أحدث المنشورات

أنيس الرافعي... أرخبيل الفزع (2) الفيروس / الأخطبوط



لوحة أخرى، تحت مسمى " كورونا "، تنطوي في سمتها الدلالي ونظامها الترميزي و جوهرها التأويلي على الفاجعة غير المرتقبة التي تزلزل الوجود والكينونة، من توقيع الفنان العراقي اللامع صدام الجميلي. الفيروس الجانج الجائح الجاني، وقد اشتد واشتط وجاوز قدر الأثر المدمر القابل للإصلاح في المدى القريب المنظور، فصرت تراه بعين الخيال الوثاب المخاتل - طورا - خودة معدنية غير ناصعة البياض، أقرب ما تكون إلى الرمادية المتسخة، تبتلع تقاسيم وجه المريض بأتمها حد الخنق وشد التلابيب الممضين، أو ربما على الأرجح هو -في طور ثان من طفرته الجينية الذكية - أخطبوط متسلط يهيمن على كافة تقاطيع الوجه ويمد إلى الأسفل في الفراغ الحفي مجساته الصفراء المرقطة، التي هي خير عون له على الظهور والخفاء والكمون والانتشار مثل ثعلب محمد زفزاف مثل فضيحة في شارع ضيق. وخلف ظهر البدن السقيم، الأعزل، المصحوب بعريه فقط، غير المدرك لما يحاك ضده من كمائن بيولوجية كونية خبيثة، يتموقع الطبيب أو الممرض بنظرته المتوجسة الحذرة، وبيديه اليائستين من جدوى وضع قطعة الشاش المعقمة على هذا المحيا الغائب منمسخ الملامح والهوية بفعل سطوة و قهر الكمامة المتحولة. تلك هي المأساة المضاعفة للكارثة لما تصير الفرد لونا ارتكاسيا. هاوية مضطربة الأعصاب منذرة باختلال التوازن المبيد الضروس . علامة ملغزة غير قابلة للتفسير. مساحة مقفلة من دون مخرج ولامدخل. أملا سجينا في إحداثياته الشحيحة و متمنعا عن الحركة نحو الخارج . نحو رحابة الحياة . نسيانا كاسحا من دون أمارة أو كسرة ذكرى . ليلا مجردا من الظلام أو الضياء . طريقا تقود إلى السديم و العدم الشاملين. إشارة ضامرة على ذات الطريق لاتفضي إلى أي مكان أو بالحري- حسب منطوق كتاب " فرنسيس بيكون: منطق الحساسية "- إلى مكان تسوده الفوضى الكاسحة. لكن ، ألا يمكن في طرفة عين أن تنقشع الخودة الخناقة/القناع الزائف/ الكمامة القامعة و يتحرر أخيرا الوجه الأسير من ربقة الأخطبوط الجاثم على الأنفاس .. من يدري ؟

إرسال تعليق

أحدث أقدم
header ads
header ads
header ads