علاء خالد
في نهايات عقد السبعينيات وبدايات عقد الثمانينيات، وسط أجواء ثورية طلابية، مُحبطة بالطبع، وجذرية الهوى، كان يهيمن على غنائها الشيخ إمام، ومع بدء ظهور مجموعة من الفرق الغنائية الخاصة، وتوارى قليلًا مفهوم "المغني الفرد"، وسط هذه الأجواء، وهذه الأجيال الجديدة، التي بدأت شبابها مع هزيمة 67، وما بعدها، لم يكن لأيقونة أم كلثوم أي تأثير يذكر.
***
تحوّلت أم كلثوم فى تلك الحقبة المهزومة، التى ربما امتدت إلى التسعينيات، إلى رمز لرجعية ما، بسبب مضمون أغانيها المتهافت، والذل والهوان اللذين يقطران منها، إضافة إلى الزمن الاستثنائي الممتد الذى تشغله وصلاتها على المسرح، هذا الفردوس الوهمي، داخل زمن متسارع وجحيم واقع أخذ يضع أقدامه في مصر بعد هزيمة 67 سواء فى إيقاع الأغاني أو الحياة بشكل عام، لنلحق بشيء على وشك أن يفوتنا، وقد نبهتنا الهزيمة ولفتت انتباهنا ناحيته، بل كانت الهزيمة أحد أعراض هذا الشيء، الذي على وشك الاختفاء.
***
بعد ثورة يوليو وقبل هزيمة 67، كانت أم كلثوم تمثل "أيقونة". لها حضور طاغ فى المخيلة الجمعية، تشعر بأنها إحدى رجالات الحكم، الذي كانت تمتد أطيافه خارج النظام، بوصفها "رئيسة دولة الغناء". كان لأيقونتها حضورها السياسي، رمزًا لبطولة فردية وتمثيلًا لعصر سياسي جديد. لذا كانت تتشارك مع أي نموذج بطولة فردي وتقتسم حضوره وقداسته داخل المخيلة الجمعية. بل تحوّلت إلى أسطورة تفوق أيضًا مفهوم البطولة، كما تذكر د. نعمات أحمد فؤاد في كتابها "أم كلثوم وعصر من الفن"، فقرأنا عن الفراشة الملونة التي لازمت صدر أم كلثوم، وهي تغني "فات الميعاد"، والحمامة البيضاء التى لزمت المسرح، وهي تغني "الأطلال". إنها عبادة البطل المتأصلة فى الشعوب العاطفية.
***
ربما هذه الصيغة الفردية للبطولة، التي كانت ترشحها هذه الفترة، ونموذجها الأساسي، هو جمال عبد الناصر، هي التي حولت أيقونة أم كلثوم من أيقونة عامة حرة وغير مسيسة، قبل ثورة 52، وأدخلتها داخل نظام جديد للترميز صاغته ثورة يوليو. لذا اكتسبت أيقونة أم كلثوم المسحة السياسية في شكل حضورها داخل المخيلة الجمعية، وفي تأويلها أيضًا. ربما هزيمة 67 كانت سببًا أيضًا فى النيل من هذه الأيقونة. فالمدلول السياسي الذي اكتسبته كان جزءًا من التحوّل الثقافي في مصر، الذي صاغته ثورة يوليو، ثم هزيمتها بعد ذلك. أغلب من ظهروا فى تلك الفترة، ما بين 52 و67، باختلاف علاقتهم بالنظام الحاكم في مصر، كان له تمثيل سياسي داخل المخيلة الجمعية.
***
أم كلثوم تعتبر معجزة، شىء ما فوق طبيعى، فى صوتها، بجانب مولدها في ليلة القدر، بجانب رحلة كفاحها، جعلها تصطف فى سياق الظواهر الاستثنائية. وقد كان هناك مشروع مع الشيخ زكريا أحمد فى تسجيل القرآن بصوتها، كما تروى د. نعمات، فى كتابها مما يدل على دخول أم كلثوم قبل الثورة فى نطاق دينى من الحب والتقديس، ظل معها وتطوّر بعد ثورة يوليو، إلى نوع من "العبادة" داخل المخيلة الجمعية.
