الكرّاسات" لسيوران... كل أثَر من رائحة الشِّعر يُسمّم النثر - الرومي

Breaking

Home Top Ad

Responsive Ads Here

Post Top Ad

Responsive Ads Here

الثلاثاء، 12 يوليو 2022

الكرّاسات" لسيوران... كل أثَر من رائحة الشِّعر يُسمّم النثر



 يصدر قريباً عن منشورات الجمل كتاب "الكرّاسات"(1957-1972) لسيوران، ترجمة الشاعر التونسي آدم فتحي، هنا مقطع من الكتاب، ننشره بالاتفاق مع الناشر...

سيوران

 

الكرّاسات  

(1957-1972)

 

 

 

1957

 

 

 

26 جوان/حزيران 1957

 

 

قرأتُ كتابًا عن سقوط القسطنطينيّة فسقطتُ معها.

 

 

راغِبٌ في البكاء وسط الشوارع! مُصابٌ بجنون الدموع.

 

 

شُكوكيّتِي لا تختلف عن الدُّوار. أنا لا أفهم إطلاقًا كيف يمكن أن نشكّ بطريقة منهجيّة.

 

 

إميلي ديكنسون: «شعرتُ بجنازة في دماغي». أستطيع أن أضيف مثل الآنسة دو ليبيناس: «في كلّ لحظةٍ من لحظات حياتي».

جنازة العقل الأزليّة.

 

 

هل نَفهمُ يومًا مأساةَ إنسانٍ لم يستطع نسيانَ الفردوس في أيّ لحظة من لحظات حياته؟

 

 

لَدَيَّ ساقٌ في الفردوس مثلما لدَى آخرين ساقٌ في القبر.

 

 

أعِنِّي يا إلَهِي على استنزاف بُغْضِي لنفسي وشفَقَتِي عليها، وعلى أن أكُفَّ عن الإحساس بقَرَفها الذي لا ينضب!

 

 

كلُّ شيء يَؤُولُ فِيَّ إلى الصلاة واللعنة، كلّ شيء يصيرُ إلى نداءٍ ورَفْض.

 

 

كلامُ شحّاذ: «نُصلّي إلى جانب زهرةٍ فتنمُو بِشَكْلٍ أسرع.»

 

 

أن أكون طاغيةً عاطلاً عن العَمَل.

 

 

شِعْرٌ أزليّ بلا كلمات: صمتٌ يُزمجر تحتي. لماذا لا أملك موهبة الكلمة؟ أن أكون عقيمًا مع كلّ هذه الأحاسيس!

أفرطتُ في تنمية الإحساس على حساب التعبير. عشتُ بواسطة الكلام. - هكذا ضحّيتُ بالقول طيلةَ هذه السنوات بل طيلةَ حياة كاملة – دون بيت شعريّ واحد!

 

 

القصائدُ التي كان في وسعي أن أكتبَها والتي خنقتُها فِيّ افتقارًا للموهبة أو حُبًّا في النثر، تَظهَرُ فجأةً لتطالب بحقّها في الوجود، لِتصرخ في وجهي باستنكارها وتغمرني.

 

 

الكتابةُ المثاليّةُ في نظري:

إخراسٌ أبديٌّ للشاعر الكامن في الذات. تصفيةُ آخر آثاره الغنائيّة - الذهابُ في الاتّجاه المعاكس لما نكون. خيانةُ كلّ إلهام. الدَّوْسُ على كلّ اندفاع وحتى على كلّ تكشيرة.

 

 

كلُّ أثَرٍ من رائحةِ الشِّعْرِ يُسمّم النثر ويجعله غير صالح للتنفّس.

 

 

لديَّ شجاعةٌ سالبة، مُوجَّهةٌ ضدّي. لقد حوّلتُ وجهةَ حياتي إلى غير الاتّجاه الذي أملتهُ علَيّ. لقد ألغيتُ مستقبلي.

 

 

لديّ أسبقيّةٌ كبيرة على الموت.

