عزمي بشارة حين يعلن سنويا عن جوائز نوبل على أصحاب إنجازات في الطب والكيمياء والفيزياء والاقتصاد، لا ينبس أحد في ما يسمى "الدول النامية&...
عزمي بشارة
حين يعلن سنويا عن جوائز نوبل على أصحاب إنجازات في الطب والكيمياء والفيزياء والاقتصاد، لا ينبس أحد في ما يسمى "الدول النامية" ببنت شفة. وكأن توزيع هذه لجوائز شأن خاص بالولايات المتحدة والدول الأوروبية ودول متقدمة أخرى تجمع بين التراكم المعرفي والبحث العلمي منذ بداية الحداثة، وتستثمر دولها ورؤوس أموالها الخاصة في العلم والصناعة والتعليم وفي العلاقة المتبادلة بين هذه المجالات.
يعرف الجميع أن جائزة نوبل في هذه العلوم هي مكافأة لمن حقق إنجازا بعد أن أنجزه وتبين أثره، وأنها لا تُمنح لكل إنجاز، وربما ثمة من يستحقها ولم يتلقاها، ولكن لا يتلقاها إلا من يستحقها. ولا حديث عن عدالة هنا. فهذه مؤسسة خاصة وليست حكومة، ولا حق لأحد عليها أن تمنحه جائزة، ولكن سمعتها التي حققتها وشهرتها العالمي ورغبة كثيرين غير الخافية لتلقيها تدل على وجود حد أدنى من العدالة في المعايير التي تحكم قرارات لجان أهل الاختصاص في هذه العلوم.
وحين يحل موسم جائزتي نوبل للآداب وللسلام، يبدأ اللغط وتدور طاحونة الثرثرة في "الدول النامية" (وللعرب مكانة خاصة فيها لناحية علاقتهم الملتبسة مع أنفسهم ومع "الغرب") حول التمييز والتجاهل والغبن بحق الإنتاج الأدبي للعرب والأفارقة وغيرهم. وتنشر من جديد صور الأدباء المرشحين المغبونين الذين يستحقونها. العجيب أن صورهم غالبا ما توحي بالتأمل، أو بانتظار شيء ما، (جائزة نوبل مثلا؟؟). ولكن لماذا يريد الناس اعترافا بأدبهم من طرف يدعون أنه يميز ضد ثقافتهم في رأيهم؟ ربما عليه أن يثبت براءته أمامهم بمنحهم جائزة. وهل يمكن أن تكون ثمة عدالة في جوائز الأدب من حيث المعايير كما في الطب والفيزياء والكيمياء؟ ثمة بالتأكيد فرق في المستوى والجودة بين الأعمال الأدبية، فهي لا تتساوى، ولكن ليس إلى درجة تمكن أحدا من اختيار الأفضل كل عام. لا تختار جائزة نوبل صاحب الإنجاز "الأفضل" في الأدب، ولا تدعي ذلك. على كل حال هذه مؤسسة خاصة، لا هي أمم متحدة، ولا مؤسسة أممية، ولا هي حكومة منتخبة لنطالبها بالعدالة. ولا غبن أو ظلم هنا. وهذا أدب، وهذه ثقافتهم هم وليست ثقافت"نا"، وسبق أن منحوا جوائز لأدباء من جميع القارات.
لا اعترف بالجوائز في الأدب إلا لتشجيع الثقافة والقراءة، هذه ليست عملية تدريج للكتّاب، وأستغرب ممن يبرر توقعها والتطلع إلى منحها للكتاب بلغته باعتبارها اعترافا بثقافته وحضارته، وهل هذه بحاجة لاعتراف من أحد؟ وهل نوزع "نحن" جوائز على أدباء سويديين مثلا؟
الجدير بالتفكير هو غياب التفكير عند من يتذمرون من الغبن في الأدب في غياب"نا" عن حفلات توزيع جوائز تمنح بموجب معايير حقيقية مثل العلوم الطبيعية والطب المذكورة أعلاه.
أما بالنسبة لجائزة نوبل للسلام، فحدث ولا حرج! يفضل أن تلغى هذه الجائزة، أو على الأقل أن لا تمنح كل عام، فلا يوجد في كل عام صانع سلام، وفي جميع الحالات يجب أن يُرجأ منحُ الجائزة للحائز عليها مدة عامين او ثلاثة بعد القرار بمنحها للتأكد من صنعه وصنيعه هل كان سلاما فعلا، أو هل كان حتى فعل خير من أي نوع؟
ليست هناك تعليقات