Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

أنيس الرافعي ● أرخبيل الفزع (28) ■ كلنا نحب " فيرا- لين " كثيرا

♢(إلى رجاء بكرية، في محاولة لترقيع  الأحزان و إرهاق الأوجاع، ماذا حل بك  يا "امرأة الرسالة "؟ أتذكرين كيف قلت إننا سنلتقي مرة ...


♢(إلى رجاء بكرية، في محاولة لترقيع  الأحزان و إرهاق الأوجاع، ماذا حل بك  يا "امرأة الرسالة "؟ أتذكرين كيف قلت إننا سنلتقي مرة أخرى خلال يوم مشمس؟)

 مرة أخرى، عند اقتراب موعد فجر اليوم التالي، وبعد أن تعبت وقرفت من قراءة  بعض كتابات الفقهاء المغاربة القديمة المنقوعة في محلول الخل والغباء والتهتار، التي حرمت " الكرنتينة " معتبرة إياها بدعة قبيحة ومفسدة محرمة، تملصت - بإيعاز من  السأم لا بباعث من أراجيف أولئك الفقهاء لاسمح الله - من  أسوار البيت و طوق المحجر الصحي الإحترازي ، ثم توجهت إلى ناحية بعض ملاعب القرب التي توجد خلف الإقامة السكنية التي أقطن بها . ألفت الذهاب هنالك أيام كنت أحتاج إلى تدخين  سجائري في مكان تغمره هدأة المساء المريحة الموحية بالتدبر واسترجاع حصيلة النهار . وبعد إقلاعي عن التدخين منذ ما يربو على  أربعة أعوام، طفقت أوافي المكان من أجل ممارسة هواية مشاهدة خربشات و حروف ورسومات الجدران. دفتر الذكريات السرية للشوارع . هذا "الغرافيتي " الباهر ، الذي يربط الإنسان بأجداده البعيدين في الحضارات البدائية و الفرعونية و الإغريقية والرومانية ، وقتما كان يلبس تبان الجلد، و يحمل عظمة حيوان متوحش، ثم يحفر أحلامه و كوابيسه على حيطان الكهوف الصخرية . وصلت بعد لأي و مكابدة ، أو ربما  تهت عدة مرات ولم أعلم . كنت كقارئ ساذج بين  مخالب فصول رواية " لو أن مسافرا في ليلة شتاء " ل "  إيتالو كالفينو ". أبحث عن اكتمال الوصول ، لكني لا أصل أبدا. طريقي منقوصة دائما و لا تفضي بي البتة إلى غايتي المنشودة ، كما لو أن نقصان الطريق أو تحولها إلى متاهة  مخاتلة هو جوهر الرحلة، أو كما لو أن اكتمال الوصول مجرد وهم في رأس السراب. المهم ، بطريقة أو بأخرى لا قبل لي بها ، وجدتني أمام الجدران الأثيرة إلى شغاف قلبي . و وسطها كنت أبحث عن ما يدين الوباء و يشجب أفعاله و "فعائله"  المنكرة. ولا أفهم لم تذكرت لحظتها بالضبط،  قصة قصيرة بعنوان " خطوط على الحائط " للكاتب الأرجنتيني خوليو كورتاثار من مجموعته المعروفة "  نحب غليندا كثيرا " (ترجمة: عيسى مخلوف ). تذكرت أحداثها بوضوح لا شائبة فيه ، لأنها كانت تتحدث عن " الغرافيتي "، عن الخوف زمن القمع الديكتاتوري  والبوليس السري والاختطافات الدنيئة تحت جنح الظلام ، و عن قدرة الإنسان الخارقة على القفز بالزانة فوق كل هذا الرعب لوصال من يحبه أو ليخط صرخة حرية أو رسمة احتجاج في وجه الأنظمة الغاشمة . في وجه أنياب الكراهية المقيتة.  كان ذلك يحدث دائماو سيحدث دائما والكثيرون خاطروا وسيخاطرون بأرواحهم ومصائرهم و زهرات شبابهم اليانعة  رغم الحظر و المنع و دوريات الشرطة المتربصة. فقلت مع نفسي بأعماق دخيلتي مستغربا:  لم لاتوجد على هذي الجدران الطويلة العريضة كلمة أو خربشة أو رسمة واحدة عن " فيروس كورونا" ..عن هذا الديكتاتور المحدث المحدق بنا في كل عطسة و سعلة و حين نصبح عشرا و نمسي عشرا..ولا شفاعة ؟ أمعقول أنه أكثر رهبة و عسفا من كل تاريخ  الإخضاع الذي حقنته البشرية كرها في أوردتها المقهورة؟. الحي - كما خبرته - لايعدم أولاد البخاخات الأشقياء الخارجين لتوهم من فيلم " البرتقالة الآلية " للجبار " ستانلي كوبريك " . فما خطبهم لا يشتمون و لا يهددون و لا ينذرون ولا يتوعدون ولا يرعدون المسخ الكوفيدي اللعين مثلما يفعلون مع رؤساء فرق كرة القدم اللصوص و زعماء الأحزاب السياسية الرديئة و أعداء الوحدة الترابية الحربائيين و غرماء الدرب من الأقران الأشرار وصراصير  المجتمع من الفاسدين و المتعفنين. ما بالهم لا يبخون عليه بخا مبرما بعبواتهم المليئة بالصباغة الملونة. تجولت حائرا  كبندول مرتخي على امتداد الجدران،  ولا أثر  لنأمة أو همسة أو غمرة أو لمزة تجاه وحش " فلاتوودز " الجديد . على ما يبدو ، فلا أحد بقادر على المجازفة . الجميع أصبح يطلب السلامة وستر مولانا في مواجهة " اللوياثان " الصيني المفزع الذي لم يقرأ يوما مزامير العهد القديم التوراتية. رجعت إلى شقتي مندسا محاذرا " فاركونيطات " المخزن المغربي التي تجوب ليلا الشوارع ، وقد وطدت العزم على أن أعود إلى الحيطان في الليلة القادمة مسلحا ببخاختي ، ثم سأخربش عليها بوقاحة و قلة حياء متعمدة مستهل أغنية مطربة الجاز الإنجليزية  " فيرا- لين " : "سحقا لك يا كورونا.
يا كافة من أحبهم ، سنلتقي مرة أخرى، لا أعلم بالمكان ، ولا أعلم بالزمان ، لكننا سنلتقي مرة أخرى خلال يوم مشمس. سنلتقي مرة أخرى ،  والأيام الحسنة ستعود من جديد "!

ليست هناك تعليقات