حبيبتي الصغيرة أميرة، وصلتني من مدينة "أوطاوا" الكندية، وعن طريق جدك الرؤوم و صديق عمري الباحث السوسيولوجي عبد اللطيف حباشي، رسمتك الجميلة المخربشة بأنامل وفتاء عمرك اليانع الذي يشارف الست سنوات و نيف ، هاتيك التي قلت لهم بكعب غزال دارجتك المغربية المكسرة المعجونة بلوز لغة آرثر رامبو إنك تريدين تسميتها بـ "فيروس كورونا يتحول إلى قوس قزح". ها هي الآن أمامي أتمعن ببؤبؤي قط منزلي خنوع داخل محبسه الذاتي في ارتعاشة خطوطها الطفولية، وصفاء ألوانها الزاهية ، و لاوعي مبدعتها الجياش في استقبال الربيع على هيئة شمس وهنانة، ترتدي شاربا، استفاقت لتوها من النوم، و تستعد لإضاءة العالم بنور البراءة و تلطيخه بقوس ألوان "الأكواريل" المائية، بداية بالأخضر الشامخ الطاغي لأنك على مايبدو مثل والدك من نصيرات فريق الرجاء البيضاوي العالمي، مخفورا فيما بعد ببقية الألوان الطيفية التابعة متواضعة الرتبة و المقام من أحمر وأصفر و برتقالي و أرجواني. أنا آسف يا حبيبتي الحلوة أميرة ، بل شديد الأسف، لأن الحظ و الغيث خانانا و طعنانا في الظهر بحربة مسمومة هذا العام، فعم القحط و اليباب وسوء الحال و المآل، و بالتالي لاسبيل لتحلل ضوء الشمس من خلال إنهمال قطرات المطر. وكذا لأن ربيعك المحلوم به أسفر عن كابوس مقيت عاج بالوطاويط الجرثومية المجنحة ، التي جعلت " باتمان " شخصيا ينكر قرابته العائلية بسلالتها الوضيعة و يقدم غير نادم على قطع صداقته المديدة مع التنين الشيوعي الصيني المريض شافاه الله .و يتغول أسفي و كربي أكثر، لكون فسحة هذا الربيع الذميم في هذا الحول ، " الربيع الأسود " حسب رواية هنري ميللر ، لن تسمح لك بالخروج و اللعب و الكركرة مع قريناتك وصويحباتك اللطيفات النظيفات في شمال أمريكا . إذ إنه الحظر الزرائبي الشخصي و التباعد الاجتماعي المنيف يا قرة عيني ، وحتى بقاؤك أمام صندوق التلفاز سوف يضجرك و يصيبك بالغم والترح ، و أنت تشاهدين تقاطر صور حرق الموتى في إيطاليا الحزينة داخل أفران غازية على طريقة معسكرات الحمام النازية دون مراسيم عزاء أو دفن كريم أو طقوس وداع من الأحبة ، مشاهد هلوسات مهابيل الوباء المطالبين برحيله و أعاجيب بهلوانات التأسلم و الدروشة الدينية المخبولة و المتخلفة في عالمنا العربي البئيس المولع بظهور أضحوكة المهدي المنتظر و مهازل النسخ الزائفة من إبراهيم الخليل ، الهرولة المحمومة لمافيات المختبرات الطبية الباحثة عن الإثراء السريع على حساب بثور العالم العفنة ، الندوب الشريفة الغائرة المتورمة على خدود الطبيبات و الممرضات من الطواقم الطبية الملحمية في إسبانيا و إيران من فرط حزة خيوط الكمامات الطبية. حبيبتي الصبوحة أميرة ، لا أرغب أن تطلعي على شتى هذا الخراب الماحق لعالم يعيش حالة استنفار قصوى أغرب من " زوابع وتوابع" ابن شهيد وهو يحاور مجتمع الجن و الشياطين والخرافة و الجهل ، بل أدعوك إلى إعادة مشاهدة عازف البيانو الروسي ،ذاك الذي أصر على أداء مقطوعته السماوية داخل صالة فسيحة فارغة . لعله يعزف الآن من أجلنا جميعا حتى يغيض الفيروس ويتفتق من جديد سنا و بريق قوس قزح ..من يدري؟
أميرتي الفتانة . أحبك و أنتظر عودتك سالمة غانمة إلى بلادك .
24/03/2020