في الأدب العربي القديم كانت الكنى والألقاب تغلب على الأسماء الأصلية المتوارية؛ فاشتُهر الجاحظ مثلاً وتوارى اسمه عثمان بن بحر. وكذلك الأخطل والفرزدق وجرير والمتنبي والنابغة الذبياني والأعشى والحطيئة. وهكذا قلما عرف الناس الاسم الأصلي للشاعر السوري الكبير أدونيس (علي أحمد سعيد)، أو أسماء الشعراء الذين تقنعوا بأسماء أخرى مثل قدموس (كمال خير بك) وبدوي الجبل (أحمد سليمان الأحمد) والشاعر القروي (رشيد سليم الخوري) وعرار (مصطفى وهبي التل) وتموز (فؤاد سليمان). وعلى غرار هؤلاء قرأنا أسماء أخرى مثل بنت الشاطئ (عائشة عبد الرحمن) وباحثة البادية (ملك حفني ناصف) والبدوي الملثم (يعقوب العودات). وهناك شعراء وأدباء وكُتّاب غلبت ألقابُهم على أسمائهم مثل الأخطل الصغير (بشارة عبد الله الخوري) ومحمد الفراتي (محمد عطا الله) وأمجد ناصر (يحيى النعيمي) ويمنى العيد (حكمت صباغ الخطيب) وعرفان شهيد (عرفان عارف قعوار) وخالد أبو خالد (خالد محمد صالح أحمد) وعدنان بن ذُريل (عدنان الذهبي) وآدم حنين (صموئيل هنري) ومحمد العدناني (محمد خورشيد) وياسمينة خضرا (محمد مولسهول) ورفيق شامي (سهيل فاضل) وعزيز الحاج (عزيز حاجي قُلّي) وأحمد الكاتب (عبد الرسول اللاري) ومحجوب عمر (رؤوف ميخائيل نظمي عبد الملاك) وهادي دانيال (عبد الهادي الوزة) وجهاد فاضل (جوزف فاضل) وإبراهيم العريس (إبراهيم علي مومنة) وجهاد الزين (غسان الزين) ورسمي أبو علي (رسمي حسن سليمان) وزكريا محمد (داوود الزاوي).
الألقاب، بالتعريف، غير الأسماء المستعارة؛ فالأسماء المستعارة لها دوافع سياسية أو شخصية أو اجتماعية تتعلق بالعادات التي تعيب، على سبيل المثال، ذكر اسم المرأة في الصحف مثلاً. وحتى اليوم ما زالت بعض الصحف المصرية تصوغ أخبارها الاجتماعية على النحو التالي: “زارت حرم معالي وزير التعليم جمعية النهضة في الفيوم”، فلا تذكر اسمها الصريح إلا في حالات قليلة. ولهذا، ربما، عمدت الكاتبات من بنات الفئات المتعلمة إلى اختيار أسماء مستعارة لإخفاء هوياتهن وهويات عائلاتهن أمثال ماهرة النقشبندي من العراق التي كانت توقع باسم “سراب العبيدية”، وفطينة النائب، من العراق أيضاً، التي وقعت في إحدى المراحل “صَدُوف العبيدية”، وكذلك مؤمنة بشير العوف من سورية التي استخدمت اسم “سلافة العامري”.
هناك كُتّاب ذكور وقعوا أحياناً بأسماء أنثوية مثل سليم سركيس (مريم مزهر) ونظمي لوقا (صوفي عبد الله) وحافظ نجيب (وسيلة محمد) ووفيق العلايلي (وفاء علام) وأحمد عبد الغفور عطار (شريفة عبد الله) وعلي بلوط (كوثر) وجان داية (سميرة حمود) وإميل حبيبي (جهينة) وميشال زكور (مرغريت سمعان) وفكري أباظة (سهير فكري أباظة) ومفيد فوزي (نادية عابد) وأنيس منصور (أحلام الشريف أو منى جعفر) وإبراهيم سلامة (كوثر عبد الفتاح). وهناك إناث وقعن بأسماء ذكور مثل مي زيادة (خالد رأفت).