 

 

أنا فيلسوفٌ عَوّاء. أفكاري تنبحُ، هذا إن كان ثمّةَ مِنْ أفكار. إنّها لا تشرح شيئًا. إنّها تنفجر.

 

 

عبدتُ طيلةَ حياتي طغاةً كبارًا متورّطين في الدم والندامة.

ضللتُ طريقي إلى الآداب لاستحالة أن أقتُلَ غيري أو أن أقتُل نفسي. هذا العجز، هذا الجبنُ وحدَهُ، هو الذي جعل منّي كاتبًا.

 

 

لو تصوّر الإلهُ أيّ عبء يمثّله بالنسبة إليّ أدنى فعل، إذَنْ لَشَمَلَنِي برحْمَتِهِ أو تخَلَّى لي عن مكانه. ثمّة في إعاقاتي ما هو بالغُ الحقارة وإلهيٌّ في الوقت نفسه. لم يُخلَق أحدٌ لغير الأرض مثلي. أنتمي إلى عالَم آخر. الأحرى أن أقول إنّي من عالَمٍ تَحْتِيّ. أنا مجبولٌ من بصقة شيطان. وعلى الرغم من ذلك! وعلى الرغم من ذلك!

 

يَتنازَعُنِي الحِقْدُ والفزَع. 

 

منغوليةُ القلب.

 

كان إنسانًا أفسَدَهُ العذاب.

 

 

 

2 أوت/ آب 1957

 

 

انتحار أ: هوّةٌ هائلة تنفتحُ في ماضِيّ. تنبثقُ منها ألفُ ذكرى رائعة ومفجعة.

كم كانت تحبّ الانحطاط، وعلى الرغم من ذلك قتلت نفسها لتنجو منه.

 

 

لو أنجزتُ عُشرَ مشاريعي لأصبحتُ أكثر المؤلّفين خصوبةً على الإطلاق. إلاّ أنّ من سوء حظّى أو من حُسْنِه، أنّي تعلّقت بالممكن أكثر ممّا تعلّقت بالواقع، ولم يكن من شيء غريب عن طبعي مثل التحقُّق. لقد تعمّقتُ في أدقّ تفاصيل ما لن يكون في وسعي إنجازه أبدًا. لقد ذهبتُ إلى أقصى الافتراضيّ.

 

 

 

22 أوت/ آب 1957

 

 

فراغٌ فوق طاقة البشر. انهيارٌ مفاجئٌ لكلّ يقينٍ اكتسبتُه بعناء في السنوات الأخيرة...

 

 

وفاة والدي في 18 من الشهر. لا أدري لماذا أشعر بأنّي سأبكيه في مرّة أخرى. أنا غائب عن نفسي إلى درجة أنّي لا أملك القدرة على أيّ أسف، ومنهارٌ إلى حدّ أنّي عاجز عن الارتقاء إلى مستوى أيّ ذكرى أو حسرة.  

 

 

إدراك البُعْدِ اللاواقعيّ لِكلّ شيء، علامةٌ لا تُرَدُّ على كوننا نقترب من الحقيقة...

 

 

إحساسٌ صوفيٌّ بمهانتي وسقوطي.

 

 

رأيتُ اليوم، الأربعاء 25 ديسمبر 1957، وجه أبي الميت، في تابوته.

 

 

بحثتُ عن خلاصي في اليوتوبيا ولم أعثر على بعض العزاء إلاّ في القيامة.

 

 

 

 

 

 

 

1958

 

 

 

17 جانفي/ كانون الثاني 1958

 

 

قبل بضعة أيّام... كنتُ أستعدّ لمغادرة البيت حين أردتُ إصلاح وضع الشال حول رقبتي، فنظرتُ في المرآة. فجأةً تملّكني رعبٌ لا يُوصف: تُرَى من يكون هذا الشخص؟ استحال عليّ التعرّف على نفسي. عبثًا حدّدتُ معطفي، شالي، قبّعتي، لكنّي لم أعرف من أكون لأنّي لم أكن أنا. استغرق الأمر حوالي الثلاثين ثانية. حين نجحتُ في استعادة نفسي لم يتلاش الرعب على الفور، بل أخذ يضمحلّ بشكل غير ملحوظ. المحافظةُ على العقل امتيازٌ يمكن أن يُسحب منّا.

