلاً موضوعياً بمقدار ما يلعب بين السطور والفرضيات والتلميحات والتعميم المبالغ، معطياً المجال للتفسير وفق الفهم العام الأكثر خيالاً. وعن المدارس، تُعتمَد المقاربة نفسها، مدفوعة بحالات شهيرة أثرت في رئيس الجمهورية . فالانقطاع عن المدرسة بغرض الصلاة، وحالات الغياب، والتشكيك "في فقرات من منهج التاريخ أو علوم الحياة والأرض"، والتقارير الطبية المزيفة، ومقاطعة الامتحانات من طالبات يرفضن "أن يستمح إليهن ممتحن رجل" إلخ: لا بد أنها حالات تزيد في المدارس بسبب التأثير الذي يناله الإسلام في الكتل السكانية المهاجرة. إنها العوامل الخطابية تعمل مجدداً.
تنسجم هذه المقاطع مع سياق جلسات الاستماع التي عقدتها لجنة ستاسي. ويمكن الافتراض أن إنتاج "ذعر أخلاقي" يجسده الإسلام كان داعماً أساسياً لعملها. وكانت اللجنة تعكس أصداء أيضاً، فهذا الخوف من الإسلام ينتشر في المجتمع من خلال مجلات وسلسلة مطبوعات. وكان تأثير المبالغة الجماعية توافقياً، ونال في نهاية المطاف دعم منظمات كبيرة قادت المعركة ضد فكرة القانون.
3.2. الأمة تعاني: أزمة سياسة الإدماج
نوقشت خلال الفترة مسألة الهوية القومية. فالحمى القومية التي سادت في الفترة وشرعت في نهاية المطاف الحل التشريعي المتبنى، لم تكن، في رأيي، غريبة عن فكرة أن ارتداء الرموز الإسلامية، خصوصاً في المدارس، لا يزال يُعتبَر أساساً تحدياً للهوية القومية. لكن هذا مجرد جانب من جوانب مشكلة أكبر. فمسألة وجود كثير من الكتل السكانية غير المحلية وإدماجها فيـ"نا"، باتت أكثر حدة في ما يتعلق بالإسلام في السنوات الأخيرة. وتبدو الفترة ذروة في أزمة متكررة تتعلق بسياسة الإدماج.
برزت هذه السياسة في مطلع الثمانينيات مع التغيرات الديمغرافية التي طرأت على الكتلة السكانية للمهاجرين: نصف عملية التطبيع هذه يشمل نساء وشباباً سيكونون بالتأكيد وفي شكل متزايد جزءاً من الكتلة السكانية الفرنسية. وخلال الأعوام 1980 – 1990، تبرز أغلبيات برلمانية من كل انتخابات تشريعية، ويتطور الإدماج السياسي متذبذباً وغير مستقر. وكان اليسار بداية مؤيداً لتعزيز الحقوق قبل العودة في 1984 إلى استقرار قانوني – سياسي، ورعى اليمين الشعور القومي والمشروطية الثقافية ولم تنجح مساعيه إلى تشديد القانون الناظم. ويبدو هذا التحليل لسياسة الإدماج في ضوء المعيار الحزبي صحيحاً خلال أزمة الحجاب بين 1989 و1996: أيد اليسار عموماً رأي مجلس الدولة في 1989، وحاول اليمين العودة إلى تقليد مرسوم بايرو لـ20 أيلول 1994 الذي ينص على أن الرموز "ظاهرة تلقائياً" ويجب حظرها، خصوصاً الحجاب الإسلامي لكن ليس الصلبان أو القلنسوة اليهودية.
وفي خريف 1998، أنهى الاعتراف بالتمييز العنصري من حكومة ليونيل جوسبان هذا السيناريو. وأثار توجيه أوروبي قيد التحضير شعوراً بالقلق، وساهم بُعد موعد الانتخابات في وقف القرار. ويجعل الاعتراف الدفاع غير ممكن عن الوضع القانوني القائم الذي دافع عنه الحزب الاشتراكي لـ15 سنة (يجب إصدار قانون جديد)، فيما كان اليمين السياسي يطالب بالتماثل في الإدماج (تبُرِز المشكلة أن المعركة ضد التمييز ليست في الفارق بل في المعاملة غير المتماثلة).
وخلال الأعوام 1998 – 2003، علقت سياسة الإدماج بين مجالين، مكافحة التمييز في الحياة الاجتماعية وإدماج الإسلام في نظام الحقوق والحريات الخاصة بالأديان الأخرى . ولم توقف هجمات 11 أيلول ولا التبديل البرلماني في 2002 العملية. واستمر تطبيق القواعد القانونية المكافحة للتمييز، الذي أطلقه اليسار، سنة بعد سنة بقيادة اليمين، الذي أعلن، وفقاً للتوجيه الأوروبي، تأسيس سلطة إدارية جديدة. ويتابع اليمين مسألة تطبيع الإسلام، التي أطلقها اليسار أيضاً، والتي أنهت استشارات لشخصيات إسلامية بدأت في صيف 1999 وأسست المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية.
لكن خلال القيام بهذه الخيارات بالاعتماد على وضع برلماني متين، تعمل حكومة الاتحاد من أجل حركة شعبية على جبهات مختلفة تخلق تحديات لحزب الأغلبية. والنتيجة هي لعب على معايير متناقضة، ويختفي التناقض وراء خطاب سياسي يمجد الكاريزما القومية. وهذا يبدو من خطاب جاك شيراك في تروي في 14 تشرين الأول 2002 وتقرير باروان وتقرير ستاسي وخطاب جاك شيراك في 17 كانون الأول. والهدف تثبيت الهوية الفرنسية الأبدية وإعادة بنائها، والانفتاح على التعددية، ولوم "الأصولية" الإسلامية ومحاورة شخصيات إسلامية موسومة بـ"الأصولية"، وإعلان الحرب على التمييز مع الاعتراف بأن "الشعور بالتعرض إلى التمييز" نتيجة موضوعية لتمييز تمارسه الأغلبية الاجتماعية واتهام الإسلام بالتمييز. ربما يبني برنار ستاسي تمثالاً لجانوس. فسرعان ما عُيِّن رئيساً للجنة "مبدأ العلمانية في الجمهورية"، وكلفه رئيس الوزراء في 2003 بمهمة تحضيرية لتشكيل هيئة مستقلة لمكافحة التمييز. وكان التقرير عن العلمانية مركزياً في حملة التشهير بالإسلام وجزءاً من التقديس لعلمانية قومية ما، وهو مهد الطريق إلى قانون 15 آذار 2004. وثمة حلقة ثانية متعجلة افتُتحت في ربيع 2004، من دون عواطف هذه المرة، وتتمثل في تمهيد الطريق لإنشاء الهيئة العليا لمكافحة التمييز ... المنصوص عليها في قانون صدر في 30 كانون الأول 2004 .
أغسطس، 2016
الاصل
http://www.cairn.info/article.php?ID_ARTICLE=DRS_068_0053
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق