الإختيار الرابع ضمن هذا الأرخبيل المنتمي بجدارة إلى" نظام القسوة " بمعناه الدولوزي العميق، ينصب على لوحة " الوباء يحوم ...
الإختيار الرابع ضمن هذا الأرخبيل المنتمي بجدارة إلى" نظام القسوة " بمعناه الدولوزي العميق، ينصب على لوحة " الوباء يحوم حولنا كالدبابير" للفنان العراقي اللامع و الإستثنائي سيروان باران. بورتريه إنساني تبعا لتقنية ومنظور الإتجاه التعبيري المستدعية لروح بول سيزان وتولوز لوتريك وبول غوغان ولوسيان مايكل فرويد، بألوان بنية طينية وسوداء داكنة، تشوبها بعض لمسات الفرشاة الصفر، لوجه شخص منقبض التقاطيع شاحب التقاسيم، تطبق على فمه وأنفه من كل الأنحاء كمامة طبية خضراء كما لو أنها كماشة حيوانية صارمة تحاصر أحاسيسه و انفعالاته وعواطفه الموشكة على الإنفجار . بيد أن المثير في هذا الظاهر العادي الماثل أمام المشاهد، هو ما يضمره من بواطن لاشعورية تتبأر بالدرجة الأولى في نظرة الرجل . نظرته الغائمة الشاردة الأسيانة القلقة. نظرته الأليغورية ، التي تكشف متلازمة الإبتعاد القسري الطوعي للذات ، استحالتها إلى مادة للغياب بمحض الإرادة ، ثم دخولها منطقة قصية لامدركة ، حيث الإقامة القهرية في معزل أو معسكر عقاب رمزي، تغيب فيه كرامة الحرية و تلقائية الحركة و متع الحياة اليومية المرجأة ، لدرجة أن لغة التواصل نفسها تصبح غير موجهة للخارج ، بل منفية و أسيرة بداخل الأعماق المرتعبة المحتجزة . إنها نظرة مجروحة من الداخل النازف مثل صنبور دم يقطر وئيدا في جوف الروح، تمر الآن في هذي الأيام العسيرة المنكوبة من تجربة آلة تعذيب سيكولوجية فظيعة.نعم ، فهذا الفيروس المستجد الكوفيدي، ماهو إلا جهاز لا أخلاقي كافكاوي لإنتاج قتلة متسلسلين متخصصين في إرهاق السويداء و إزهاق الأنفس و إهراق الأمل عبثا على بلاط الترقب غير المجدي، شأنه شأن إخوته و أنداده الجرثوميين "سارس" و "إنفلونزا الطيور والخنازير "و"إيبولا" و فيروس جنون البقر و الرضيع الصغير حديث الولادة " هانتا". للحظة ، خلت مفترضا بأن هذه النظرة / الرؤية بمقدورها أن تدرج أهوال هذا الفيروس / المجرم ضمن أحد فروع " أدب التخييل العلمي " بممكناته البديلة و احتمالاته الإستباقية .. من يدري ؟
ليست هناك تعليقات