 

 

أقاصي فقدان الإرادة! للنجاة منها أقرأ بين الحين والآخر كتُبًا عن نابليون. شجاعةُ الآخرين تلعب بالنسبة إلينا أحيانًا دور المنشّط.

 

 

أنا ذا أعرف أخيرًا ما هي ليالِيّ: عن طريقها أصعد بواسطة الفكر كلّ المسافة الفاصلة بيني وبين العَماء.

 

 

أؤمن منذ زمن طويل بأنّ قدرتنا على التخلِّي هي المعيار الوحيد لتقدُّمنا في الحياة الروحيّة.

وعلى الرغم من ذلك، ما إن أفحص من جديد بعض قرارات التخلّي التي قمتُ بها، حتى أدرك أن كلّا منها كان مصحوبًا بقدرٍ كبير وإن كان خفيًّا من رضا الكبرياء، وهو تصرُّفٌ مناقضٌ تمامًا لكلّ تعمُّقٍ باطنيّ.

الغريبُ أنّي أوشكتُ على الاقتراب من القداسة! إلاّ أنّ تلك السنوات صارت بعيدة، وباتت ذكراها تؤلِمُني.

 

 

لا أفعلُ من الصباح إلى المساء غيرَ الانتقام. ممّن؟ ممّاذا؟ أجهل ذلك أو أنساه بما أنّي أخصُّ بهِ الجميع... لا أحد يعرف ما هو الحقد اليائسُ أفضلَ منّي. آه! يا لانفجارات سقوطي!

 

 

«ولكنْ كثيرونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرينَ، وآخِرونَ أوَّلِينَ.»

هذا الوعْدُ كافٍ لوحدِهِ لتفسير نجاح المسيحيّة.

(أثناء سقوطي المريع، لم يكن لسماع هذا الوعد أن يمرّ دون أن يثير فيّ بعض الاضطراب. ذاك ما حدث لي يوم 30 جانفي، في الكوليج دو فرانس، في درس بويش عن الإنجيل (المنحول) حسب تُومَا.)

 

 

ماذا يكون المستقبل؟

ثورة الشعوب التي لا تاريخ لها.

في أوروبّا الأمر واضح: لن تنتصر إلاّ الشعوب التي لم تعش.

 

 

عجزي عن العيش لا يضاهيه إلاّ عجزي عن كسب عيشي.

لا يلتصقُ المالُ بجلدتي. بلغتُ السابعة والأربعين دون أن يكون لي دَخْلٌ إطلاقًا.

لا أستطيع التفكير في شيء بمفردات المال.

 

 

كي يكسب المرءُ عيْشَه عليه أن يهتمّ بالآخرين. في حين أنّي لستُ مشغولاً إلاّ... بالإلهِ وبنفسي، بالكلّ وباللاشيء.

 

 

لقد متُّ للتوّ...

 

 

أن تبلغ الحدّ الأدنى والأقصى من الهوان. أن تتغلغل فيه. أن تستسلم إلى السقوط فيه منهجيًّا بنوع من العناد اللاواعي والمرَضِيّ! أن تصبح إمَّعَة أو وضيعًا. أن تغرق في الوحل ثمّ تحت وطأة الرعب والإحساس بالخزي. أن تنفجر وتتمالك نفسك ململمًا ما تبعثر من حُطامك.

 

 

لا أستطيع النزول في عَدَمِي إلى ما هو أسفل. لا أستطيع اجتياز حدود سقوطي. 

 

 

الليلُ يتدفّق في أوردتي.