***
قبل ثورة يوليو كانت أم كلثوم تعتبر "كوكب الشرق"، و"مطربة الشرق" و"مدهشة الغرب"، كما تذكر د. نعمات أحمد فؤاد فى كتابها. نوع من التمثيل الحر الواسع بين الشرق والغرب، يعبر عن أصالة هوية، أو أحد دعائم هوية عامة، أكثر منه مدلول سياسى مباشر، أو أيقونة للبطولة الفردية.
ربما قبل ثورة 52 كان هناك انفصال بين مجالى السياسة والفن، ثم جاءت الثورة لتوحدهما وتوحد رموزهما داخل المخيلة الجمعية والحياة العامة. هذا الانفصال سمح بنوع من التمثيل الحر، أو التقديس الحر، أوسع من سلطة التمثيل السياسي، وربما يتفوق عليه. لكن بعد الثورة تم تسميتها "هرم مصر الرابع"، وبعد مساهمتها فى المجهود الحربى بعد هزيمة 67، وتبرعها بعائد حفلاتها لإزالة آثار هزيمة 67، منحتها الدولة لقب "فنانة الشعب"، وهو تخصيص مصرى أكثر ربما يعبر عن رغبة سياسية تعبر عن "القومية"، ومن قبل، قبل ثورة 52، كان "الشرق" بأكمله هو مجال تمثيل هذه الأيقونة.
***
الهوية الشرقية هنا تمثل نوعًا من الخصوصية. أم كلثوم أحد مكونات هذه الخصوصية. كان الشرق يمثل مجموعة من العادات والصفات والأخلاق والسمات الشكلية كانت تتجسد في أم كلثوم، مما دعا المثّال محمود مختار أن ينحت لها تمثالًا عام 1925.
وفى مكان آخر كان يطلق على محمد عبد الوهاب مطرب الملوك والأمراء، بدون أى غضاضة، بل مصدر فخر وسط شعب يعاني من الجوع، لكنه يستمع لمحمد عبد الوهاب مع بذلته ووردته الأبيضين، من هذا الاستخدام قبل الثورة، قبل أن يتم صياغة المجتمع، فلم يكن التفسير الطبقى قد أصبح إحدى أدوات المجتمع فى الرؤية، كما سيحدث بعد ثورة 52 رغم الفقر، الذي كان يعانى منه طبقات الأغلبية.
***
ثورة يوليو، والهزيمة بعدها، أدخلا "أيقونة أم كلثوم"، دون إرادتها كطرف فى نزاع سياسي حول التطور والتخلف، حول القداسة وعدم القداسة، حول الفرد والجماعة، والبطل والإنسان العادي. كان يمكن أن تظل خارج سؤال الزمن والحداثة كأي شيء باق فى ذاكرة الشعوب بدون تصنيف له، أو إخضاعه لمثل هذا النوع من التساؤلات، لكنها أدخلت عنوة، لأنها تمثل رصيدًا من الماضى السياسى والحكم، فصارت جزءًا من إرث الهزيمة للأجيال الجديدة وقتها. ليست الأجيال المسيسة فقط من رفضت ونالت من قدر هذه الأيقونة الفنية، طالتها أيضًا بعض الاتجاهات الدينية المستحدثة فى مصر السبعينيات وزعيمها الشيخ كشك، الذى حوّل أم كلثوم وعمرها إلى هدف، أفرد له سجالات فى شرائطه التى كانت توزع في المساجد والمنتديات الدينية، وعلى الأرصفة فى صلاة الجمعة ومنابرها من هذه السيدة، التى تغنى للحب، وهى فى الستين، معلقًا على مقطع أغنيتها "إنت عمري": "خدني لحنانك خدني"، معقبا "الله يخدك يا شيخة".
