Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

محمد خضير.... حول الحتمية التاريخية

  قد تجِد قوى التاريخ أنّ السياق الثوري للتغيير لا يتحدد بحتمية واحدة تنغرز كشوكة في لحم التجربة النضالية لشعب من الشعوب؛ إما أن تنزعها وتلف...



  قد تجِد قوى التاريخ أنّ السياق الثوري للتغيير لا يتحدد بحتمية واحدة تنغرز كشوكة في لحم التجربة النضالية لشعب من الشعوب؛ إما أن تنزعها وتلفظها جانباً، ثم تبحث عن موضع قدمٍ جديد، أو تتحمّلها كشعور يستعذبه الضميرُ المقهور، مماثلٍ لشعور القداسة والتطهير الذاتي من الذنوب.  

   وقد يحملنا هذا الاعتقاد إلى تخطئة حتمية المواجهة بين سلطة القديم وإرادة الجديد، بتاريخ اليوم الذي انغرزت فيه شوكةُ التجربة، المحدَّد بالخامس والعشرين من تشرين/ أكتوبر، في عامها الثاني. ليس على "المجدِّدين" أن يستعيروا أسلوبَ العنف القديم ذاته لتجديد المواجهة. فإن نجحَ الالتحامُ الدامي، والتحشيد المليوني، في خانق صغير محصور بين ميدان ساحة التحرير ومنفذ ساحة الخلاني باتجاه الجسرين التاريخيين، الجمهورية والأحرار، فقد لا يكون التجديد محدوداً بالمكان والمنوال ذاتيهما مرة ثانية، ما دام الكيان السياسي الضاغط على الحريات ومنافذ العبور للضفة الثانية ليس نفسه الكيان القديم، بل قد تجاوز نقاطَ الالتحام نحو مواضع جديدة، كتحديد موعد الانتخابات المبكرة واقتراح "ورقة بيضاء" يجري اختبار صلاحيتها. 

   السؤال هنا: لماذا تجديدُ المواجهة حتميةٌ بتاريخ يومٍ سنوي، يجري اختبار توقيتاته بأساليب وحتميات جديدة؟

  هل ٢٥/ ١٠ شوكة التاريخ التي لا يمكن نزعها، او تغيير موضع القدم في خطوة فوق عنفِ مسافةالمواجهة؟

   إن حتمية النسق المتوالي لن يخطو إلا بمسافة خطواتٍ قصيرة أمام متراس المواجهة القديم، بينما ينحو تغيير مواضع الأقدام، وسيرورة تجديد الأفكار، إلى نقل التجربة وراء تكرار الطقس الثوري المستمتِع بدُوار التاريخ. 

  لم تتبق إلا ساعات يوم يعدّها "المجدِّدون" تاريخاً محدداً بعلامات لا يمكن محوها: قنابل الدخان، رسوم الجدران، أناشيد الاقتحام، حرائق المباني، شعارات الثورة. إنها سمات عُمّدت بها الروحُ المجدِّدة قسراً وحضّتها على معاودة الوثوب على المتراس السلطوي القديم من الموضع نفسه. كان التشدّد والتسلّح والعصبوية الموسومة ب"الطرف الثالث" تقف حائلاً دون التقدم للأمام، لكنها لم تستطع أن تحافظ على قمة الهرم من السقوط. أما تجديد المواجهة من تلك النقطة المحتَّمة/ المحطَّمة فقد تواجِه قمّةً لا تملك ما يقابل السخطَ المتجدّد؛ فهي تهتز في مكانها بوجود أكثر من تهديدٍ حتميّ لسلطتها. إنها في الموقع نفسه الذي يهدّده زلزال سياسي واقتصادي متعدِّد الرؤوس، أي إنها وراء المتراس الذي لا يمنع الحتمية الثورية من تحطيمه كما حطم ثوريو الكومونات القديمة "نمراً من ورق". فما الذي سيكتبه "الحتميّون" الوارِثون عنفَ الطقس القديم من روايات المواجهة الجديدة؟ وهل من فائدة في إعادة كتابة نصّ قديم بحذافيره؟

  لا أظنّهم - المجددين- سيروون قصةً مختلفة، بل إنهم قد لا يجدون متراساً أصلاً؛ فقد مُحيت العلامات، وجفّت الدماء، واقتربت مسافة الالتحام، بلا جدوى من استعمال السلاح الأبيض: لقد أصبحت الوجوه معروفة ومكشوفة!

  الساعات القليلة الفاصلة، قد تخذل الحتميةَ التكرارية لعنفٍ محتّم، لكنها ستمدّد مسافة الالتحام إلى أوسع من حُلمٍ بانتزاع شوكة التاريخ المؤلمة، لو أحسِنَ تجديدها.

  وكان برتولت بريخت قد برر هذا التجديد الثوري لمسرحه بقوله: "لا تبدأ من الأشياء القديمة الجيدة، وابدأ من الأشياء الجديدة السيئة".

ليست هناك تعليقات