الضرورة العلمية
إن معرفة الأسماء المستعارة للأدباء والشعراء والكُتّاب والمفكرين مهمة جداً لأغراض الدراسات الأدبية وسِيَر الأَعلام. وستبقى أي دراسة ناقصة فيما لو لم يتم رصد جميع ما كتبه هذا الأديب أو ذاك الشاعر باسمه الصريح وباسمه المستعار معاً. واكتشاف أسماء الكتاب المتوارين خلف الأسماء المستعارة يساعد الباحث والدارس في معرفة الأحوال المحيطة بالكاتب التي ألجأته إلى التوقيع باسم آخر أو بأسماء مختلفة، وربما يكشف لنا ذلك جانباً إضافياً من أفكار الكاتب وشخصيته. فغسان كنفاني، على سبيل المثال، كان يكتب زاوية في جريدة “المحرر” اللبنانية عنوانها “يوميات غارسون” ويوقعها باسم “غارسون”. وعلاوة على ذلك كانت له توقيعات متعددة مثل ربيع مطر وفارس فارس وغينكاف وأبو فايز وأبو العز. لكن إبراهيم سلامة يكشف أن “ربيع مطر” هو توقيع تناوب عليه غسان كنفاني وصلاح البيطار في غير جريدة. وعلى الباحثين اليوم أن يفرّقوا، من خلال دراسة الأسلوب والمفردات، مقالات غسان كنفاني الموقعة باسم “ربيع مطر” عن مقالات صلاح البيطار الموقعة بالاسم نفسه.
يعود اهتمامي بالأسماء المستعارة إلى نحو أربعين سنة حين اكتشفت أن “وائل الحلو” الذي كان يتردد اسمه في جريدة “السفير” هو اسم مستعار ومشترك لعدد من كُتّاب “السفير” الذين لم يرغبوا، لأسباب شتى، في توقيع مقالات بعينها، ربما لأنها تتضمن مواقف سياسية أو معلومات أمنية أو غير ذلك. ثم علمت من أستاذي أنيس صايغ أنه كثيراً ما وقّع بأسماء مستعارة مثل “احمد صالح” حيث الحرفان الأولان (أ، ص) هما الحرفان الأولان من اسمه الأصلي. وكذلك وقع أنيس صايغ باسم “سمير الجوهري” لأن السمير والأنيس متقاربان جداً في المعنى، والصايغ والجوهري واحد. وعلى هذا المنوال وقّع أيضاً باسم سمير الطبراني لأنه مولود في طبريا في فلسطين. وقد نسجتُ على منواله فوقعتُ مراراً باسم “شاهين أبو العز” لأن الشاهين والصقر واحد، وأبو العز وأبو فخر واحد أيضاً. ووقعتُ كذلك باسم “صلاح أحمد فاخوري” بناء على أن الحروف الثلاثة الأولى (ص، أ، ف) تطابق تماماً الحروف الثلاثة الأولى من اسمي الأصلي. ووقعت أيضاً بأسماء متشعبة بحسب الأحوال والمجلات مثل غسان القادري وفادي نصر وهيفاء عبد الرحمن ورامي حكيمة وسامر صقر.
أسماء وغرائب
المأنوس أن يختار كاتب ما إسماً يعجبه أَكان ذلك لمعناه أو لموسيقاه، بدلاً من اسمه الأصلي الذي لا يعجبه كما فعل فايز الصايغ من الأردن (اسمه الأصلي هو فايز الجرو) وإدريس الخوري من المغرب (إدريس علال الكص). وبعض الكُتّاب العرب اليهود تخفّوا وراء أسماء عادية لأسباب لا تخفى على أحد، مثل إدوار شاؤول من العراق الذي كان يوقع باسم “سهيل إبراهيم” وشمعون روبين علفي (سيمون العماري) وإيزادور سلفاتور بن روفائيل من مصر الذي اشتهر باسم “أحمد صادق سعد”. وشاعت بين المستشرقين طريقة التوقيع بأسماء عربية على غرار جان أرتوركي الذي كان يوقع باسم “يحيى الدبغي”، وكذلك السير كادوغان (عباس الحامض) وبيتر شولتز زوج المستشرقة المشهورة زيغريد هونكه (محمد الطويل) وألويز موزيل (موسى الرويلي). والعجيب أن بعض الكُتاب العرب وقعوا بأسماء أجنبية مثل ناصر الدين النشاشيبي الذي كان يكتب في جريدة “فلسطين” باسم “فيكتور بومن” (فيكتور أي ناصر، وبومن أي رامي النشاب أو النشاشيبي)، وفرح أنطون (شارل شيفر)، ومي زيادة (إيزيس كوبيا)، وكامل مروة (هانس مولارد)، وإسماعيل مظهر (فيلو بونس)، وحتى أنيس منصور (سيلفانا ماريلي).
