.. خلاصة محمود درويش في الشعر والحياة * raya.com هذا كتاب من ٥١٥ صفحة يضم ما أمكن جمعه من حوارات الشاعر الكبير الراحل محمود درويش وضع لها ...
..
خلاصة محمود درويش في الشعر والحياة
* raya.com
هذا كتاب من ٥١٥ صفحة يضم ما أمكن جمعه من حوارات الشاعر الكبير الراحل محمود درويش وضع لها جامعها ومقدمها سعيد البرغوثي عنوان «الطروادي الأخير» في إشارة إلى مدينة طروادة الإغريقية القديمة ومقدمة ورد فيها: «في هذه الحوارات، وعلى خلاف الشعر المشغول بأناة وصبر قاطع الألماس، تتجلى براءة اللحظة وعفويتها وهمها السياسي بالإضافة إلى سجالية الفكرة، كاشفة عن شاعر مفعم بالثقافة ومشبع برغبة الحياة وفيها يظهر محمود درويش الشاعر والعاشق والمفكر والفيلسوف أيضا، وتظهر لنا هذه الحوارات أن غنى تجربته الشعرية نابع من بصيرة ثاقبة مصقولة بجوهر ثقافي كوني يصهر المأساة فيها ويتقمصها حيناً ويتجاوزها حيناً آخر ويعيد صياغتها بعاطفة مشبوبة بعقل نهم لا يرتوي أبدا. الشعر يتلألأ عند محمود درويش كما لو أنه جوهرة التاج في مملكته الفردية غير أن المتتبع لكل آثاره، ومنها هذه الحوارات، سيكتشف أن جميع ما صدر عنه عبارة عن قطع من هذا التاج النفيس، إنها جواهر يزاحم بعضها بعضا بالقيمة والجمال والشغف».
الحوارات هي خلاصة محمود درويش وآراؤه في السياسة والشعر وفي كل قضايا الحياة وكما هو معروف، فقد كان عفويا سريع البديهة يتدفق كما يتدفق السيل، يسأل فيجيب على الفور، ولكن تلك الإجابة المحكمة الدقيقة والخالية من الدبلوماسية. وإذا كانت فلسطين والشعر من أبرز ما تناوله في حواراته، فإن هذه الحوارات تتضمن أيضا ما يصح اعتباره مدخلا إلى عالمه الشخصي، أي إلى حياته الحميمة. ولا شك أن أحد المداخل الأساسية لقراءة إنتاج شاعر ما هو التقرب من عالمه الداخلي، من النصف غير المرئي فيه، وهذا ما لا يحدث إلا نادراً مع الشعراء العرب لأسباب عديدة منها تحفظ الشاعر وانغلاقه على ذاته. أما إذا قبل الشاعر الدخول إلى عالمه الخاص، فهو إنما يسلم كلمة السر أي المفتاح الذي يفتح أبواب اللغز، فلا تعود الأبواب موصدة.
في هذه الحوارات الشيقة التي تعيد إلى الذاكرة واحدا من أعظم شعراء العرب في العصر الحديث حوار خاص مع الشاعر حول حياته الشخصية أجرته صحيفة عربية مقيمة في باريس هي أوراس مخلوف يتضمن أسئلة وأجوبة مختلفة نادراً ما شكلت مادة أو موضوعا حواريا مع شاعر.
تسأل الصحيفة الشاعر: تدخل إلى صالة استقبال، فتطالعك مجموعة من النساء بين الحضور.. أيهن تسترعي انتباهك؟
فيجيب: جاذبية المرأة هي أكثر ما يسترعي انتباهي فيها.
أما تحديده للجاذبية فهو أنها مجمل صفات سرية، شبه سحرية، تقدم الجمال الداخلي والخارجي للمرأة بتناسق يثير الإعجاب والدهش.
وتسأله: افترض أنك اقتربت من تلك المرأة وتعرفت عليها عن كثب، فاكتشف أنها تجهل من أنت وأنها غير ملمة بشعرك، فهل يترك ذلك تأثيرا سلبيا على علاقتك بها؟
ويجيبها: عدم معرفتها بي لا يجرحني إطلاقا. على العكس من ذلك، يؤسس لحوار أتقدم به إنسانا لا شاعراً فأكون أكثر براءة وتكون علاقتها بي أكثر براءة أيضا، لأن الشهرة تجرح تلقائية العلاقة وعفويتها وكثيراً ما وقعت في تجارب كانت الشهرة سبب فشلها، أي أن العلاقة لم تكن بين إنسانين، بين رجل وامرأة، بل كانت بين امرأة واسم.
