Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

أنيس الرافعي ● أرخبيل الفزع (21) ■ أحفورتان من أركيولوجيا الوباء النشورية

♢(إلى نزيهة مفتاح العمراني، الأمل الذي يتنزه في حديقة الضواري) (أ)- مستحثة حرب الكمامات المدنسة تاريخ الإنسانية القديم، المثخن بالح...



♢(إلى نزيهة مفتاح العمراني، الأمل الذي يتنزه في حديقة الضواري)

(أ)- مستحثة حرب الكمامات المدنسة

تاريخ الإنسانية القديم، المثخن بالحماقات والخرق، عامر بالحروب الغبية و التافهة من كل لون وطرز. تلك التي نشبت تحديدا لأسباب واهية و دواع رعناء. من أجل دلو تافه مصنوع من خشب البلوط.من أجل الكرامة المسفوحة لمدينة ضئيلة أمام غطرسة إمبراطورية . من أجل قائد أحمق ابتغى أن يقلد عبقرية " نابليون بونابرت " في توسعاته العسكرية المخبولة.من أجل كلب أجرب ضال طارده جندي مخمور داخل حدود بلد معاد. من أجل غزو قرية بحجم حبة أرز مهجورة من ساكنيها تقع في المنطقة الفاصلة بين تخوم دولتين لو جمعتهما لا تعادلان خصية واحدة . من أجل إطلاق النار من ماسورة بندقية صيد على خنزير بري فار من سياج مزرعة . من أجل خسارة منتخب مخفق مباراة ودية لكرة القدم بحصة مخزية. من أجل رغبة غامضة لمنطقة عمرانية لاتتجاوز الكثافة السكانية لعمارتين إعلان الإنفصال السياسي عن الوطن الأم . من أجل وقف التزايد الجنوني المدمر للمحاصيل الزراعية لأعداد قطعان طائر " الإيمو " كبير الحجم الشبيه بالنعامة. من أجل الإستيلاء على جزر أسطورية لا وجود لإحداثياتها على أية خريطة بحرية . من أجل كومة من الفطائر المبعثرة المفسدة التي تم تجاهل مطالب صاحبها في التعويض المنصف .من أجل الأذن المقطوعة لمهرب تجاري شهير في زمانه لا أحد يتذكر الآن اسمه أو جنسيته . لكن أسخف نزال عرفته البشرية خلال القرن الواحد والعشرين هو مقتتل الكمامات الواقية . إذ بعد شيوع الفيروس الخبيث المسمى " كوفيد -19 " على نحو رهيب و قتله لمئات الملايين من الخلق ، اختفت الأقنعة الطبية من رحاب العالم من أقصاه إلى أقصاه ،و بلغت أثمنتها في الأسواق السوداء أرقاما فلكية غير مسبوقة . ناهيك عن تعرض عدم المتوفرين عليها من المواطنين المستهترين - حسب أحكام المؤسسة الكليانية على طريقة " جورج أورويل " - لعقوبات زجرية قاسية وصلت إلى حد تنفيذ الإعدام في حقهم رميا بالرصاص و دون محاكمة . فباشرت وقتذاك العديد من الدول عمليات القرصنة و السطو المنظمين سواء بقواتها النظامية المكشوفة أم عن طريق ميليشيات المرتزقة المتخفية ، باعتراض أساطيل السفن و قوافل الشاحنات المحملة بالكمامات المعبأة سرا من معامل عملاقة تقع تحت جوف الأرض . فكان ذلك إيذانا بإطلاق شرارة معمعمة كونية طاحنة و قذرة دامت مائة عام غير منقوصة ، بين عدة أحلاف و طوائف وشعوب و أمم و قارات ، مخلفة ضحايا بلا حصر و لا قبور و لا شواهد . استمرت حسب مدونات المؤرخين موثوقة الأسانيد و الوثائق ، مابين 2020 و 2120 ميلادية، حتى ظهرت بعثة المهدي المنتظر ، عقب استنفاد علامات الساعتين الكبرى و الصغرى ، ثم توجه فلول الناس من كل ناحية و كنف و صقع لمبايعته دامعين ضارعين ساجدين على الركب. وفي أول خطبة عصماء له على مسامع و عيون و أفئدة أتباعه و مريديه في كافة أرجاء المعمورة ، أعلن بقية الله/ الخلف الصالح / الحجة/ القائم/صاحب الأمر و الزمان / إمام العصر / الماء المعين / المنصور، نهاية الحرب و وضعها لأ وزارها بغير رجعة ، ثم مزق بيديه المباركتين (عليه الصلاة و السلام ) آخر كمامة مدنسة متبقية على ظهر البسيطة!