الغريب أن ثمة كثيراً من الكتاب والصحافيين والعازفين، مع غرابة أسماء عائلاتهم، تركوها كما هي من غير أي تعديل أمثال محمد العكروت من تونس، وإسماعيل البقري ومحمد الحيوان ومحمد الضبع وأحمد خليل الضبع من مصر، واسكندر دبانة صاحب مجلة “الكوثر” اللبنانية، ومحمد شخشخ وهو عازف إيقاع مغربي، وجورج مصروعة من لبنان، علاوة على كُتّاب وشعراء وصحافيين وفنانين ورجال أعمال من عائلات الفار والبس وجربوع وصرصور وبرغوث وبقة والنمل وخريوات وخرينو والبايض وزلاطيمو وطنبوز ولهلبت وزحيمان والطزيز والبورنو والزبري (من فلسطين)، وبعصولو وسفلو وقطّاع النعل ودبس وزيت ودبس ولبن وبوز الجدي وخرارو وشرم برم (من سورية)، وجحوش وجرو (من اليمن)، والصرامي والفقعان (من الكويت)، وأبو البخوش والعفريت والقرق وأبو زُبر (من الامارات)، والأكلبي وفطيس (من السعودية)، والفسوي وجروة وبلعوط وزبالة وفرشخ وطبيلي (من لبنان).
أقنعة المشاهير
إن معظم الكُتاب والمفكرين اشتهروا، بالطبع، بأسمائهم الأصلية. ومن غير المعروف، على وجه اليقين، لماذا كانوا يوقّعون أحياناً بأسماء مستعارة. ومن بين هؤلاء المشاهير نذكر أنطون سعادة الذي وقع باسم “نصوح الخطيب”، ونجيب نصار الذي كثيراً ما وقّع باسم “مفلح الغساني”، والمطران جورج خضر (وائل الراوي) وياسين الحافظ (زهير الحكيم) وخالدة سعيد (خزامى صبري) ولويس الحاج (سجيع فدعوس) وأنسي الحاج (سراب العارف) ووضاح شرارة (زاهي شرفان) وفواز طرابلسي (بسام أبو سمرا) واسكندر داغر (اسكندر حايك) وجان داية (باسم أمين) ومحمد يوسف حمود (محمد الأمين أو محمد رفيق الأسمر أو رفيق الشويري) وعزيز العظمة (قيس الشامي) وحفني ناصف (محمد بن إدريس) ويحيى حقي (شاكر فضل الله أو عبد الرحمن بن حسن) ونظمي لوقا (حكمت كامل) ورشاد المغربي دارغوث (حسن الغندور) وشكيب الجابري (أحمد فؤاد اليماني) وكامل الجادرجي (عبد الله البصير) وأحمد أمين (مالك الحزين) ووليم صعب (متري الخوري أو يوسف المغربل أو سعيد المصوِّت) وموسى الشابندر (علوان أبو شرارة) وحافظ نجيب (عبد الله الشريف أو غبريال جرجس) وجورج حنين (جان داميان) وإنعام رعد (مارون عاصي أو إحسان سعد أو إحسان مطر أو سمير صادق أو فادي عبد الحق أو فارس روحانا أو قيس الجردي) وأسد الأشقر (خلدون الخالد أو سبع بولس حميدان) والياس ابو شبكة (رؤوف فرج رؤوف) والأخطل الصغير (حنا فياض) وجمال الدين الأفغاني (عارف أبي تراب الأفغاني أو مظهر بن الوضاح) والياس عبد الله طعمة (أبو الفضل الوليد) ومحمد كرد علي (زيد الخير) وفؤاد حبيش (زهير زهير) والمطران بولس بهنام (زهير سلطان).
واضح من خلال استعراض أسماء هؤلاء المشاهير أن للكُتاب والشعراء في أسمائهم وألقابهم وهيئاتهم وسيمائهم فنوناً وجنوناً واستعارات بعضها غريب وبعضها عجيب وبعضها لطيف وبعضها يا لطيف.
عن ملحق “ضفة ثالثة”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق