"كتاب المعراج" للقشيري القصة الدينية كمصدر للإلهام الأدبي

alrumi.com
By -
0



رامي زيدان

 

أعادت منشورات "الجمل" في بيروت، اصدار "كتاب المعراج" لمؤلفه عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسباوري إمام الصوفية، وصاحب "الرسالة القشيرية" في علم التصوف، ومن كبار العلماء في الفقه والتفسير والحديث والأصول والأدب والشعر، الملقب بــ"زين الإسلام".



بالطبع ليست المرة الأولى يصدر فيها هذا الكتاب، وخصوصاً أنه يتضمن قصة شديدة الحضور في التقاليد الإسلامية والثقافة الشعبية، هي "رحلة" معراج نبيّ الاسلام انطلاقاً من بيت المقدس، وصولاً إلى الحضرة الإلهية ذاتها. لا نريد التركيز على الجانب الديني من القصة وما حملته من تفسيرات وتأويلات، بل على الجانب الأدبي والصوفي. فالنافل أن قصة المعراج مستقاة من القرآن الكريم من حيث معمارها الأساسي وشخصياتها ورموزها، لكن المخيلة الشعبية أضافت وبالغت أو ضخمت بعض جوانبها بما يلبّي حاجاتها الجمالية، ذائقة وخيالاَ، ووجدت حماسة من الكتّاب والأدباء لدرسها، وكانت معيناً في الاستلهام الأدبي والشعري. فمن أهم ما وصلنا من ذلك، "رسالة الغفران" للمعري، وهي رسالة كتبت في نثر فني، قلد فيها الرحلة الليلية للرسول وعرض فيها بالنقد واللوم على الأخلاقيين وقسوتهم، ومنافاة ذلك للرحمة الإلهية، وعارض فيها تعذيب كثير من الأدباء والشعراء على الأخص، وإن كانوا عصاة وملحدين وزنادقة، لكنهم كانوا معروفين في الأدب الاسلامي القديم، وفي الأدب الجاهلي. هذه الرسالة كانت رداً على رسالة صديقه ابن القارح الذي أعجب فيها بأبي العلاء، وقدم فيها هؤلاء الشعراء والأدباء الذين عاشوا في الكفر والفجور، من غير أن يتناول مسألة الرحمة، فقد حاول أن يرى أن كثيرا من هؤلاء المتحررين والشعراء ندموا آخر الأمر وعفا الله عنهم.

على ما يرد في مقدمة كتاب القشيري، لم يقف أثر قصة المعراج في الشرق وحده، بل تعداه إلى تأثيرها في الآداب المسيحية في القرون الوسطى، في دانتي الليغري في "الكوميديا الإلهية"، وكان أول من كشف عن هذا المستشرق آسين بلاسيوس في كتابه عن المعراج والكوميديا الإلهية، الذي نال به المستشرق شهرة واسعة، وقد بذل هذا العالم زهاء خمسة وعشرين عاماً في بحث الأفكار الفلسفية والدينية للإسلام في الشرق وفي اسبانيا، وأثرها في الثقافة المسيحية الغربية. وقدم الباحث نذير العظمة بحثاً عنوانه "المعراج والرمز الصوفي" (دار الباحث بيروت، 1982) بيّن فيه أن آسين بلاسيوس طرح مسألة كوميديا دانتي والمؤثرات الاسلامية طرحاً علمياً في مطالع القرن العشرين، فأحدث هزة كبيرة في حقل الدراسات المقارنة، مركزاً على القرائن النصية بين رائعة دانتي وجملة من الأعمال الاسلامية في صدارتها قصة الاسراء والمعراج، بالاضافة الى مؤلفات ادبية وصوفية، اعتقد آسين بلاسيوس انها اثّرت في الشاعر الايطالي. لكن بلاسيوس لم يتقدم بوثيقة تاريخية تثبت هذا التأثير، على طريقة الفرنسيين في الدراسات المقارنة، واكتفى بالقرائن النصية. وكان في طليعة من اعترض على اطروحته المستشرقون الإيطاليون بخاصة، وانصار الدراسات المتعلقة بدانتي بشكل عام لأنهم استكبروا أن يكون شاعر أوروبا المسيحية مديناً بعبقريته الى مصادر اسلامية، ولعل المستشرق غابرييلي كان يعبر عنهم حين قال: ان دانتي لا يعرف العربية وان العلاقة (النصية) بين ملحمة دانتي وقصص الاسراء والمعراج غير متوفرة.