 

 

مَنْ ذا الذي يوقظني، من ذا الذي يوقظني؟

 

 

لم أعد أجد أيّ موضوع للتفكير، ولا أيّ ذريعة أعمل فيها فكري، من فرْط ما اعتقدتُ ألاّ شيء يستحقّ الاهتمام. إذا كنتُ أريد تلافي الكارثة فإنّ عليّ مهما كان الثمن، أن أبتكر لنفسي مادّة، أن أخلق مواضيع جديدة، أيَّ شيء لا يكون نفسي، أيّ شيء يكفّ عن تطلّب الـ «أنا».

 

 

كتابةُ تقريظٍ لبروسيا – أو «من أجل ردّ الاعتبار لبروسيا».

فقدتُ القدْرَةَ على النوم منذ تمّ خنْقُ بروسيا وإبادتُها. ربّما كنت، إلى جانب ألمانيا، الوحيد الباكي على خراب بروسيا. كانت الواقع الوحيد الصلب في أوروبا. تدمير بروسيا يعني أن الغرب لابدّ أن يقع في قبضة الرُّوس.

البروسيّ أقلّ توحُّشًا من أيّ «مُتمدِّن». حكمٌ مُسبق سخيف ضدّ بروسيا (مسؤوليّة فرنسا عن هذا الموضوع). حكْمٌ مُسبق لصالح النمساويّين، والرينان، والبافاريّين، الأكثر توحّشًا بما لا يُقارن. النازيّةُ نتاج ألمانيا الجنوبيّة (بديهيّة لا يعترف بها أحد).

آن الأوان أخيرًا لقول الحقيقة.

 

 

كان الروسُ على وعيٍ بما يفعلون وهم يدفعون إلى تدمير بروسيا سياسيًّا. أمّا الأنغلوساكسونيّون فإنّهم لم يتبعوا سوى حكم مُسبق ورثوه عن الفرنسيّين (ولهم أعذارهم) الذين باتوا منذ الثورة صُنّاعَ الرأي في العالم، أي صُنّاع الأحكام المسبقة، (عبارة لا يمكن قراءتها) سياسة أمريكيّة. من ناحية أخرى فإنّ إنجلترة لأوّل مرّة منذ ألف عام، تعمل ضدّ مصلحتها، وتتخلّى – وهو انتحار حقيقيّ – عن فكرة التوازن الأوروبيّ.

 

 

نشوة لا توصف. توهّج يفوق كلّ قدرة على التحمّل. كأنّ الشمس اختبأت للتوّ في أوردتِي.

 

 

أن تعجز عن الحياة إلاّ في الخواء أو الامتلاء، داخِلَ إسراف.

 

 

يمكنني في نهاية الأمر ربطُ صلاتٍ حقيقيّة مع الكينونة، أمّا مع الكائنات فلا، على الإطلاق.

 

 

الاستحالات كلّها واحدة: استحالة أن نحبّ، استحالة أن نغادر حزننا الشخصيّ.

 

 

ليس من شكٍّ في أنّ اليأس خطيئة. إلاّ أنّها خطيئة موجّهة ضدّ الذات. (يا له من حدس عميق للمسيحيّة، أن تضَعَ الافتقار إلى الأمل في عِدادِ الخطايا!)

 

 

جاء المرض ليمنح عوزِي مذاقًا، ليُتَبِّلَ فقري.

 

 

الصراخ، في اتّجاه من؟ تلك كانت مشكلتي الوحيدة الفريدة طيلة حياتي.

 

 

 

19 فيفري/ شباط 1958

 

 

سعادةٌ لا تُطاق! آلاف الكواكب تتمطّط في لا مُتناهي الوعي. سعادة مرعبة.

 

 

أحاسيسُ بائس وأحاسيسُ إله. لم أعرف أحاسيس أخرى. النقطة واللامتناهي. أبعادي. أنماطُ كينونتي.

 

 

أيّ قدّيس كنتُ أغدُو لو كان الإحساس ببطلان كلّ شيء قادرًا لوحده على منْحِ صفة القداسة. إذَنْ لاحتللتُ الدرجة الأولى في سلّم القدّيسين!

