عدي الزعبي ... عن محمود درويش

alrumi.com
By -
0

 



قرأت بعض ما قيل في درويش، ويبدو لي دوماً أن المشكلة تكمن في تحويله إلى صنم، كما حصل مع غيره: مع طه حسين وإدوارد سعيد ونجيب محفوظ وسعد الله ونوس وغيرهم. معظم ما يُكتب عن الأصنام يقتصر على العبادة او التحطيم. 

أنا معجب جداً بشعر درويش، ومعجب بشخصه وبدوره الثقافي النقدي أكثر حتى من شعره. ولكن عندي تحفظات على الكثير من شعره، حتى في مرحلته الأخيرة، قصيدة الجميلات على سبيل المثال، أو قصيدة رثاء إدوارد سعيد: الاولى تسقط في كليشيهات مملة، والثانية في رثاء فارغ، يحوّل سعيد إلى صنم: لا يوجد الكثير مما يربط نضال درويش وشخصه وحياته بالبرود الثقافي والأكاديمي لسعيد، ولا يوجد أي مشترك بين حميمية شعر درويش وغنائيته وثوريته الساحرة العميقة في أعماله الاخيرة النثرية والشعرية، وبين تذمر سعيد من صورة المسلم في الثقافة الغربية وتخبطه الذي أورث بعض تلامذته انغلاقاً شديداً على الذات وإيماناً بخصوصية ثقافية مرضية عصابية تتجلى في أعمال جوزيف مسعد، خصوصية هي المعاكس الكامل لشيوعية درويش وانفتاحه الصادق على الثقافات المحتلفة وتنوعها. 

بالمقابل، رثاء درويش لنزار قباني تحفة فنية، صادقة وعميقة وشخصية، وتعكس الكثير من رؤية درويش للشعر وللحياة في مرحلته الأخيرة، ولتاريخ الشعر العربي في القرن العشرين، الذي لعب فيه قباني ودرويش أدواراً محورية، متعاكسة في معظم الأحيان، ومتكاملة أحياناً أخرى، ومضرة في حالات محددة. 

الخروج من المدح الخالص او الذم الخالص، التخلص من فكرة عبادة الصنم ومن فكرة تحطيم الصنم، في آن معاً، هي المفتاح الوحيد لفهم هؤلاء، لفهم سعيد ودرويش وطه حسين، وهي محاولة كانوا واعين لها، في عملهم الثقافي والنقدي، حيث لم يتورعوا عن نقد أساتذتهم ومصادرهم، حتى عندما كانوا يستخدمونها. 

سيكتب الكثير عند درويش، وعن صوره المختلفة. بالنسبة لي، "سرير الغريبة"، أكثر من أي ديوان آخر، يمثل الإنجاز الأعظم، على مستوى القصيدة، والشكل، والمضمون، في كل ما قدمه الرجل.

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)