كلُّ حرب تقع، على أية بقعة من الأرض، هي حرب خاصة بكلٍّ منا، حربنا التي تسدُّ علينا منافذ الضوء وتغيّر مجرى حياتنا، تقلب نهاراتنا ليالي ولي...
كلُّ حرب تقع، على أية بقعة من الأرض، هي حرب خاصة بكلٍّ منا، حربنا التي تسدُّ علينا منافذ الضوء وتغيّر مجرى حياتنا، تقلب نهاراتنا ليالي وليالينا نهارات، مثلما تكون استمراراً وتواصلاً للحرب التي سبقتها، وإن لم يربط بينهما رابط أو تجمعهما أسباب السياسة وضغائن الجغرافيا ونعرات التاريخ، فالحروب مثل لقطات متتابعة على شريط سينمائي، كوادر متلاحقة لا يفصل بينها سوى فاصل دقيق يختفي فور عرض الفلم، ولا يعد أمامنا على الشاشة غير مشاهد من حروب متداخلة الفصول والأهوال، ممتدة امتداد التاريخ البشري، حروب تتداخل كما لو كانت حرباً واحدة طويلة الأمد، لا بدء لها ولا انتهاء، تلمح، على الشاشة، وجهين يتداخلان من دون أن تدرك أيهما من وجوه حرب أوسترلتز التشيكوسلوفاكية، وأيهما من وجوه حرب الأفيون التي وقعت بعدها بعقود قليلة، وترى فارساً يلفظ أنفاسه الأخيرة فتظن أنه من فرسان الحروب الغالية التي قادها يوليوس قيصر بين عامي 58 ـ 51 قبل الميلاد، وسريعا ما يراودك الشك، فلربما كان الفارس الذي يموت من حرب ثابسوس التي وقعت عام 46 قبل الميلاد جنوب شرقي قرطاجة، تتصفح معاجم الحروب وتقلّب صفحات موسوعاتها بحثاً عن الحرب الأولى في تاريخ الحروب، أصل الحروب وجوهرها، يستغرق البحث وقتاً ليس بالقصير، بغير الوصول إلى نتيجة، كل معجم يبتكر أسباباً ليجعل من حرب ما فاتحة الحروب، ولن تجد مهما حاولت معجمين يتفقان على نقطة بدء واحدة،تترك الانشغال بالحرب الأولى وتعود إلى مقدمة المعجم باحثاً عن الجملة المفتاحية، ظناً منك أن العثور على جملة أسهل من العثور على حرب، "تاريخ البشرية تاريخ مضطرب، تمثل فيه الحروب حيزاً واسعاً"، إنها عتبة المعجم، وهي الجملة التي تصح أن تكون خاتمة له، ليس ثمة في معجم الحروب سوى جملة واحدة تحدثنا، مهما تغيرت مبانيها، عن جنون الانسان ووحشيته، التاريخ المضطرب يحدثنا، من جهته، عن حرب لا انتهاء لها، الحرب التي تلفُّ خيوط رمادها على الكوكب، تمنع عنه الضوء والهواء، حروب تزحف في أراضي العقل المعتمة يحدوها أمل واحد: أن تصل في اللحظة التي تُنفخ فيها الأبواق وتُوقد النيران.
ليست هناك تعليقات