أيد أسين في نظريته اكتشاف الباحثين نص الترجمتين اللاتينية والفرنسية للأصل العربي والاسلامي الخاص بقصة المعراج، وقد ثبت أن كلتا الترجمتين كانت معروفتين في إيطاليا في القرن الرابع عشر، وترجم الطبيب ابرهيم الفقين قصة المعراج الى اللغة القشتالية، وفقدت هذه الترجمة، وتولى ترجمة النص الاسباني الى اللغتين اللاتينية والفرنسية العالم الايطالي بونا فنتبورا (1221 – 1274) ووجدت نسخ من هذه الترجمة في اكسفورد وباريس والفاتيكان، وقد نشرت هذه النصوص قبل ميلاد دانتي، وبهذا أصبح مؤكداً لدى العلماء أن دانتي اقتبس فكرة المعراج وتأثر بها في نفسه وفي نظمه، واستقى الهامه من هذه القصة.

لا بد من التذكير بما كتبه الناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو في مقال عنوانه "منامات المعري"، يلمح فيه كيف أن "رسالة الغفران" لم تكن موضع اهتمام من النقاد في القدم، ويسأل كيف نفسر كونها صارت، منذ مطلع القرن العشرين، كتاب المعري الأكثر رواجاً وانتشاراً؟ لماذا هذا الاهتمام المفاجئ بكتاب أهمله القدماء ولم يولوه عناية خاصة؟ الجواب يكمن في كلمة واحدة، في اسم واحد: دانتي. لولا دانتي لما اهتم أحد بـ"رسالة الغفران". لقد صارت محط عناية ورعاية منذ أن نظر إليها كرافد من الروافد التي غذت "الكوميديا الإلهية".

نجد أثر قصة المعراج في "رسالة الطير" لابن سينا والسهروردي و"عنقاء" ابي حامد الغزالي، و"رسالة الغفران" للمعري و"ثورة في الجحيم" للزهاوي و"شاطئ الاعراف" لمحمد عبد المعطي الهمشري و"بين اللا نهايتين" لمحمد السحراوي ورؤيا البسطامي الذي يصور لنا معالم الطريق الى الله، من مقام إلى مقام، وصدق الإرادة في القصد إليه، والتجرد مما سواه، متخذا قصة المعراج رمزا لطريق الصوفية في الوصول الى الله، ومقام الشهود.

سعى محيي الدين بن عربي إلى أن يكشف خبايا النفس في كتابه "الإسراء إلى المقام الأسمى"، حيث يقول: "وأما الأولياء فلهم اسراءات روحانية برزخية يشاهدون فيها معاني متجسدة في صورة محسوسة للخيال يعطون العلم بما تتضمنه تلك الصور من المعاني، ولهم الإسراء في الأرض والهواء، غير أنهم ليس لهم قدم محسوسة في السماء. وبهذا زاد على الجماعة رسول الله بإسراء الجسم، واختراق السموات والأفلاك حسا، وقطع مسافات حقيقية محسوسة، وذلك كله لورثته معنى لا حساً، فمعارج الأولياء معراج أرواح، ورؤية قلوب، وصور برزخيات ومعان متجسدات".

في التراث الفارسي الكثير من القصائد والكتب التي استلهمت هذه القصة بدءاً من سنائي في "سير العباد الى ارض المعاد"، الذي يعتبر أبا الشعر الديني الفلسفي في الأدب الفارسي في كتابه "حديقة الحقائق". وهناك منظومات فريد الدين العطار التي بلغت ستة آلاف بيت في موضوع المعراج، وكتابه "منطق الطير" الذي هو معراج ولكن للطير. وقد اختار العطّار لمنظومه طيوراً حقيقية، ما عدا إله الطير حيث رَمَزَ إليه بطائر وهمي يعرف بالسيمرغ.

الأرجح أن القصص الدينية تشكل مصدر إلهام مهم للجانب الأدبي، شرط أن لا تكون أسيرته، و"كوميديا" دانتي التي قيل انها استلهمت المعراج أيضاً، أصبحت مصدراً لحبك بعض الروايات، منها رواية دان براون الأخيرة.

Tags:

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)