(ب)- متحجرة كاتالوج الدناءة القصوى

بعد فناء العالم بلا هوادة على يد وباء " كورونا " ، حوالي نهاية الثلث الأول من القرن الواحد والعشرين ، عثر رجل إطفاء بين الأنقاض و الصروح الخربة ، على كتاب سمين مجهول المؤلف و المصدر الطباعي ، تحت عنوان : " كاتالوج الدناءة القصوى". ولما رجع به إلى بيته البسيط شبه المتداعي ، أنشأ يتصفح محتوياته الثرية بالتفاصيل المخزية و الزاخرة بالصور المجرسة ، فتبين له أنه مهدى إلى كاتب إيطالي نكرة وغير معروف بالنسبة إليه يدعى " أمبرتو إيكو " ، وكذا بأن صاحبه مولع بتدجين الدناءة البالغة، و امتلاك حوزتها، وتربية فرقها ، من خلال مجموعات مموسعة و مقوأمة و مصنفة، يقول إنه تعلمها من مرجع عظيم لاغنى عنه، يحمل مسمى " لانهائية القوائم : من هوميروس حتى جويس" . المهم ، كان كل ليلة ، تحت ضوء ذبالة شمعة، و طيلة سنة كاملة ، يقرأ على أولاده الثلاثة الصغار ، الذين لم يرتادوا المدارس قط ، فصولا مقنطة تتحدث عن معاهدي و مشايعي الآفات و خصوم الحياة من كل "ماركة" و نوع و طرز . عن شطار وعياري الكارثة و حلفاء الحقارة. روى لهم تباعا و بحسرة سامقة عن طاردي المكتري و الغريب و المهاجر من غرفته المتواضعة في عز الحظر و حالة الطوارئ الصحية . عن الأرواح المساعدة للفيروسات من المستخفين عمدا بإجراءات الحجر والعزل .عن نصابي و لصوص و مزوري وثائق المساعدة الاجتماعية في ذروة أزمة الجائحة.عن ناكري عشرة الكلب و القط والصداقة و مخلفي المسنين في مهب الوحدانية داخل برودة دور العجزة . عن أرباب التعليم الخاص الجشعين المبطانين المطالبين بسداد الأقساط الشهرية عن أقسام فارغة و دروس لم تحدث أبدا .عن كاتبي رسائل تملق أفعال السلطان و حناجر مدح الطواسين بالغناء ابتغاء مرضاة المستبد أو طمعا في مأذونية أو مصلحة بعد التلويحة الأخيرة للنائبة. عن سارقي الأكممة و قناني المياه ووجبات طعام المرضى في المستشفيات العمومية . عن تجار أوجاع الخصاصة و الفاقة و مرابي الديون الملتمسين الدفع من عامل مياوم لايعمل ومن خادمة بيوت في العطالة . عن مضاربي و رافعي أسعار المواد الغذائية في أعلى أزمة رحلة البحث الممض عن مؤنة أسرة هشة الهيكل رقيقة الحال . عن كاتب رقية الدعاء ليضحك على ذقون الناس بدراهم قليلة و فقيه الرقية الشرعية و بوق السلفية الجهادية المطالبين للرهوط بالخروج مثل ثيران تخترق حواجز زجاجية لإسقاط البلية بقراءة اللطيف و الهمزية . عن وعن وعن وعن وعن وعن حتى استوعب الصبية طبقات الخساسة و حرفتهم الممجوجة و مستويات تدرجاتها من الرذالة حتى السفالة . حتى فهموا حق الفهم أن الوباء لا يرفع رماح النصر و الظفر إلا في المناطق التي تنكس فيها رايات التسامي و العفة !

07/04/2020

..................................

(*)اللوحة الخافرة لليومية للفنان البريطاني الرمزي، و صانع العوالم المرعبة الصارخة ، " فرنسيس بيكون "(1909-1992)، بعنوان : " الثور و اللوح الزجاجي " .

ليست هناك تعليقات