خامس تنصيبات هذا المعرض الإفتراضي الجائل، الذي لا يروم استنباط محتوى الحقيقة في العمل التشكيلي، بقدر ما يطمح إلى استخلاص واستقطار ظلال التخييل منه بالاستناد إلى رؤية سردية صرفة ، هي لوحة الفنانة المصرية الصاعدة والموهوبة جدا فيروز الطويلة (19 سنة) ، التي تم تعميدها بتكنية رهيبة تترجم وقع الكارثة الفظ والأليم لتصدع الحياة و لحبسة التعزيل الإرادي ، هي تكنية " الاحتجاز". ففيروس "كورونا" في صورته المخبرية الأصلية دهم العالم بعجلته القاسية الدوارة مسننة المراوح، ثم دفع البشرية قاطبة إلى اعتقال نفسها بنفسها داخل زجاجة " كوكاكولا " مدعوكة منبعجة مثل حنجور معجون أسنان ضغطت عليه بعنف قبضة متهورة ، تلك التي تبدل كذلك اسمها إلى شطر من كلمة " كوارانتين " (العزل الطبي بالإنجليزية ). الخلق في داخلها .خلق " اللا-نظام الصحي " و " الضحايا المحتملين للمعارك منخفضة الحدة " كما أطلق عليهم المفكر المستنير نعوم تشومسكي، مصابون بالبارانويا الحادة ،و على رؤوسهم الطير ، من جراء الوجل و عصاب الوباء الطاعن في حصد طرائده من الأبرياء تباعا . إنهم سكان قبر عمومي مشترك و ضحايا حالة النبذ الطوعي المقيمون في زمن التكرار الجامد و الدائري و المغلق كبيضة طائر الرخ ، المكدسون، المتلاصقون، المكممون، في أجواء جحيمية تهدد باستشراء تفشي العدوى فيما بينهم ، تحف بهم من الخارج بقعة حبر سوداء قاتمة كأنها الشر الجذري أو ليل الوباء القدري الذي يهدد بابتلاع الجميع . بلا مندوحة ، إنها بقعة عنيدة ستظل ذكراها راسخة في القلوب و العقول مقضة للوجدان الجمعي حتى بعد انتهاء الحرب الوبائية العالمية الأولى ، ومن هنا الحاجة الملحة لطبيب بالمعنى النيتشوي لمعالجة حضارتنا ، التي ستغدو عليلة مدنوفة لسنوات طويلة قادمة . حضارتنا التائهة ، التي غيرت ملامح قاعات التزلج كي تصبح صالات لحفظ جثامين الموتى، و صالات الألعاب كي ترتد قاعات للعناية المركزة للمفورسين . ترى ، هل ستنفتح في القريب العاجل سدادة تلك الزجاجة المغلقة بإحكام بعد أن يستقيم عوجها و تطيب رضوضها ،ثم يتعافى الكون من وعثاء هذا الأسر اللارحيم الذي حرم الكائن من عالمه القديم وانتزعه منه عنوة..من يدري ؟
أنيس الرافعي... أرخبيل الفزع (5) وباء يوفر السكن للجميع في مقبرة جماعية
By -
أبريل 08, 2020
0
خامس تنصيبات هذا المعرض الإفتراضي الجائل، الذي لا يروم استنباط محتوى الحقيقة في العمل التشكيلي، بقدر ما يطمح إلى استخلاص واستقطار ظلال التخييل منه بالاستناد إلى رؤية سردية صرفة ، هي لوحة الفنانة المصرية الصاعدة والموهوبة جدا فيروز الطويلة (19 سنة) ، التي تم تعميدها بتكنية رهيبة تترجم وقع الكارثة الفظ والأليم لتصدع الحياة و لحبسة التعزيل الإرادي ، هي تكنية " الاحتجاز". ففيروس "كورونا" في صورته المخبرية الأصلية دهم العالم بعجلته القاسية الدوارة مسننة المراوح، ثم دفع البشرية قاطبة إلى اعتقال نفسها بنفسها داخل زجاجة " كوكاكولا " مدعوكة منبعجة مثل حنجور معجون أسنان ضغطت عليه بعنف قبضة متهورة ، تلك التي تبدل كذلك اسمها إلى شطر من كلمة " كوارانتين " (العزل الطبي بالإنجليزية ). الخلق في داخلها .خلق " اللا-نظام الصحي " و " الضحايا المحتملين للمعارك منخفضة الحدة " كما أطلق عليهم المفكر المستنير نعوم تشومسكي، مصابون بالبارانويا الحادة ،و على رؤوسهم الطير ، من جراء الوجل و عصاب الوباء الطاعن في حصد طرائده من الأبرياء تباعا . إنهم سكان قبر عمومي مشترك و ضحايا حالة النبذ الطوعي المقيمون في زمن التكرار الجامد و الدائري و المغلق كبيضة طائر الرخ ، المكدسون، المتلاصقون، المكممون، في أجواء جحيمية تهدد باستشراء تفشي العدوى فيما بينهم ، تحف بهم من الخارج بقعة حبر سوداء قاتمة كأنها الشر الجذري أو ليل الوباء القدري الذي يهدد بابتلاع الجميع . بلا مندوحة ، إنها بقعة عنيدة ستظل ذكراها راسخة في القلوب و العقول مقضة للوجدان الجمعي حتى بعد انتهاء الحرب الوبائية العالمية الأولى ، ومن هنا الحاجة الملحة لطبيب بالمعنى النيتشوي لمعالجة حضارتنا ، التي ستغدو عليلة مدنوفة لسنوات طويلة قادمة . حضارتنا التائهة ، التي غيرت ملامح قاعات التزلج كي تصبح صالات لحفظ جثامين الموتى، و صالات الألعاب كي ترتد قاعات للعناية المركزة للمفورسين . ترى ، هل ستنفتح في القريب العاجل سدادة تلك الزجاجة المغلقة بإحكام بعد أن يستقيم عوجها و تطيب رضوضها ،ثم يتعافى الكون من وعثاء هذا الأسر اللارحيم الذي حرم الكائن من عالمه القديم وانتزعه منه عنوة..من يدري ؟
Tags: