إذا كان الزمن المتغلغل في صور ماري الخازن، والبساطة التي يتّصف بها ناس صورها، قد شكّلا الدافع الأساسي لتوجيه الإنتباه إلى ما تركته كاميراتها الهاوية، والرائدة، فإنّ القصر الذي عاشت فيه هو الذي ضاعف، فيما أظنّ، الإهتمام بلقطاتها.
ربّما لتأليفه الخلفيّة للحياة اليوميّة المسجّلة داخله، وخارجه، وفي جواره القريب حيث كانت عدستها تطارد الشركاء الذين يعملون في أراضي آل الخازن الواسعة، ويكدّون في الحقول.
داخلني هذا الشعور وأنا أستقبل، فيما مضى، نادين توما (صاحبة دار قنبز للأطفال) وسيفين عريس اللتين جاءتا وصوّرتا البيت بالفيديو. حين كان القصر أفضل حالاً بالقياس إلى ما وصل إليه الآن. ولم يفارقني هذا الشعور وأنا أرحّب بالدكتورة ياسمين نشّابه طعّان التي شكّل نتاج ماري الخازن موضوعاً لدراستها الأكاديميّة. ولا غادرني وأنا أستضيف مؤخّراً الروائيّة اللبنانيّة جورجيا مخلوف المقيمة في باريس، لتأهّلها من فرنسيّ.
القصر الذي تعود رؤيته للنور إلى العالم 1887 كان بدأ في تشييده الشيخ فندي الخازن (من غوسطا – كسروان) لكنّ الموت حال دون إكماله لمشروعه الذي قدّر لنجلَيْه الشيخ بربر، "ميرالاي عسكر لبنان"، والشيخ سعيد الخازن، والد ماري، إتمامه، وزرعه على رأس التلّة المشرفة على حقول الزيتون في زغرتا، والكورة، والمعيصرة في أبي سمرا، وعلى كلّ ما يتخلّلها أو يُدانيها من تمدّد عمراني، وعلى كلّ تلك المساحات من التلال والجبال. وهو مكوّن من طبقتين أرضيّة وعلويّة كلّ منهما بمساحة 400 متر مربّع.
والإحساس بإستيقاظ الزمن يتضاعف في كلّ زيارة مهما تباعدت الأعوام التي تفصل الواحدة عن الأخرى. فكلاهما يستبطن الزمن الذي فات: القصر وصور ماري المستدعية لأيّام عزّه قبل أن تعبث به يد الإهمال. وقد سبق وأطلقت غير صرخة لإنقاذه من براثنه أوّلاً عبر "النهار"، ثمّ عبر "الأنوار" في مقابلة مع الإعلامي الصديق روبير فرنجية. وكنت كلّما أعدت الكرّة وزرته معايناً توجّعه البالغ من الإهمال الممعن في دكّه يساورني أنني أدلف إلى تاريخ، وتتجدّد فيّ مشاعر الأسف على شاهد معماري أصيل مهدّد بالغرق التدريجيّ في لجّة الخراب. مع أنّه يصلح أن يكون متحفاً. وما سلم من صور ماري كفيل بإستحضار الأطياف، والأصوات، والملامح، والروائح، والنظرات، بحميميّتها الأخّاذة.
كم تبدو مثل هذه الهموم ترفيّة، مؤجّلة، وبعيدة المنال وسط كلّ هذا الغليان في الأحداث الجارية في البلاد الآن.
محسن أ. يمّين