ثالث قطع هذه المجموعة الفنية المتقاربة ذات النسب المشترك، لوحة " الإبداع زمن الكورونا " للفنان المغربي الملتزم سعيد حجي، الذي يشحن عمله التصويري التلويني بحمولة سياسية و انتقادية وأدلوجية غير خافية، تتجسد جماليا و تركيبيا من خلل عناصر التضاد والتوازن والإنسجام والمساحة و الترابط والعلاقات اللونية. أيضا ، عبر "المباينة " كما يسميها " جاك دريدا " في كتابه "الحقيقة في الرسم". المباينة التي تنشئ التوازن العصيب بين البناء و الهدم ، وبين الناجز والمتصدع، و بين الجرح والبلسم. فالدنيا في عرفه الفلسفي النائس كأرجوحة "جان جونيه " في " راقص الحبل " بين التمثل و التمثيل، وهي في حالة حصار مغلولة حتى عنقها بسلاسل الفيروس المهيمن ، اختلت موازينها و اضطربت مقاديرها و فقدت مانويتها الطبيعية ، مما نجم عنه حدوث تداخل و تضارب وتبادل غير منطقي للأدوار والوظائف و الأولويات بهدف المحافظة على البقاء و حفظ النوع . الكائن المجبول على الخير والمقيم داخل المنطقة البيضاء الآمنة "المعقمة رمزيا " أضحى فجأة عرضة لسواد قاتم ينذر بالشر المستطير، مهددا في اطمئناناته و حيازاته المكتسبة عبر محطات و حقب تاريخية مديدة . والكرسي الذي يرمز لسيادة العالم غدا منزاحا صوب المساحة المدلهمة الحابلة بأعباء الخسارة الأكيدة والفاجعة المطلقة. الفيروس العابر للقارات و للأجهزة التنفسية و المناعية الهشة ، وهو يبسط جبروته على وجه الزمن ، على قفا العصر ، وهو يضع الحياة تحت إمرة التهديد الصريح السافل، قلب كل الموازين وضرب كافة المسلمات البدهية في الصميم. لقد قام بتعنيف البداهة و تمريغ كرامتها في الوحل. هزم اليقين وقسى على البراهين، راغبا في أن يفرض السيناريو الأكثر قتامة للوجود . سيناريو صفرة الفناء الغامقة، و الرذاذ/البغش الدموي الجرثومي الأحمر القاني، واحتلال كرسي القيادة لسوق البشرية نحو هاوية الهلاك. لكن ، ماذا لوِ امتدت يد غامضة من الخفاء نظير كائنات الشطرنج و حركت شتى هذي الموتيفات الفاعلة صوب اتجاهات أخرى داخل إطار اللوحة، ألا نهدد دهشتنا بأن نكون قاطبة ضحية وهم جماعي هستيري، صرعى لخيال مخبول جبار، أو وسيلة مثلى لتسلية و إطعام لعبة جهنمية فائقة الذكاء مهمتها الأساس خلق الإرتياع والهول بين الأفئدة والجوانح ..(لعبة / فيروس)على نهج روايات " ستيغن كينغ" المخيفة، تتصرف على نحو جماعي منظم مثل خلية نحل أو مستعمرة نمل ، تقدم نفسها بوصفها المرحلة القادمة من التطور البشري، تبرمج جنودها الفيروسات و تربط فيما بينهم بتقنية التخاطر كأنهم شبكة عضوية لعقل واحد يتطلع لتقويض الحياة وغزو الكون ؟.. من يدري ؟
أنيس الرافعي...أرخبيل الفزع (3) الحياة تحت تهديد الرذاذ الجرثومي
By -
أبريل 06, 2020
0
ثالث قطع هذه المجموعة الفنية المتقاربة ذات النسب المشترك، لوحة " الإبداع زمن الكورونا " للفنان المغربي الملتزم سعيد حجي، الذي يشحن عمله التصويري التلويني بحمولة سياسية و انتقادية وأدلوجية غير خافية، تتجسد جماليا و تركيبيا من خلل عناصر التضاد والتوازن والإنسجام والمساحة و الترابط والعلاقات اللونية. أيضا ، عبر "المباينة " كما يسميها " جاك دريدا " في كتابه "الحقيقة في الرسم". المباينة التي تنشئ التوازن العصيب بين البناء و الهدم ، وبين الناجز والمتصدع، و بين الجرح والبلسم. فالدنيا في عرفه الفلسفي النائس كأرجوحة "جان جونيه " في " راقص الحبل " بين التمثل و التمثيل، وهي في حالة حصار مغلولة حتى عنقها بسلاسل الفيروس المهيمن ، اختلت موازينها و اضطربت مقاديرها و فقدت مانويتها الطبيعية ، مما نجم عنه حدوث تداخل و تضارب وتبادل غير منطقي للأدوار والوظائف و الأولويات بهدف المحافظة على البقاء و حفظ النوع . الكائن المجبول على الخير والمقيم داخل المنطقة البيضاء الآمنة "المعقمة رمزيا " أضحى فجأة عرضة لسواد قاتم ينذر بالشر المستطير، مهددا في اطمئناناته و حيازاته المكتسبة عبر محطات و حقب تاريخية مديدة . والكرسي الذي يرمز لسيادة العالم غدا منزاحا صوب المساحة المدلهمة الحابلة بأعباء الخسارة الأكيدة والفاجعة المطلقة. الفيروس العابر للقارات و للأجهزة التنفسية و المناعية الهشة ، وهو يبسط جبروته على وجه الزمن ، على قفا العصر ، وهو يضع الحياة تحت إمرة التهديد الصريح السافل، قلب كل الموازين وضرب كافة المسلمات البدهية في الصميم. لقد قام بتعنيف البداهة و تمريغ كرامتها في الوحل. هزم اليقين وقسى على البراهين، راغبا في أن يفرض السيناريو الأكثر قتامة للوجود . سيناريو صفرة الفناء الغامقة، و الرذاذ/البغش الدموي الجرثومي الأحمر القاني، واحتلال كرسي القيادة لسوق البشرية نحو هاوية الهلاك. لكن ، ماذا لوِ امتدت يد غامضة من الخفاء نظير كائنات الشطرنج و حركت شتى هذي الموتيفات الفاعلة صوب اتجاهات أخرى داخل إطار اللوحة، ألا نهدد دهشتنا بأن نكون قاطبة ضحية وهم جماعي هستيري، صرعى لخيال مخبول جبار، أو وسيلة مثلى لتسلية و إطعام لعبة جهنمية فائقة الذكاء مهمتها الأساس خلق الإرتياع والهول بين الأفئدة والجوانح ..(لعبة / فيروس)على نهج روايات " ستيغن كينغ" المخيفة، تتصرف على نحو جماعي منظم مثل خلية نحل أو مستعمرة نمل ، تقدم نفسها بوصفها المرحلة القادمة من التطور البشري، تبرمج جنودها الفيروسات و تربط فيما بينهم بتقنية التخاطر كأنهم شبكة عضوية لعقل واحد يتطلع لتقويض الحياة وغزو الكون ؟.. من يدري ؟
Tags: