سمير اليوسف* هل التصوير الفني للعري الانثوي انتقاص من المرأة واستغلال لها بهدف اشباغ الغرائز الذكورية؟ السؤال هنا معني بالأعمال الفنية من ت...
سمير اليوسف*
هل التصوير الفني للعري الانثوي انتقاص من المرأة واستغلال لها بهدف اشباغ الغرائز الذكورية؟
السؤال هنا معني بالأعمال الفنية من تماثيل ولوحات وصور فوتوغرافية ولا يعني غيره من استخدامٍ للعري واغراضه. وفي حدود هذا السؤال ستكون الاجابة.
فن التصوير للعري الانثوي يعود الى فن النحت الاغريقي. الفنانون الاغريق نحتوا تماثيل لنساء ورجال عراة. بعضها كان جدالياً وصير الى ازاحته من الأماكن العامة بل وأحياناً تحطيمه. معظم التماثيل الجدالية كانت لنساء أو الاهات. مع حلول العهد الهليني في ظل سيادة الأسكندر تقلصت الرقابة وصار النحات الاغريقي يتمتع بما يكفي من الحرية ليصوّر المرأة كما يشاء. ظهرت تماثيل النساء العراة بقدر من التفاصيل للاعضاء الخاصة.
هل يمكن أن تثير هذه الاعمال الفنية الرغبة الجنسية عند الرجال؟ بتقديري لا. واذا حدث أن أحس رجل ما بالاستثارة الجنسية لمجرد النظر الى تمثال امرأة عارية ومضى الى التواليت ليمارس العادة السرّية فهذه مشكلته هو وليس العمل الفني.
ولكن حتى وان لم يستثر التمثال غريزة الرجل الجنسية، اليس هو مع ذلك تقليص للمرأة بكونها مجرد رمز للجمال الجسدي؟
طبعاً هناك من الكثير من الرجال من يعتبرون جمال المرأة الشرط الأول للارتباط بها، كصديقة أو كزوجة. لا يهمه عقلها أو عاطفتها وانما شكلها بشكل أساسي. بعض الرجال يشعرون بالفخر وهم يقدمون صديقاتهم او زوجاتهم الجميلات الى اصدقائهم لانهن جميلات. الكاتب المسرحي الكبير ارثر ميللر تزوج من مارلين مونرو، كما أن الكاتب الاميركي نورمان مايلركان يتفاخر بعدد عارضات الازياء اللواتي صاحبهم. وأظنه تزوج اثنتين أو ثلاثة منهن. كذلك الكاتب البريطاني سلمان رشيدي،زوجته الاخيرة أو ما قبل الأخيرة هي عارضة أزياء.
هل التماثيل الفنية الاغريقية تنم عن عقلية ذكورية مماثلة؟
بتقديري لا لأنها أعمال فنية بالدرجة الأولى. الفن تجاوز وأول ما يتجاوزه الفن هي المعتقدات والنوايا الواعية للفنان. نعم قد يبدأ الفنان من فكره أو تصوّر ما غيرأنه ما أن يبدأ العمل الفني حتى يطلق العنان لمخيلته تأخذه حيث تشاء. العمل الفني يشق طريقاً مستقلة له بمعزل عن نوايا الفنان وتصوراته المسبقة. اذا لم يحدث مثل هذا الأمر لا يحدث التجاوز ولا يكون العمل عملاً فنياً. الفنان الذي يصرّ على تطبيق تصوراته المسبقة بحذافيرها لا يعود فناناً وانما حرفّياً. تماماً مثل النجار. لا دور للخيال في عمل النجار. فهو يعمل وفق مقاييس وشروط محددة.
يبقى السؤال، هذه تماثيل لنساء عاريات، أليس هي اختزال للمرأة الى رمز للجمال الجسدي؟
يتوقف الأمر على مفهومنا ورؤيتنا للجسد. هناك من يرى الى جسد المرأة كمجرد أداة أو واسطة او سلعة او صورة يتباهي بحيازته لها، كما سبق وأشرنا. من جهة ثانية هناك من يرى فيه رمزاً أو صورة للجمال الالهي.
واحدة من أهم النظريات الفلسفية الى وصلتنا من الأغريق هي نظرية أفلاطون "للمثل". كل ما ندركه بحواسنا من أجسام هي صوّر لمُثل غير قابلة للتغيير، أي للمطلق. الصورة قد تقترب أو تبتعد من المثال الذي تصوره أو ترمز اليه وفقا لأوصافها. لا شك بأن الفنان حينما يصوّر جمال المرأة انما يأمل الى الارتقاء بها الى مستوى المثال المطلق أي الجمال المطلق.
هل في هذا انتقاص للمرأة؟
لا ليس انتقاصاً ولكنه يثير سؤالاً: لماذا يصرّ الفنان على أن يهبط في تصويره للمرأة حد تصويرها كمجرد مومس أو يرتقي بها الى حد تصويرها على مثال مريم العذراء؟ أليس في هذا تعبير عن عقلية ذكورية أيضا؟
سؤال مهم. سنتوقف عنده في مناسبة أخرى!
(الصورة: تمثال من الرخام للالهة افردويت)
(*) كاتب فلسطيني
ليست هناك تعليقات