أعادني استشهاد الصديق لقمان سليم إلى صديقي الآخر سمير قصير. كان الغدر بسمير أول قتل عمد يعقب اغتيال رفيق الحريري، وفاتحة مسلسل اغتيالات تؤكد عزم المرتكبين وعدم اكتراثهم لتبعات أفعالهم. وما الغدر بلقمان إلا فاتحة لمسلسل آخر مقبل. الجامع بين سمير ولقمان أن حضورهما المباشر على الأرض وانتشاره على مساحة إعلامية واسعة، الفضائيات ومن ثم وسائل التواصل الاجتماعي، جعلت استهدافهما ضربًا من الاغتيال الاستباقي للاغتيالات المقبلة، ضربًا لأي صوت مزعج يلي القتل ويعلو عليه.
الاغتيال إرث مديد في الحياة اللبنانية، والحياة هذه التي عشناها ولا أدري كم تبقّى لنا منها بعد، برهنت أن لا رجاء في عدالة ولا أمل في صد القاتل. قاتل بالتسلسل (serial killer) حوّل لبنان بلدًا بالتسلسل (serial country) وتحولنا معه ضحايا بالتسلسل. حتى حجر الكورونا يتم بالتسلسل.
المعجبون بإرنست همنغواي يثنون على نبل أبطاله في مواجهة الموت. ينتظرون موتهم ولا يتجنبوه. يذكرني لقمان بقصة قصيرة كتبها همنغواي، عنوانها "القتلة"، ألهمت أندره تاركوفسكي في أول فيلم قصير أنجزه قبل تخرجه من معهد السينما، ثم اقتبستها هوليوود مرتين في فيلمين طويلين، أحدهما للمخرج الألماني الأصل روبرت سيودماك والآخر من توقيع دون سيغال. حبكة القصة كلها عن رجل يعلم أن قتله وشيك ولا ينتظر شيئًا سوى تحيّن مجيء القتلة.
أخيرًا جاء القتلة. أجهزوا على لقمان واختبأوا بفعلهم. كانوا عبرة الإجرام وكان عبرة النبل.
الصورة: ملصق "القتلة" (١٩٤٦) للمخرج روبرت سيودماك في نسخته الألمانية.