ما يثير الإهتمام أننا نشهد انخفاضاً كبيراً في عدد المغاربة المنحدرين من الجيل الثاني من المهاجرين، وزيادة في عدد القادمين الجدد والمتحولين للإسلام، كما نشهد جنسيات كانت غائبة سابقاً (ما من أتراك حتى اليوم). الجنح ما زالت حاضرة، ويبدو أن الإدمان (كحول، مخدرات أو أدوية) يلعب دوراً أكبر. إن استثينا حالياً الشيشاني عبدالله أبويزيديفيتش Abdoullakh Abouyezidvitch، فلن نجد حضوراً للمساجد والأئمة السلفيين. لا بدَّ من الذكر أننا توقعنا مسبقاً تطرف الشيشان في فرنسا.
هل يمكنك توضيح هذا التطرف عند الشيشان؟
لا يوجد كثيرٌ من الشيشان في فرنسا، ولكنهم تورّطوا مؤخراً في أحداث عنيفة (مولوز وديجون) غير مرتبطة بالإسلام، ولكنها تؤشر على جاهزيتهم للانتقال إلى العنف. نعلم أيضاً أن الكوادر الشيشانية كانت فعّالة جداً مع داعش في سوريا، ونتذكر هجوم الأخوة (مجدداً) تسارنايف Tsarnaiev على ماراتون بوسطن عام 20138. باختصار، شعبٌ صغير (لا يتجاوز تعداده المليون) ولكن حضوره في الأنشطة العنفية يتجاوز حجمه.
الفرضية التي طرحتُها في كتاب الجهاد والموت أن التطرّف هو تعبير غير مباشر عن نزع الثقافة «déculturation»، وهو ما يشرح واقعة ارتباطه بالجيل الثاني من المهاجرين (والمتحولين للإسلام)، حيث أن الجيل الثاني المنحدر من المغرب العربي، والذي سيطر على المشهد خلال عشرين عاماً، قد وصل اليوم إلى مرحلة لم يعد فيها للتطرّف السحر المعهود نفسه عليه.
على العكس، يعيش شيشان الغرب اليوم، الوافدون في نهايات التسعينات، غمرة تحولهم الجيلي وأزمة نزع ثقافي متسارعة. كما في كل مكان، تُحطِّمُ الهجرة هرمية الأجيال، وينتزع الجيل الشاب فُسحته الخاصة وينظمها على إيقاع «أنا أكثر إسلاماً منك يا أبي» (ما يدعوه فتحي بن سلامة بالمفرط إسلاماً «surmusulman»). من جهة أخرى، الخسارة أمام الروس ما زالت ندباً حاضراً في مراياهم، فقد خسر آباؤهم هذه الحرب، ويُريد الشبّان أن تسكن مراياهم صورتُهم كأبطال المعركةِ الواجبِ استكمالُها، ولكن بوصفها معركة كونية مرتبطة بالإسلام عوضاً عن القومية الشيشانية.
التحريض على الجريمة والانتقال إلى التنفيذ
في خلفية هذه الجريمة يوجد دعوة قضائية يحرّكها عصبة من الإسلاميين، وشاركهم فيها مُحرِّض معروف، من الأوساط الإسلامية، هو عبد الحكيم صفريوي Abdelhakim Sefrioui. انتشرت على الشبكات الاجتماعية فيديوهات ورسائل داعية لفصل الأستاذ، وقامت بالتشهير بالمدرسة ونشر اسمها وعنوانها. ألا تخلق هذه العناصر اتصالاً ملموساً بين الحركات الإسلامية والإرهاب، مُثبٍتةً سهولةَ اختراق هذه الأوساط؟
ما لم تتوافر عناصر جديدة، يبدو أننا نتعامل مع سلسلتين مختلفتين ولكن متوازيتين. من جهة، تلك الحملة الإعلامية والقضائية التي يخوضها الصفريوي على الملأ منذ سنوات، ومن جهة أخرى تنفيذ الجريمة من قبل عبد الله. حملات الصفريوي تهدف إلى إحراج السلطات واستنهاض المسلمين (دون أن تحقق نجاحاً كبيراً). استراتيجيته تفترض التحرك على الملأ وبالصوت المسموع، وهو ما يعاكس استتار الإرهابي. ليس الصفريوي إماماً محلّياً يود استنهاض «رعيته»، إنه بالأحرى مُتصيّدٌ جوّال ينتهز كل فرصة من أجل المضي بقضيته قدماً. وهو السبب الذي دفعه إلى الوقوف إلى جانب والد الطالب المسلم (المتطرف ربما) وتضخيم اعتراضاته. يسعى الصفريوي، وهو مناضل إسلامي معروف، إلى الاستحواذ على كل حدث من أجل استنكار المهانات التي تستهدف الإسلام. إنه يتواصل مع الناس، يداخل في اللقاءات، يلتمس المواعيد، يقدم الشكاوى ويحرّض أولياء الطلبة، ممّن كان أحدهم قريباً لشخص كان قد التحق بالدولة الإسلامية. لو أن الصفريوي ووالدَ الطالب كانوا قد حضّروا هجوماً لكانوا تفادوا الظهور قبله، بل إن هذه الجريمة تمثل مشكلة تعرقل استراتيجيته.
ولكن لا يبدو أن العائلة الشيشانية مرتبطة بهم: فهم يعيشون بعيدين بعضهم عن بعض، ولم يكن عبدالله طالباً في المدرسة المعنية. لذلك يبدو أن عبدالله قد نفّد الجريمة بمفرده. لا شيء يسمح بالقول إنها كانت بطلب من الدولة الإسلامية. بالتأكيد، عرف بأمر عرض الرسوم من خلال الفيديو الذي قام والد الطالب بعرضه (وبهذا المعنى فإننا أمام تحريض على الجرم).
ليس الحيّ الذي يقطنه حاضناً للسلفية، عائلته متدينة جداً ولكن لا يبدو أنها تنتمي لتقليد ديني محدد؛ لم يستحضر أي مرجع تيولوجي. إنه يعبر عن «غضبه» وعن رغبته بالانتقام: كما هي الحال مع الباكستاني وساطوره. إنه يحاول إنتاج صورته كبطل. وكما الآخرين، إنه يبحث عن الموت. من المحتمل أن يكون قد غذّى تطرفه في إطار مجموعة صغيرة، ولكن برأيي إننا أمام بروفايل أقرب لبروفايلات ما بعد 2015، وهو ما يسبب مشكلة كبيرة في التعرّف على المتطرفين، فلا يمكن في هذه الحالة اعتماد «علامات التطرف» (كالصلاة والتردد المفاجئ على الجامع ...): فإما أن هذه العلامات فضفاضة بحيث تنطبق على عدد كبير من السكّان، وبما لا يسمح باستهداف من يريدون الانتقال إلى الهجوم، أو أنها غائبة.