شاكر الأنباري لا تستغرب عزيزي القارئ من تفشي وباء الكورونا، عالميا هذه المرة، ولم يقتصر على بقعة جغرافية صغيرة، محدودة، مثلما عودنا قبل ...
شاكر الأنباري
لا تستغرب عزيزي القارئ من تفشي وباء الكورونا، عالميا هذه المرة، ولم يقتصر على بقعة جغرافية صغيرة، محدودة، مثلما عودنا قبل اليوم، حيث أغلق المدن، وأجبر البشر على التواري خلف الجدران، وأطاح بالأمل. فهو انتقام العوالم الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة من حماقة الكائن العاقل الذي خلخل توازن الأرض الموجود منذ مليارات السنين. أطاح البشر بذلك التوازن في فترة قياسية لا تزيد عن الثلاثة قرون، وهو زمن صغير جدا قياسا بعمر الأرض. الكرة الأرضية خلية حية، تتنفس وتوازن نفسها بكفاءة عالية، ثم جاء الانسان ليخرب ذلك التوازن بعقلانية باردة جدا، وبقصور واضح لتلك العقلانية. استنزف نفطها وغازها ومعادنها وخشبها وأحياءها، ثم أحرق تلك السوائل في الهواء، وألقى على جسد الأرض بلايين الأطنان من الأسفلت بتبليط الطرق، والساحات، ليخنق رأتها بإتقان. أزال ملايين الكيلومترات من النباتات والأشجار نتيجة لجشعه وارتفاع مواليده وكبريائه، وابتكر اللقاحات كي يطيل من عمر الانسان، وحسّن النباتات والاشجار بتغيير مواصفاتها الوراثية التي توصلت إليه الأرض بعد مليارات السنين من قانون البقاء للأصلح والانتخاب الطبيعي. وكل ذلك نتج عنه تآكل درع الحماية لتلك الخلية النابضة ألا وهو طبقة الأوزان، مما سهل دخول الأشعة القاتلة القادمة من الشمس والمجرات، وتلك الأشعة تفعل فعلها في تغيير هيكلية الأحماض الأمينية في جميع الكائنات الحية. عدا ذلك عمد الانسان إلى ابتكار المتفجرات والقنابل النووية والأسلحة الفتاكة وتجريبها بهذا الشكل او ذاك في أمكنة عديدة من الأرض، دون التكهن بما ستكون النتائج في المستقبل. التفاعلات الصغيرة ليست مرئية من قبل العلم حتى الآن، والفايروسات حالها حال الشجر، والبكتريا، والأسماك، تريد أن تعيش هي الأخرى وتحافظ على استمرارية وجودها، فلم يعد أمامها ضمن هذه الظروف القاتلة إلا تطوير نفسها، وذلك عبر تغيير جيناتها لتتكيف مع جو الأرض الملوث، ولتخترق مناعة البشر وتتغلب على كل اللقاحات التي ابتكرها. نعم لقد أنهكت الحضارة الحديثة خلية الأرض من كل حدب وصوب، دون اعتبار للتوازنات الصغيرة غير المرئية في ذلك العالم الغامض المؤلف من فايروسات، وجراثيم، وكائنات أحادية الخلية، سواء كانت أوبئة أو غيرها. وإذا ما تجاوزت البشرية هذه الموجة القاتلة القادمة ليس من الفضاء، كما توقعنا، إنما من العوالم الغامضة غير المرئية، العوالم المكروسكوبية التي نتقاسم معها هذه الخلية الحية المسماة كوكب الأرض، فعليها أن تفكر مليا بوجودها، وتوجه حكمتها لا لإنهاك الكوكب بتفريغه من دمه وتلويث فضائه، إنما بترميمه ليعود صالحا لعيش الأجيال القادمة.
(*) روائي عراقي
لا تستغرب عزيزي القارئ من تفشي وباء الكورونا، عالميا هذه المرة، ولم يقتصر على بقعة جغرافية صغيرة، محدودة، مثلما عودنا قبل اليوم، حيث أغلق المدن، وأجبر البشر على التواري خلف الجدران، وأطاح بالأمل. فهو انتقام العوالم الدقيقة التي لا ترى بالعين المجردة من حماقة الكائن العاقل الذي خلخل توازن الأرض الموجود منذ مليارات السنين. أطاح البشر بذلك التوازن في فترة قياسية لا تزيد عن الثلاثة قرون، وهو زمن صغير جدا قياسا بعمر الأرض. الكرة الأرضية خلية حية، تتنفس وتوازن نفسها بكفاءة عالية، ثم جاء الانسان ليخرب ذلك التوازن بعقلانية باردة جدا، وبقصور واضح لتلك العقلانية. استنزف نفطها وغازها ومعادنها وخشبها وأحياءها، ثم أحرق تلك السوائل في الهواء، وألقى على جسد الأرض بلايين الأطنان من الأسفلت بتبليط الطرق، والساحات، ليخنق رأتها بإتقان. أزال ملايين الكيلومترات من النباتات والأشجار نتيجة لجشعه وارتفاع مواليده وكبريائه، وابتكر اللقاحات كي يطيل من عمر الانسان، وحسّن النباتات والاشجار بتغيير مواصفاتها الوراثية التي توصلت إليه الأرض بعد مليارات السنين من قانون البقاء للأصلح والانتخاب الطبيعي. وكل ذلك نتج عنه تآكل درع الحماية لتلك الخلية النابضة ألا وهو طبقة الأوزان، مما سهل دخول الأشعة القاتلة القادمة من الشمس والمجرات، وتلك الأشعة تفعل فعلها في تغيير هيكلية الأحماض الأمينية في جميع الكائنات الحية. عدا ذلك عمد الانسان إلى ابتكار المتفجرات والقنابل النووية والأسلحة الفتاكة وتجريبها بهذا الشكل او ذاك في أمكنة عديدة من الأرض، دون التكهن بما ستكون النتائج في المستقبل. التفاعلات الصغيرة ليست مرئية من قبل العلم حتى الآن، والفايروسات حالها حال الشجر، والبكتريا، والأسماك، تريد أن تعيش هي الأخرى وتحافظ على استمرارية وجودها، فلم يعد أمامها ضمن هذه الظروف القاتلة إلا تطوير نفسها، وذلك عبر تغيير جيناتها لتتكيف مع جو الأرض الملوث، ولتخترق مناعة البشر وتتغلب على كل اللقاحات التي ابتكرها. نعم لقد أنهكت الحضارة الحديثة خلية الأرض من كل حدب وصوب، دون اعتبار للتوازنات الصغيرة غير المرئية في ذلك العالم الغامض المؤلف من فايروسات، وجراثيم، وكائنات أحادية الخلية، سواء كانت أوبئة أو غيرها. وإذا ما تجاوزت البشرية هذه الموجة القاتلة القادمة ليس من الفضاء، كما توقعنا، إنما من العوالم الغامضة غير المرئية، العوالم المكروسكوبية التي نتقاسم معها هذه الخلية الحية المسماة كوكب الأرض، فعليها أن تفكر مليا بوجودها، وتوجه حكمتها لا لإنهاك الكوكب بتفريغه من دمه وتلويث فضائه، إنما بترميمه ليعود صالحا لعيش الأجيال القادمة.
(*) روائي عراقي
ليست هناك تعليقات