وتستنتج الصحفية أن الشهرة تسيء إلى علاقات محمود درويش بالمرأة. فهل يعود ذلك إلى أن النساء عادة يبحثن من خلال الشاعر عن مثال خصوصا وأن اسم الشاعر مرتبط بقضية مرادفة للحلم والمستقبل والتغيير.
يقول الشاعر: هذا صحيح وأخطر من ذلك هو تحولي بنظر المرأة إلى نمط وموضوع أكثر من كوني إنسانا. أنا أفضل أن تتعامل معي المرأة كإنسان وليس كشاعر هذه بالطبع ليست مسألة مغلقة، ولكن ثمة التباسا قائما. فأنا لا أريد أن أتحول لا إلى مثال ولا إلى نمط، لأن مثل هذا التحول يشكل فاتحة لفشل العلاقة حين يمثل الشاعر قيمة كبيرة بالنسبة إلى الناس يصير في موقع آخر وهو في هذه الحال مطالب مطالبة شديدة.وينسى الناس الذين يتعرفون على سطح الشاعر أن الشاعر مهما كان يمثل قيمة كبيرة، فهو مركب من مقومات إنسانية حساسة يجب أن تراعى.وتسأله الصحفية سؤالا حساسا أو محرجا: هل تعتقد أن بحث المرأة فيك عن مثال، هو واحد من أسباب فشلك في الحياة الزوجية؟ويجيبها: لا أعرف لماذا فشلت لأنني لا أفهم أصلا لماذا تزوجت.ومن لا يعرف لماذا تزوج لا يمكنه معرفة ما إذا كان نجح في الزواج أم فشل.
لكني أعتقد أن أحد أخطاء حياتي الخاصة هو أني تزوجت، لأن الزواج لم يمنحني شيئا. وأنا إنسان شديد الأنانية فيما يتعلق بعملي، وهي أنانية مرتبطة بموضوع واحد هو موضوع شعري. لذلك أقيس العلاقات والأماكن والمدن كلها بمدى قدرتها على خدمة شعري.
حتى علاقتي مع البشر تخضع لهذا المقياس. ومن يحرك في الشاعرية أحبه وتتعمق علاقتي به ثمة من يقربني من الشعر وثمة من يبعدني عنه.
الإنسان مقسوم إلى قسمين: شاعري وغير شاعري هناك امرأة شاعرية وامرأة غير شاعرية.
الزواج لم يكسب شعري شيئا على الإطلاق، بل هو على العكس من ذلك سرق مني بعض الشعر!.
هل يعود ذلك إلى كون الزواج مؤسسة تطالب بواجبات تقليدية تتناقض مع الشعر؟
لم أعرف ما هي المؤسسة لأن مدة زواجي كانت قصيرة جدا. قد يكون السبب هو خوفي من فكرة المؤسسة هذا ما جعلني أبقى مستنفرا ضد التدجين الذي تمارسه المؤسسات قد يكون السبب أيضا هو أني تسرعت في الإقدام على مشروع لم أكن متأكدا منه، أي أني قبلت المرأة ولم أقبل الزواج. وفي هذا التعارض وصلت إلى التوبة ولكني لا أستطيع أن أحمل أحدا أية مسؤولية. أنا إنسان غير قابل للتدجين وغير قابل للاعتراف بأني دخلت أي قفص حتى لو كان قفصا ذهبيا. وقد يكون هناك سبب آخر غير الرتابة وهو أني لم أوفق. على أي حال يبقى الباب مفتوحا للدفاع عن نفسي وللدفاع عن الزواج نفسه لأنني لا أريد أن يفهم مني أنني عدو للزواج. فلم أعرف الزواج لكي أحكم عليه، تجربتي الشخصية لم تكن لتشجعني على الصمود ولكنها لا تكفي لكي أحكم على الزواج.
وتسأله الصحفية: «من يقرأ شعرك ويتتبع كتاباتك، يشعر بأن الشروع في علاقة عاطفية جديدة هو بداية لحزن ما، حتى أنك كتبت مرة: إني لا أحب الحب لأنني لا أحب وضوح هزيمة الحلم المتحقق».
ويجيب: لا أعرف لماذا أن كل جمال عميق يحرك في النفس البشرية الحساسة موجة حزن عندما أصطدم بجمال مؤثر أشعر بأسى في حالة الحب -إذا كان لي أن أتكلم عن الحب بمعرفة، وأنا لا أدعي هذه المعرفة- يأخذني الحب من نفسي فيغربني، أحس بغربة أعبر عنها بأشكال حزينة. الحب يأخذ المحب إلى اغتراب.
ولا يرى أن هناك تعريفا نهائيا للحب، كما ليس هناك تعريف نهائي للشعر، لكل حالة حب قانونها وعلاقاتها وطبيعتها واختلاف بدايتها ونهايتها «ولو خيرت أنا شخصيا لفضلت ألا أقع في الحب. أنا لا أحب الحب لأني أخاف منه».
