لوحة «راقصة مصرية» للرسام السويدي الفنلندي «جَنَر برنتسون» - شريف حسن زمن الطقطوقات هو أكثر فترة يمكن وصف كلمات أغانيها بالخلاعة و...
لوحة «راقصة مصرية» للرسام السويدي الفنلندي «جَنَر برنتسون» -
شريف حسن
زمن الطقطوقات هو أكثر فترة يمكن وصف كلمات أغانيها بالخلاعة والإباحية والجرأة، لا أحد ينكر أن هذه الفترة (1910 - 1930) كانت الطقطوقات تمتاز فيها بالغزل الصريح، بعيدًا عن كل الأوصاف الأخرى التي ظهرت تدريجيًّا مع بداية ثورة 1952.
كانت الطقطوقة، وهي أحد أشكال الغناء، تناقش كل ما في المجتمع، بدايةً من مشاكل الوطن الخارجية حتى المشاكل الاجتماعية كالتحرش، لكن كان هناك اتجاه عام من الدولة بحصر هذه الفترة في هذا الشكل من الغناء، واتهامه بالابتذال والتدني الأخلاقي، وتأكيد أن أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب هما من انتشلا الفن من هذه المكانة المتدنية، بمساعدة سيد درويش في المقام الأول.
منيرة المهدية تغني «توت عنخ آمون»
سمحت الطقطوقات بحرية ظهور المشاعر الحقيقية، دون تخفٍّ أو تواري وراء ستار، ودون أي تورية في الكلام.
الطقطوقة أحد القوالب الغنائية المصرية مئة بالمئة، وظهرت على يد ملحن اسمه محمد علي لعبة.
لم يقف الغناء الصريح للجنس عند النساء فقط، بل اقتحم الرجال هذا الشكل الغنائي، ومنهم عبد الحي أفندي الذي يغني على لسان الأنثى فيقول: «وإن كنت خايف من جوزي، حشاش وواكل داتورة، وإن كنت خايف من البواب، أعمى ورجله مكسورة».
هكذا كان شكل الإباحية في الأغنية المصرية، لكن كيف ظهر ذلك؟ وكيف اختفى؟ ولماذا؟
أغنية «شيلي إيدك وحطيها» لبهية المحلاوية
الطقطوقة قالب غنائي مصرية مئة بالمئة، ظهر على يد ملحن اسمه محمد علي لعبة، عكس أغلب القوالب الأخرى التي جاءت إلى مصر وطُوِّرت تدريجيًا إلى الشكل المصري. كانت العوالم تقدم الطقطوقات، والعوالم تغنين في الأفراح بشكل أساسي، وأغاني الأفراح تتشابك مع الفلكلور المصري بشكل كبير وقاطع، فاشتبكت الأغاني الفلكلورية والطقطوقة، وأغاني الفلكلور تتماشى لحنيًّا مع الشكل اللحني للطقطوقة.
تمتاز الطقطوقة ببساطة اللحن وسهولة الأداء، وتتألف من المذهب، يليه الأغصان، ويتكرر المذهب بعد كل غصن، وكان التركيز كله في المذهب من حيث سهولة الكلام واللحن، لأنه أكثر ما يتكرر في الأغنية، وهذا بالتحديد هو الشكل اللحني لأغاني الفلكلور، خصوصًا أغاني الدلتا.
ما زالت أغاني الفلكلور موجودة رغم محاولات الطمس، وتغنَّى بشكل خاص في «يوم التنجيد»، مثل أغنية «يا منجد علِّي المرتبة، واعمل حساب الشقلبة».
بين التصريح بكل جرأة (يا مفرتك يا قميص النوم، يا مهيِّج شباب اليوم)، والتورية الجميلة (إمتى يخش الخِل ويَّا خليله، ويقفش الرمان على السجادة)، يتضح أن الإباحية لم تكن ابنة مرحلة الطقطوقات كما يُقدَّم إلينا، بل أحد أشكال الغناء المصري الحقيقي دون أي تدخل محافظ من أشخاص أو جهات رسمية.
رغم أن هذه الأغاني ما زالت موجودة وتغنَّى في الأعراس، خصوصًا في «يوم التنجيد»، كأغاني «حرامي يا أمَّه» و«إلعب يا مُلعَب» و«يا منجِّد علِّي المرتبة، واعمل حساب الشقلبة»، كلها أغانٍ كلامها جنسي ولم تفلح الدولة أو الزمن في طمسها ومحوها، ويقدم المخرج داوود عبد السيد في فيلم «سارق الفرح» جزءًا منها خلال جلسة فرح في منطقة عشوائية.
الإباحية ليست شكلًا جديدًا على الأغنية المصرية، ولا تُنسَب إلى زمن الطقطوقات في عشرينيات القرن الماضي فحسب، بل ترجع إلى ما هو أقدم من ذلك، إلى الفلكلور المصري، وهي شكل من أشكال الهوية الغنائية المصرية، لكنه طُمس وحُرِّف كي يناسب الشكل الجديد للدولة والمجتمع المحافظ.
ليست هناك تعليقات