 

 

منتهى اليأس: الشكُّ في الذات.

 

 

انتهى أمري. أنا على حافة الصلاة.

 

 

 

20 فيفري 1958

 

 

فكّرتُ اليوم، 20 فيفري 1958، في درجة التعفّن التي عليها أبي، وأصدقائي الموتى، وفكّرتُ في تعفُّني الخاصّ.

 

 

وحدهُ العمل يمكن أن يخلّصني لكنّي عاجزٌ عن كلّ عمل. لقد أصِيبت إرادتي منذ وُلدت. مشاريع لا متناهية، وهْميّة، لا مقارنة لها بقدراتي.

 

 

ثمّة شيءٌ فيّ يشلّني، شيء شلّني منذ البداية. مبدأ فاسد في جوهر دمي وعقلي.

 

 

ليس من موضوع يستحقّ أن نعيره اهتمامنا لأكثر من بضع لحظات. اعتراضًا على هذا اليقين سعيتُ إلى أن أحوّل كلَّ فكرةٍ إلى هَوَس: تلك هي الطريقة الوحيدة لجعلها تدوم – في نَظَرِ... عقلي.

 

 

أَلْتَحِقُ بالعَماء ما إن أقوم بتفعيل لعبة الفيزيولوجيا الخاصّة بي. تَمَزُّقُ الأمعاء. مشروع لاهوت خاصّ جدًّا.

 

 

لستُ من هنا. شرْطُ المنفيِّ في ذاته: لستُ في مكاني حيثما كُنت – مُطلَقُ اللا انتماء إلى أيّ شيء. الفردوس المفقود – هَوَسِي في كلّ لحظة.

 

 

ماذا أكون؟ ماذا أفعل من دون السّحُب؟ أقضي معظم وقتي في النظر إليها وهي تعبر.

 

 

 

24 فيفري/شباط 1958

 

منذ أيّام وأنا فريسة فكرة الانتحار من جديد. الحقّ أنّي كثير التفكير في ذلك. إلاّ أنّ التفكير في الأمر شيءٌ والوقوع تحت هيمنته شيء آخر. نوبة مرعبة من الهواجس السوداء. يستحيل عليّ أن أداوم على هذه الحال بوسائلي الخاصّة. لقد استنفدتُ قدرتي على تعزية نفسي.

 

 

كورسيكا، الأندلس، البروفانس – هذا الكوكب لم يكن إذَنْ عديمَ الفائدة.

 

 

قِلّةُ موهبتِهِ لامست العبقريّة...

 

 

أن تتصوّر من المشاريع أكثر ممّا يتصوّره دجّالٌ أو مستكشف، وأن تكون مع ذلك مُصابًا بفقدان الإرادة، مُصابًا – دون استعارة – في أصْلِ الإرادة.

 

 

دماغ مريض. معدة مريضة. والكلّ على غرار ذلك. أصبح الجوهريّ مُعرَّضًا للخطر.

 

 

رؤية انهيار. ذاك ما أعيش فيه من الصباح إلى المساء. لديّ كلّ عاهات النبيّ، وليس لديّ معجزاته.

 

 

وعلى الرغم من ذلك فأنا أعرف – معرفةً جامحةً لا تُقاوَم – أنّي أرى أنوارًا، أو على الأقلّ ومضات عن المستقبل. وأيّ مستقبل يا إلهي!

أشعر بأنّي معاصر لكلّ فزع قادم.

 

 

مَيْلِي الكبير إلى حوادث الغرق.

 

 

لديّ كلّ خصائص المصروع، باستثناء الصَّرَع.

 

 

نوبة عنف لا إنسانيّ، فوق طاقة البشر! يراودني أحيانًا الشعور بأنّ لحمي كلّه، وكلّ ما أملك من مادّة، سيختَزَلُ ذات يوم في صرْخة لن يدرك دلالتها أحد، باستثناء الإله...

 

 

نبيّ مُزيّف: خيباتي نفسُها غَرِقت.