ولكن هل في هذا الموقف شيء من الأنانية؟ ربما قد يكون هذا الرفض انعكاسا لطاقة حب كامنة في أخشى أن تجرفني فأقومها باليقظة وبالابتعاد عن التجربة. الأنانية هنا ليست أنانية شخصية لأني أناني في المحافظة على ما في من شعر أو بقايا شعر.
وتقول له إن الحب يبدو في حديثه وكأنه يتناقض مع الشعر ولكن هل هناك شعر من دون حب؟
فيجيب بأن الحب مثل الزهرة يحتاج إلى تفرغ وإلى عناية يومية» إذا خيرت بين قصيدة جميلة وقصة حب جميلة أنحاز إلى القصيدة على الرغم من صعوبة الاختيار، قد أعجز في البداية عن الاختيار لكني أتغلب على نفسي وعلى جاذبية الحب وأنحاز إلى القصيدة. ولكن هل تنبت قصيدة من غير حب؟ طبعا لا.
إذاً.. أنا في حالة مد وجزر. في حالة استسلام ورفض أنا الآن أتكلم بهذه الحرية لأني مرتاح البال ومتحرر. أنا أعيش أجمل لحظات حياتي الآن لأني لا أحب. أصحو من النوم بلا آلام كل وقتي مكرس للكتابة لذلك أمارس بطولة لا معنى لها لأنها بلا تحد، لو كنت في حالة حب الآن لكان الحوار جرى بشكل مختلف. الوضع العاطفي المحدد يغير لغة الإنسان، يدفعه إلى تبني لغة مختلفة حول المضمون نفسه.
ولكن هل بحث عن أمه في المرأة؟
أمي موجودة في شعري وفي حياتي لكني لم أمر بتجربة البحث الواضح عن أم. قد يكون هناك بحث مبطن عن أم. أحيانا يبحث العاشق عن أم أثناء بحثة عن حنان، وعندما يكون ضعيفا أو مريضا هناك تتحول المرأة إلى أم، أما في العلاقة السوية والطبيعية فلا أظن أن الإنسان يبحث عن أمه ولكن في المرأة قدرات من المرونة والتحولات النفسية والعاطفية تجعلها تتحول إلى أم، لأننا حين نحب نتحول إلى أطفال. الحب يحول العشاق إلى أطفال والمرأة تتقن لعبة الأمومة، فهذه نزعة موجودة عندها. المرأة لا تربي ابنها فقط، بل تربي زوجها لأن عند المرأة بشكل عام رغبة واضحة أو مخفية في تغيير الرجل، هذه الرغبة تأخذ شكل الهاجس الذي يبلغ أحيانا حد المرض لأنها أم تريد أن تجعل الرجل على صورتها أو أن تحوله إلى طفلها.
ولكن أما من صفات تزعجه في المرأة؟
يصف السؤال بأنه حساس ويرجو ألا يُغضب الجواب المرأة. أول الصفات التي تزعجه في المرأة إصرارها الواضح على الامتلاك. مراقبتها البوليسية للرجل وادعاؤها التسامح في الوقت نفسه، صباح المرأة بطيء، صباحه هو بطيء جدا ولا يتحمل أن يشاركه في الصباح أحد. بطء المرأة في الوداع.المرأة لا تعترف بسرعة الإلحاح على اختبار ما يحمله الرجل من حب. عدم إتقان في الاختفاء في الوقت المناسب، عدم الانسحاب عن رجلها أثناء عمله، مراقبة خواطره والتجسس على خياله.
ويدلنا على نقاط ضعفه في الحب:
أنا أحب الامتلاك وأحب التغيير، طبيعي ليست مساومة أنا أخاف من تقديم التنازلات شرط الحب هو تقديم التنازل بلا رقابة، هو استسلام غير مشروط للآخر، أنا غير قادر على هذا الاستسلام وغير مهيأ له إلا إذا وقعت في شروط أخرى ألقي بها أسلحتي، هناك عيب آخر في هو أني استنزف جمال العلاقة، طبيعتي مندفعة جدا وأنا متراجع بلا مقدمات أنتبه للاندفاع، فأتراجع باندفاع.
هذا الأمر يغضب المرأة بالطبع لقد قلت في قصائدي: «أنا العاشق السيئ الحظ» ولكن كان علي أن أذكر أيضا: «العاشقة السيئة الحظ» أرجو أن لا يكون حديثي هذا بلاغا ضد السيئات، قد يكون السبب في ذلك عدم استقرار حياتي وعدم انتمائي إلى مجتمع ، يجب ألا أرحم نفسي من النقد ولكن يجب أيضا أن آخذ في الاعتبار ظروف حياتي .
ليست هناك تعليقات