***
فى لحظات التحول الحديثة عادت أيقونة أم كلثوم، منذ الألفية الجديدة، وربما بالتحديد فى العقد الأخير وبعد ثورة يناير، لتكون معبرة عن أصالة ما داخل المخيلة الجمعية. أصبحت أحد رموز الهوية للأجيال الجديدة، فى الوقت الذى سقطت فيه كل الرموز أو تم الاختلاف حولها. ربما نعيد الآن زرع أيقونة أم كلثوم، مع الأجيال الجديدة، فى مكان شعورى جديد يحوى الحب والتقديس والإعجاز والمفارقة وقوة الموهبة، لكن بدون أى توجيه أو إملاء خارجيين. ربما الرمز يتحرك ويعيد تشكيل بوجوده داخل المخيلة الجمعية بحرية أكثر. فى كل لحظات التحول الشعبى يتم استدعاء الرموز الكامنة فى هذا الوعى الجمعى. حتى رمز "عبد الناصر" تمت استعادته، خاليًا من أى شائبة لحقت به فى الماضى. فطالما أصبحت أيقونة أو رمزًا، فقد خضعت لتيار الزمن وتقلباته.
***
إثر هزيمة 67، ذهبنا إلى التصييف مع مجموعة من العائلات فى شاطئ مرسى مطروح. كانت الهزيمة وأحاديثها وهمسها يخيم على أحاديث الكبار. كان أبى يريد الاتصال بالإسكندرية للاستعلام عن نتيجة الإعدادية لأخى الكبير. فلم يكن هناك تليفون إلا تليفون استراحة أم كلثوم القريبة. صحبنى أبى إلى هناك، مع صديق له. كانت الاستراحة بالطبع خالية من صاحبتها، ويقوم بحراستها حارس أسمر. وقفنا جميعًا، أثناء إجراء المكالمة، فى حضور أم كلثوم. أتذكر صورة كبيرة لها على أحد الحوائط، والإضاءات القليلة المنتشرة فى الزوايا، كأنه محراب، هذه الذكرى الشخصية التى لا تزال تربطنى بأم كلثوم.
..........................................................................
قراءات مصاحبة
"أم كلثوم وعصر من الفن"، د. نعمات أحمد فؤاد- الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1983. القاهرة.
"أم كلثوم التى لا يعرفها أحد"- محمود عوض- كتاب اليوم- مؤسسة أخبار اليوم، الطبعة الثالثة- 1971- القاهرة.
"الهوى دون أهله"- أم كلثوم سيرة ونصًا- حازم صاغية- دار الجديد- 1991- بيروت.
"الزحف المقدس"- د. شريف يونس- دار ميريت- 2005- القاهرة.
في نهايات عقد السبعينيات وبدايات عقد الثمانينيات، وسط أجواء ثورية طلابية، مُحبطة بالطبع، وجذرية الهوى، كان يهيمن على غنائها الشيخ إمام، ومع بدء ظهور مجموعة من الفرق الغنائية الخاصة، وتوارى قليلًا مفهوم "المغني الفرد"، وسط هذه الأجواء، وهذه الأجيال الجديدة، التي بدأت شبابها مع هزيمة 67، وما بعدها، لم يكن لأيقونة أم كلثوم أي تأثير يذكر.
***
تحوّلت أم كلثوم فى تلك الحقبة المهزومة، التى ربما امتدت إلى التسعينيات، إلى رمز لرجعية ما، بسبب مضمون أغانيها المتهافت، والذل والهوان اللذين يقطران منها، إضافة إلى الزمن الاستثنائي الممتد الذى تشغله وصلاتها على المسرح، هذا الفردوس الوهمي، داخل زمن متسارع وجحيم واقع أخذ يضع أقدامه في مصر بعد هزيمة 67 سواء فى إيقاع الأغاني أو الحياة بشكل عام، لنلحق بشيء على وشك أن يفوتنا، وقد نبهتنا الهزيمة ولفتت انتباهنا ناحيته، بل كانت الهزيمة أحد أعراض هذا الشيء، الذي على وشك الاختفاء.
***
بعد ثورة يوليو وقبل هزيمة 67، كانت أم كلثوم تمثل "أيقونة". لها حضور طاغ فى المخيلة الجمعية، تشعر بأنها إحدى رجالات الحكم، الذي كانت تمتد أطيافه خارج النظام، بوصفها "رئيسة دولة الغناء". كان لأيقونتها حضورها السياسي، رمزًا لبطولة فردية وتمثيلًا لعصر سياسي جديد. لذا كانت تتشارك مع أي نموذج بطولة فردي وتقتسم حضوره وقداسته داخل المخيلة الجمعية. بل تحوّلت إلى أسطورة تفوق أيضًا مفهوم البطولة، كما تذكر د. نعمات أحمد فؤاد في كتابها "أم كلثوم وعصر من الفن"، فقرأنا عن الفراشة الملونة التي لازمت صدر أم كلثوم، وهي تغني "فات الميعاد"، والحمامة البيضاء التى لزمت المسرح، وهي تغني "الأطلال". إنها عبادة البطل المتأصلة فى الشعوب العاطفية.
