طارق الحجيري
مؤسف جدا أننا لا زلنا نسمع ونرى ونقرأ في عصرنا الحالي عن جرائم ومآسي ترتكب في حق المرأة والطفولة تحت حجج وذرائع واهية ومنها الشرعية تعلق بتزويج القاصرات.
لذلك وبدل اضاعة الكثير من الوقت يجب التركيز على ضرورة الاسراع من المجلس النيابي الجديد البت واقرار القوانين الموجودة في الادراج منذ سنوات .
هذا الاسراع تحتمه ارتفاع نسبة تزويج القاصرات في لبنان بحسب دراسات أعدتها جمعية مساواة – وردة بطرس للعمل النسائي حيث بلغت نسبة تزويج القاصرات اللبنانيات 57.3% من مجمل عقود تزويج القاصرات المسجلة في لبنان .
تزويج القاصرات او كما تجري تسميته تخفيفا وتلطيفا " زواج القاصرات " لأنه بغالبيته الساحقة يكون المقصود فيه الاطفال الإناث تحت سن ال١٨ سنة .
سال في هذا الموضوع حبر كثير ودارت حوله نقاشات ونقاشات وعقدت لأجله ورش العمل والابحاث الطبية والاجتماعية والنفسية وغيره لكن في بلادنا وعكس الغرب يصطدم كل مرة بحائط (تابو ) المقدسات والمحرمات وما يجيزه الشرع وما يرفضه.
الدين والزواج
يعتبر رجال الدين المسلمون ان تحديد سن الزواج ب١٨ سنة وما فوق هو بدعة مرفوضة وافتئات على الدين ونصوصه وتفاسيره التي تربط سن الزواج للفتاة بالبلوغ الجسدي ( الدورة الشهرية ) ولا يجوز ابدا الدخول او محاولة الدخول والنقاش فيه ويرفضون رفضا قاطعا اي اقتراح لتعديله ولو مواربة .
فيما رجال الدين المسيحيين لا يمانعون من تحديد سن الزواج ويرحبون به جهارا وعلانية لكنهم في الوقت ذاته يجمعون على قدسية الزواج الكنسي ويربطونه بالتشريع الديني .
قوانين نائمة في ادراج مجلس النواب
الناشطون الحقوقيون والجمعيات المدنية وخاصة المختصة بالنساء والأطفال يعملون جاهدين وبشكل حثيث لاستصدار قانون يحدد سن الزواج ب١٨ سنة وما فوق ولذلك قدمت اللجنة الوطنية لشؤون المرأة عام ٢٠١٤ مشروع قانون عبر النائب غسان مخيبر لا ينص صراحة على تحديد سن الزواج بـ١٨ سنة لكنه يشترط موافقة قاضي الاحداث عليه وهو ما اعتبره الكثيرون مواربة في سن قانون جدي .
بينما أكدت منسقة المناصرة في التجمع النسائي الديمقراطي جويل عبد العال أن التجمع تقدم عام ٢٠١٧عبر النائب ايلي كيروز بمشروع قانون ينص صراحة والزاميا بتحديد سن الزواج ب١٨ سنة وما فوق وقد لاقى وبعد ال٢٠١٨ تابع النائبان انطوان حبشي وجورج عقيص هذا المشروع وقد لاقى الاعتراض الشديد ورفضته بعض الكتل النيابية ورفضت حتى المشاركة بنقاشه بحجة معارضته التشريعات الدينية وانه من اختصاص المحاكم الروحية وليس المجلس النيابي .
لكن في العام ٢٠٢١وافق المجلس الشرعي الاسلامي على تعديل نظام احكام الاسرة لجهة منع زواج القاصرين ،، وهو ما اعتبره كثيرون انه تقدم جيد في مجال اقرار القانون ، ، لكن ملحقات المادة ٤٠ منه تركت مجالا لإستثناء من يعتبر انهم بلغوا سن الرشد العقلي والجسدي والنفسي !!!!!
الغريب العجيب فعلا ان الدولة اللبنانية التي لم تعثر حتى اليوم على الية لسن قانون منع تزويج القاصرات قد انضمت سابقا الى اتفاقيتين دولتين تمنعانه وتحاربه وهما اتفاقية حقوق الطفل – تم التوقيع عام ١٩٩٠ – واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة – تم التوقيع سنة ١٩٩٧ – لذلك فإن توقيع هذه الاتفاقيات ثم العمل ضدها يؤكد ارتهان المشترع اللبناني لسلطة رجال الدين بينما الصواب هو الارتهان للضمير الانساني ومصلحة الانسان .
إن السماح باستمرار تزويج القاصرات وخلق الاعذار والمبررات له تارة باسم الدين واخرى باسم العادات والتقاليد او الفقر والعوز او الحروب والكوارث تجتمع جميعها وتخلص لنتيجة واحدة وهي خلق المساحة لتدمير المجتمع .
فتزويج القاصرات يرفع من نسبة الامية والتسرب المدرسي ويزيد الجهل المجتمعي ويزيد الأعباء الاقتصادية ويعرض الفتاة واطفالها لمخاطر صحية كما يرفع احتمالات التفكك الأسري والطلاق وضياع مستقبل الاولاد وانتشار الآفات المجتمعة كالتجارة بالبشر والدعارة والمخدرات والانحراف والسلوكيات الشاذة .
فرصة واعدة
اليوم وبعد اجراء انتخابات نيابية جديدة ووصول عدد لا باس به من النواب التغيريين الجدد الذين سبق لهم العمل والغوص في المشاكل الاجتماعية والتربوية والصحية وغيرها ،، وفي ظل ازمات سياسية اقتصادية اجتماعية اعلامية فإن نهوض البلد من كبوته بحاجة لتطوير الكثير من آليات عمل الدولة وثمة حاجة كبرى لتشريع قوانين عصرية تواءم سرعة التطور العلمي والتكنولوجي ، لذلك فالفرصة مؤاتية لاقرار قانون تحديد سن الزواج.
هذه الفرصة يجب اغتنامها وبسرعة عبر خلق لوبيات ضغط وفتح قنوات تواصل مع المجلس النيابي والاعلام والمجتمع المدني وكل القوى الفاعلة لانزال قوانين الاحوال الشخصية من مرتبة القداسة ووضعها على الطاولة للتشريح التشريعي الجدي بحيث يجري الابقاء على الجيد وتصحيح الخطأ واستيلاد للغير موجود وبينها تحديد سن الزواج .
الركون والاستسلام للماضي بلا جدوى انما يجب الإيمان بالغد والمبادرة لتهيئة وتوفير كل اسباب نجاح وتقدم مجتمعاتنا وتطورها على الصعد كافة .