لقطة الأرمني .. بألف كلمة

alrumi.com
By -
0

 


سير يعايشها وصور يتأملها: توماس جورجيسيان

لسنوات طويلة تطاردني العبارة التي تقول الصورة تساوي ألف كلمة .. وتحيرني معها محاولات تفسيري لسر الصورة وتوصيف سحرها باستخدام الكلمات..

كما يشغلني أيضا السؤال المتكرر على مسامعي لماذا برع الأرمن أينما كانوا وبالطبع في مصر في أن يكونوا مصوراتية؟ .. وأن يحتلوا مكانا مميزا في ذاكرة مصر والمصريين..وفي تخليد وشوش البشر والحفاظ على اللحظة أو اللقطة اياها التي تقاوم مرور الزمن..

ــــــــ

ولا شك أن بهذه السطور أحاول أن ألجأ لكلمات ـ وربما ألف كلمة أو أقل ـ من أجل التقاط صورة معبرة للمصوراتي الأرمني البارع الذي آثر الظل وفضل أن يقف وراء الكاميرا ــ صندوق عدسة الكاميرا بتعقيداتها ـ في الاستديو من أجل أخذ الصورة الفوتوغرافية والتقاطها وبالتالي تخليدها. نعم اختار هذا المصوراتي أن يضبط العدسة ويسلط الأضواء على فرحة العروسين أو ابتسامة الطفل .. أو على أنوثة المرأة أو جاذبية الرجل .. او على وئام وحضور أسرة بكامل أفرادها طلبت من المصوراتي أن يقوم بالتقاط صورة جماعية لها. وكان التقاط هذه الصورة الأسرية لسنوات طويلة عادة وتقليد.. الهدف منه كما سمعتها من والدتي ومن آخريات من حماة مفهوم "العادة سعادة" .. أن نرسل الصورة للأقارب والأحباب مع نهاية عام أو بداية عام من أجل التهنئة وابلاغهم ,, نحن بخير ولعلكم أنتم أيضا بخير وفي صحة جيدة..

ما من مصري شهير أو شخص بسيط قابلته والا قال لي في لحظة ما "أن المصوراتي بتاعي كان أرمني" .. سواء كان هذا المصوراتي في وسط البلد أو في شبرا أو في الابراهيمية بالاسكندرية ..



البعض من قراء التاريخ وكتابه يذكر بدء تواجد الأرمن ونبوغهم في هذه المهنة الي نهاية القرن التاسع مع بدايات انتشار الفوتوغرافيا وآلات التصوير ولو في نطاق محدود على امتداد العالم .. ومن ضمن الأسماء التي تذكر اسم جبرايل ليكيجيان وكان رساما ومصورا فوتوغرافيا ولد في القسطنطينية (اسطنبول حاليا) في الخمسينيات من القرن التاسع عشر وفي الثمانينيات من القرن نفسه انتقل الى مصر وقام بتصوير أماكن وبشر على امتداد نهر النيل ويعتقد أنه توفى في العشرينيات من القرن العشرين وترك وراءه مئات من الصور ــ  البعض منها صارت من مقتنيات متاحف ومكتبات أوروبية وأمريكية. منها على سبيل المثال مكتبة نيويورك العامة. وقد تم رقمنة هذه الصور الحاضنة لأماكن وبشر في مصر في فترة بداية القرن العشرين. وكلما قرأت سطور عن هذا المصور الأرمني الرائد في مجاله تصدمني العبارة التي تنبهني ـ لا نعرف الكثير عنه.. عن حياته ونشاطه الفني.











ومن النصف الأول من القرن العشرين تظهر صور آرام آلبان وأرميناك أردزروني (أرمان) لبورتريهات شخصيات بارزة مصرية وعالمية. ونجد اسما آخرا أرتين كافوكيان (فوتو كافوك) ليضع بصماته ولقطاته الفوتوغرافية في مصر ثم فيما بعد في كندا وأمريكا وكافة دول العالم. أما المصور الأرمني آرشاك كاراجوزيان فقد جاء الى الاسكندرية عام ١٩٢٧ وبعد عشر سنوات صار مصور الملك فاروق وعائلته في مصر .. وذلك حتى عام ١٩٥٢ . ويجب التذكير هنا أن وراء كل اسم من هؤلاء الأرمن المصوراتية صور وحواديت تحمل الكثير من الذكريات وارثا فنيا تاريخيا تركه لنا هؤلاء  بعدساتهم وبحرفنتهم في الإمساك باللحظة والنظرة..