***
ربما هذه الصيغة الفردية للبطولة، التي كانت ترشحها هذه الفترة، ونموذجها الأساسي، هو جمال عبد الناصر، هي التي حولت أيقونة أم كلثوم من أيقونة عامة حرة وغير مسيسة، قبل ثورة 52، وأدخلتها داخل نظام جديد للترميز صاغته ثورة يوليو. لذا اكتسبت أيقونة أم كلثوم المسحة السياسية في شكل حضورها داخل المخيلة الجمعية، وفي تأويلها أيضًا. ربما هزيمة 67 كانت سببًا أيضًا فى النيل من هذه الأيقونة. فالمدلول السياسي الذي اكتسبته كان جزءًا من التحوّل الثقافي في مصر، الذي صاغته ثورة يوليو، ثم هزيمتها بعد ذلك. أغلب من ظهروا فى تلك الفترة، ما بين 52 و67، باختلاف علاقتهم بالنظام الحاكم في مصر، كان له تمثيل سياسي داخل المخيلة الجمعية.
***
أم كلثوم تعتبر معجزة، شىء ما فوق طبيعى، فى صوتها، بجانب مولدها في ليلة القدر، بجانب رحلة كفاحها، جعلها تصطف فى سياق الظواهر الاستثنائية. وقد كان هناك مشروع مع الشيخ زكريا أحمد فى تسجيل القرآن بصوتها، كما تروى د. نعمات، فى كتابها مما يدل على دخول أم كلثوم قبل الثورة فى نطاق دينى من الحب والتقديس، ظل معها وتطوّر بعد ثورة يوليو، إلى نوع من "العبادة" داخل المخيلة الجمعية.
***
قبل ثورة يوليو كانت أم كلثوم تعتبر "كوكب الشرق"، و"مطربة الشرق" و"مدهشة الغرب"، كما تذكر د. نعمات أحمد فؤاد فى كتابها. نوع من التمثيل الحر الواسع بين الشرق والغرب، يعبر عن أصالة هوية، أو أحد دعائم هوية عامة، أكثر منه مدلول سياسى مباشر، أو أيقونة للبطولة الفردية.
ربما قبل ثورة 52 كان هناك انفصال بين مجالى السياسة والفن، ثم جاءت الثورة لتوحدهما وتوحد رموزهما داخل المخيلة الجمعية والحياة العامة. هذا الانفصال سمح بنوع من التمثيل الحر، أو التقديس الحر، أوسع من سلطة التمثيل السياسي، وربما يتفوق عليه. لكن بعد الثورة تم تسميتها "هرم مصر الرابع"، وبعد مساهمتها فى المجهود الحربى بعد هزيمة 67، وتبرعها بعائد حفلاتها لإزالة آثار هزيمة 67، منحتها الدولة لقب "فنانة الشعب"، وهو تخصيص مصرى أكثر ربما يعبر عن رغبة سياسية تعبر عن "القومية"، ومن قبل، قبل ثورة 52، كان "الشرق" بأكمله هو مجال تمثيل هذه الأيقونة.
***
الهوية الشرقية هنا تمثل نوعًا من الخصوصية. أم كلثوم أحد مكونات هذه الخصوصية. كان الشرق يمثل مجموعة من العادات والصفات والأخلاق والسمات الشكلية كانت تتجسد في أم كلثوم، مما دعا المثّال محمود مختار أن ينحت لها تمثالًا عام 1925.
وفى مكان آخر كان يطلق على محمد عبد الوهاب مطرب الملوك والأمراء، بدون أى غضاضة، بل مصدر فخر وسط شعب يعاني من الجوع، لكنه يستمع لمحمد عبد الوهاب مع بذلته ووردته الأبيضين، من هذا الاستخدام قبل الثورة، قبل أن يتم صياغة المجتمع، فلم يكن التفسير الطبقى قد أصبح إحدى أدوات المجتمع فى الرؤية، كما سيحدث بعد ثورة 52 رغم الفقر، الذي كان يعانى منه طبقات الأغلبية.