 

 

الشيء الوحيد الذي يناسبني هو نهاية العالم... حاجة إلى الرعب أم ضعْفٌ بلا حدّ؟ 

 

 

تخلّيتُ، من بين أشياء أخرى، عن الشعر...

 

 

مهما كانت اتّهاماتي ونوبات عنفي ومراراتي، فإنّها ناجمة كلّها عن سخط على نفسي، لن يشعر بمثْله أحد على هذه الأرض. قرف من الذات. قرف من العالم.

 

 

كلُّ ما لا يمكن ترجمته بمفردات الدين لا يستحقُّ أن يُعاش.

 

 

«فكّرتُ ذات مرّة في أنّنا إذا أردنا أن ندمّر إنسانًا وأن نسحقه ونعاقبه بقسوة تجعل أعتى لصٍّ يرتعد خوفًا بشكل مُسبق، فإنّه يكفي أن نمنح عملهُ صفةَ الشيء العبثيّ تمامًا، عديم الفائدة على الإطلاق.» (ذكريات من بيت الموتى)

كلُّ ما أقوم به تقريبًا لكسب عيشي يحمل هذه العلامة الدالّة على انعدام الفائدة، لأنّ كلّ ما لا يهمّني بشكل مُطلق، يبدو لي مجانيًّا بشكلٍ يدفع إلى العذاب.

 

 

أشعر أحيانًا في قرارة نفسي بقوى لا تنفد. إلاّ أنّي للأسف لا أعرف فيم أستخدمها. أنا لا أومن بشيء، وكي تفعلَ لابدّ لك من الإيمان، الإيمان، الإيمان... أضيّع نفسي كلّ يومٍ بما أنّي أترك العالمَ الذي يسكنني يَمُوت. وعلى الرغم من ذلك أغرقُ في الدناءة بغرورِ مجنونٍ. أغرَقُ في حزنٍ عقيم. في العجز والصمت.

 

 

روسيا «أُمّةٌ شاغرة» قال دوستويفسكي. هكذا كانت، لكنّها لم تعد كذلك للأسف!

 

 

«لأنّ الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبةً لخلاصٍ بلا ندامة. وأمّا حُزنُ العالَم فينشئُ موتًا.»

(رسالة بولس الثانية)

 

 

«الذين ينتظرون الموت (...) ويحفرون عليه أكثر من الكنوز.» (سفْر أيّوب)

 

 

ثمّة شيءٌ من اللذّة في مُقاومة نداء الانتحار.

 

 

روسيا! أشعر بانجذاب عميق إلى هذه البلاد التي دمّرت بلادي.

 

 

الرحمة – تشتمل هذه الكلمة لوحدها على عوالِم كثيرة. كم يذهب الدين بعيدًا! لقد تجاهلتُ المسيح وأنكرته قصْدًا، إلاّ أن طبعي المنحرف يمنعني من الندم على ذلك.

 

 

نحتاج كي نكتب إلى حدٍّ أدنى من الاهتمام بالأشياء. لا بدّ من الإيمان بأنّ من الممكن التقاط تلك الأشياء أو على الأقلّ ملامستها بواسطة الكلمات. لم يعد لديّ شيء من هذا الاهتمام ولا من هذا الإيمان...

 

 

ابتسامته البدائيّة.

 

 

تتقاذفُني الكلبيّة والمرثيّة.

 

 

كم كان مصيري يخفّ لو كنت أستطيع أن أكتب مزمورًا كلّ يوم. هل قلتُ أكتب! لو كنت أستطيع حتى أن أقرأ واحدًا، وواحدًا فحسب!

 

 

-أنا دُونَ خلاصِي. والأفضل أن أقول: لديّ تصوّرٌ لوسائل خلاصي، إلاّ أنّي لا أملك هذه الوسائل ولا أستطيع امتلاكها...

 

 

أكبر حكيمين في العصور الغابرة: أبكتيتوس وماركوس أوريليوس، عبد وإمبراطور.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Bottom Ad

Responsive Ads Here

الصفحات