وليس في إمكاننا بلا شك أن ننسى الصور الجميلة والعظيمة التي ألتقطها المصور الأرمني فان ليو .. صور الفنانين والفنانات ونجوم المجتمع ..انها صور بتنطق كما اعتدنا القول. ولعل صورته ل طه حسين تبقى راسخة في ذاكرتنا. وبالنسبة لصور الشخصيات العامة في الحياة السياسية والفنية نجد عدسة الأخوين جارو وانترو فارجابيديان .. ومنها صور للرئيس السادات والرئيس مبارك .. وأحيانا صور لهم مع أسرتهم. 

ـــــــــــ

كلوز أب .. لقطة مقربة 

الأمر الذي يتم تذكيري به كلما جبت في سيرة المصوراتية الأرمن وهذا ما سمعته أكثر من مرة سواء من أرمن أو من مصريين بأن ما يلفت النظر في تواجد الأرمن في مجال التصوير الفوتوغرافي مثل تواجدهم في مجالات الصاغة والمجوهرات وفي صيانة صحة الساعات وضبط نبض الآلات الموسيقية .. هو طبيعة الأرمني وحرصه وحرفيته واهتمامه في الحرف الدقيقة واجادته للإتقان حتى آخر فتفوتة في المنتج النهائي أو ما يسمى ب Finishing. كما أن جزء من طبيعته أيضا هو حرصه ودأبه على اكتساب الثقة والحفاظ عليها .. يعني شغل أرمن وأنت طبعا عارفهم!! ـ مثلما قيل لي من القريب وأيضا من البعيد.

كما أن عين الأرمني المصوراتي حساسة يرى بها ومن خلالها كل ما هو جميل أو يمكن أن يكون جميلا .. أو بتعبير أدق يلقط الجمال الكامن ويبرزه وأيضا يبروزه .. ومن هنا يأتي المصوراتي الأرمني البارع اللي يلقط اللقطة الحلوة .. بالضحكة أو غيرها .. ويخلدها بصورة .. صورة يعتر بها صاحب الصورة ويحافظ عليها لأنها "بتفكره بالزمن الجميل".. وعفوا  كل هذه اللحظات الجميلة والمشاعر الانسانية التي أتحدث عنها باسهاب وبشوق تنتمي الى سنوات ما قبل كاميرات الديجيتال .. أو الهواتف الذكية .. أو صور السيلفي العجيبة وانستجرام وأخواتها ..

ولا شك أن من يقرأ هذه الكلمات سوف تأتي في باله ذكريات ارتبطت في وقت ما في حياته .. بمصور أرمني عرف يلقط اللقطة اياها التي رفعت من معنوياته فقال: "يا سلام كانت أيام" .. أو يجد في ذاكرته صورة ما كان وراءها مصور أرمني وربما بلكنة الخواجة عندما تحدث معه .. الا أنه في النهاية أسطى وفنان لا شك فيه. وتأتي في بالي الباليرينا الرائدة ماجدة صالح وهي تتذكر الصور التي التقطها لها المصور الأرمني فاهاكن تلبيان وهي تعيش لحظات الابداع والرقص بكل ما تحمله من جمال وانطلاق وتحليق في سماء الفن. واذا ألقيت نظرة على هذه الصور بالتأكيد ستجد الأكثر مما حاولت أن أكتبه في كلمات.

وأتذكر أيضا نعيم صبري الروائي صاحب رواية شبرا وصورته وهو في الخامسة من عمره وهو واقف بكل فخر واعتزاز وآخر شياكة . نعم الصورة تم التقاطها في استديو فوبيس بشارع شبرا .. وكان صاحبها أرمنيا وهو الذي التقط أيضا صور لي في طفولتي وأيضا صباي وأحيانا صور لأسرتي. كان اسمه مسيو أو بارون فيبوس (دولتيان) كما كنا نناديه

ـــــــــ

طالما نتعامل مع الصور .. أو ما يمكن تسميته بذاكرتنا الفوتوغرافية فإن القضية التي تشغلني دائما بجانب معرفتنا بتفاصيل حياة المصور وأعماله.. هي تفاصيل الصورة ـ ال Caption

ثم ماذا عن الصور التي تم تصويرها على مدى عشرات سنوات ربما آلاف الصور .. وأين هي ذاكرة مصر الفوتوغرافية التي يتم الحفاظ عليها وصيانتها وتوفيرها للاطلاع عليها؟.. وان وجدت هل نعرف تفاصيلها: من المصور؟ وأين ومتى تم التقاط الصورة؟ .. ومن هم المتواجدون والمتواجدات داخل الصورة؟.. مع الآسف غالبا ما نكتفي بالذكر بأنها من الزمن الجميل .. أو أيام زمان .. أو أنها في الاسكندرية في العشرينيات من القرن الماضي.. أو القاهرة في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين ..

وهل هذا يكفي ؟ بالطبع لا .

 في العدد الجديد من مجلة فنون ..


Tags:

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)