***
ثورة يوليو، والهزيمة بعدها، أدخلا "أيقونة أم كلثوم"، دون إرادتها كطرف فى نزاع سياسي حول التطور والتخلف، حول القداسة وعدم القداسة، حول الفرد والجماعة، والبطل والإنسان العادي. كان يمكن أن تظل خارج سؤال الزمن والحداثة كأي شيء باق فى ذاكرة الشعوب بدون تصنيف له، أو إخضاعه لمثل هذا النوع من التساؤلات، لكنها أدخلت عنوة، لأنها تمثل رصيدًا من الماضى السياسى والحكم، فصارت جزءًا من إرث الهزيمة للأجيال الجديدة وقتها. ليست الأجيال المسيسة فقط من رفضت ونالت من قدر هذه الأيقونة الفنية، طالتها أيضًا بعض الاتجاهات الدينية المستحدثة فى مصر السبعينيات وزعيمها الشيخ كشك، الذى حوّل أم كلثوم وعمرها إلى هدف، أفرد له سجالات فى شرائطه التى كانت توزع في المساجد والمنتديات الدينية، وعلى الأرصفة فى صلاة الجمعة ومنابرها من هذه السيدة، التى تغنى للحب، وهى فى الستين، معلقًا على مقطع أغنيتها "إنت عمري": "خدني لحنانك خدني"، معقبا "الله يخدك يا شيخة".
***
فى لحظات التحول الحديثة عادت أيقونة أم كلثوم، منذ الألفية الجديدة، وربما بالتحديد فى العقد الأخير وبعد ثورة يناير، لتكون معبرة عن أصالة ما داخل المخيلة الجمعية. أصبحت أحد رموز الهوية للأجيال الجديدة، فى الوقت الذى سقطت فيه كل الرموز أو تم الاختلاف حولها. ربما نعيد الآن زرع أيقونة أم كلثوم، مع الأجيال الجديدة، فى مكان شعورى جديد يحوى الحب والتقديس والإعجاز والمفارقة وقوة الموهبة، لكن بدون أى توجيه أو إملاء خارجيين. ربما الرمز يتحرك ويعيد تشكيل بوجوده داخل المخيلة الجمعية بحرية أكثر. فى كل لحظات التحول الشعبى يتم استدعاء الرموز الكامنة فى هذا الوعى الجمعى. حتى رمز "عبد الناصر" تمت استعادته، خاليًا من أى شائبة لحقت به فى الماضى. فطالما أصبحت أيقونة أو رمزًا، فقد خضعت لتيار الزمن وتقلباته.
***
إثر هزيمة 67، ذهبنا إلى التصييف مع مجموعة من العائلات فى شاطئ مرسى مطروح. كانت الهزيمة وأحاديثها وهمسها يخيم على أحاديث الكبار. كان أبى يريد الاتصال بالإسكندرية للاستعلام عن نتيجة الإعدادية لأخى الكبير. فلم يكن هناك تليفون إلا تليفون استراحة أم كلثوم القريبة. صحبنى أبى إلى هناك، مع صديق له. كانت الاستراحة بالطبع خالية من صاحبتها، ويقوم بحراستها حارس أسمر. وقفنا جميعًا، أثناء إجراء المكالمة، فى حضور أم كلثوم. أتذكر صورة كبيرة لها على أحد الحوائط، والإضاءات القليلة المنتشرة فى الزوايا، كأنه محراب، هذه الذكرى الشخصية التى لا تزال تربطنى بأم كلثوم.
..........................................................................
قراءات مصاحبة
"أم كلثوم وعصر من الفن"، د. نعمات أحمد فؤاد- الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1983. القاهرة.
"أم كلثوم التى لا يعرفها أحد"- محمود عوض- كتاب اليوم- مؤسسة أخبار اليوم، الطبعة الثالثة- 1971- القاهرة.
"الهوى دون أهله"- أم كلثوم سيرة ونصًا- حازم صاغية- دار الجديد- 1991- بيروت.
"الزحف المقدس"- د. شريف يونس- دار ميريت- 2005- القاهرة.