أنيس الرافعي: أرخبيل الفزع (8) الساحر " ملكيادس" في قيد المحجز الصحي الإختياري

alrumi.com
By -
0


محمد العامري، الشاعر القدير والفنان التشكيلي الأردني ذائع الصيت، ينضم بدوره بجزيرته الفنية الوازنة والثرية إلى "طبوغرافيا" هذا الأرخبيل في انبجاسه الثامن، وهو يروم إحقاق التداوي من الكارثة بواسطة الأثر الجمالي، وتصيير هذا الأثر بديلا مؤقتا للحياة الغعلية. ففي لوحته التشخيصية ذات المنحى الواقعي السحري، الموسومة بـ "حالة حصار"، تنغرس شخصيات العائلة الكورونية الجديدة ، المخططة بالأبيض والأسود المثقشفين، مأسورة ورهينة في قلب صخرة كبيرة هي المعادل الإستعاري لبيت الكائن وملاذه. الزوجة والأولاد في الوراء تماما، في حين يسعى الأب، بوصفه الممثل الأسمى للمجتمع الذكوري و الأكثر عرضة لخطر العدوى ، بمقدمة رأسه إلى نقض ميثاق الحظر و خرق صلادة الصخرة، تواقا عبر الشرفة بحس أورفيوسي إلى الخروج من ربقة هذا الفضاء الحرج و الخانق ، الذي فرضته وضعية الحجز الصحي الإختياري ، و ضرورة " الصعود إلى المنزل " على حد تعبير عنوان ديوان عبد المنعم رمضان. و نلحظ على ناصية رأس رب الأسرة وقوف غراب البين المشؤوم آكل الجيف ، موجها منقاره الأبقع صوب بقية أهل البيت ، مهددا بالإجهاز على الجميع عاجلا أم آجلا. يا لها من رؤية كابوسية ومأزومة حقا لإنسان عالمنا اليوم ، هذا الذي يفنى- بفعل سطوة الفيروس و رغبته السادية في الانتقام البارد من البشرية - داخل وجوده المحدود وضمن الحدود الضيقة لاحتياجاته الغذائية اليومية التي تعود به القهقرى إلى مرحلة رجل الكهوف والمغاور والجحور المضاهية لنمط عيش القوارض والجرذان واليرابيع. هذا الذي - من مبلغ خشيته من عقابيل الحروب " البكثيروبيولوجية" المشنونة عليه من لدن الأمبريالية الاميركية - غدت أناه الفضولية الشرهة للوجود أخيذة و سبية ومقيدة بين "فصائل الفضاءات" على طريقة جورج بيريك. هذا الذي - داهمته الأخبار الكذوب و الإشاعة الإلكترونية الآفكة حتى تملصت منه ذاته في سهو منه و أضحى آخر لايعرف شيئا عن نفسه - أمسى يفقد يوما تلو آخر شطرا واسعا من روحه الطيبة والممتثلة داخل الجدران العازلة. لكن، ما يلزم أن ننتبه له ونحن نرنو إلى لوحة محمد العامري الأخاذة ، هو أن الصخرة انبثق منها على حين غفلة حصان أصيل رفيع المحاسن، و أن البيت صار عربة مجرورة ستمضي لا محالة بكافة أفراد الأسرة نحو بر الأمان. ذياك هو الأمل المدسوس، الذي تبشر به اللوحة مثلما يبشر " الساحر ملكيادس " بمدينة متخيلة كاملة اسمها " ماكوندو" سوف تطلع قريبا من ثغرة في جدار.. من يدري؟

25/03/2020
Tags:

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)