Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

معركة الحريات الشخصية: الثورة لم تعد احتجاجا

خالد مطلك لم تكن مسألة الحريات المدنية غائبة عن السلوك الاحتجاجي لثورة اكتوبر ، وعلى الرغم انها لم ترفع كشعار مباشر في ساحات التحرير، ...

خالد مطلك


لم تكن مسألة الحريات المدنية غائبة عن السلوك الاحتجاجي لثورة اكتوبر ، وعلى الرغم انها لم ترفع كشعار مباشر في ساحات التحرير، بيد انها لم تغب عن الممارسات الفنية والجمالية للمحتجين طيلة فترة الاحتجاج التي دخلت شهرها الخامس.

اخر التلميحات المضمرة والصريحة للسيد مقتدى الصدر، والقنوات التي تمثله بشأن حدود الحريات، باتت هي الحجة الأخيرة في تأليب القوى المعادية ضد المحتجين، بعد ان فشلت كل محاولاته في فرض أي نوع من الوصاية على ارادتهم.

مبادرته الفردية الأخيرة، التي اعلنها على هيئة منشور اخلاقي ووعظي، وضع نفسه من خلالها معيارا للفضيلة والرذيلة، ومقارنته بين شروط التشدد الطلباني عبر الإشارة إلى مدينة قندهار، والانفتاح الغربي بالنسخة الاميركية عبر اختياره الاعتباطي لمدينة شيكاغو، هي مرحلة مهمة من الصراع الطويل والقاسي والمحزن، الذي يخوضه الشباب ولكنه بتصوري الشخصي يشكل المرحلة الأهم، التي تنقل الاحتجاج بصورة لا ريب فيها إلى مستوى الثورة.

فكل عمل احتجاجي لا يحمل معنى الدفاع عن الحريات المدنية، تبقى حركته محددة في إطار الهم السياسي العارض. فالثورة في جوهرها تستهدف القيم الظلامية في المجتمع، تلك التي تتعارض مع مكتسبات الإنسان الحديث في حقه المدني بالحريات الأساسية، وهذه بدورها تتعارض بالضرورة مع منطوقات العصور المظلمة من تاريخ البشرية. لذلك تستهدف هذه المعركة ضمن نتائجها العرضية الخطاب الذي تبني عليه الأحزاب الدينية وجودها، وتستمد منه الجزء الأهم من شرعيتها.

من هنا يأتي بيان صادر عن حركة العصائب تؤيد فيه ضمنيًا مرامي الصدر، وتسمي الممارسات الشبابية وبخاصة تظاهرة النساء الأخيرة “بالحرب الناعمة لنشر الانحراف” “، وهي تهمة مزدوجة تشرعن القمع وعودة التسلط الداعشي على المجتمع بنسخة ثانية.

وفي الحقيقة ان المحتجين الشباب لا يطالبون بفضاء شيكاغوي لتحقيق احلامهم المدنية، لان هذه المفارقة تبدو مضحكة، حيث ان هذا النوع يتطلب بنية تحتية تشبه تلك التي تمتلكها اول مدينة في العالم، كانت الحاضنة لأهم منجزات العمارة العالمية الحداثية منذ الربع الأخير للقرن التاسع عشر، كما ان مستويات الدخل والمعيشة وشبكة القوانين، التي تضمن الحريات، ناهيك عن الوعي المجتمعي، تجعلها من الأحلام المستحيلة. ان المطالب الحقيقية لا تريد ان تبتعد كثيرا عن تلك التي كان يتمتع بها جيل الآباء والأجداد في مدينة بغداد السبعينيات وتشاطرها في ذلك مدن رئيسة في الدولة. من جانب اخر، فان قندهار التي لا يريدها الصدر على استحياء، لم يعرف عنها هذا الجيل شيئا، سوى تلك السنوات التي هيمنت فيها الميليشيات على الحياة اليومية للسكان، ومنعت بقوة السلاح كل مظاهر المدنية المتواضعة.

في هذه المرحلة الحرجة تتخلى القوى التي تقف في الجانب الآخر من ضفة المدنية عن خطابها التوفيقي نحو موائمة نفسها مع منطلقاتها الأصلية، بغية حماية وجودها الذي يستمد أيديولوجياته من مقولات تراثية إحيائية.

وفي حقيقة الأمر ان كل محاولات “نشر الانحراف” في المجتمع تقف وراءها ذات القوى التي تدعي الان محاربتها. فتجارة المخدرات ورعاية أوكار الدعارة والإشراف على صالات القمار هي في عصب اقتصاديات بعض أطراف الصراع.

في خضم هكذا نوع من الصراع تكون للفعل الثقافي أهميته، لان الأمر يتعدى الممارسات الاحتجاجية بمعناها العملي إلى معركة الرمزيات والخطاب والدوال وتقويض حركة اللعب باللغة والمفاهيم وإزاحتها عن الطريق.

ثورة اكتوبر التي قاد الشباب حركتها وبفطنة وبطولة نادرة وعناد وصبر أسطوريين، تبلغ – هذه اللحظة – مديات شعارها الرئيس “نريد وطنا” ولا وطن من دون سقف ادنى من الحريات المدنية لا تقبل المساومة.

ليست هناك تعليقات