أقام الفنان المغترب سلمان الشهد معرضاً لتخطيطاته ومائياته التي نجَت من "حرائق المخيلة" وأنجزها في فترات مختلفة، منها فترات ا...

تستولي الرموز على ذاكرة الفنان وتغرّبها في بيئتها الأصلية فتعاني الخطوط بذلك غربتين، غربة الماء والنخل وغربة الغيتو العراقي المجرد من غضارة الأجساد الموشومة ونظرات العيون الدعج.

أحدَّت المسافة، وشدةُ المرض، وتبريحاتُ الحب (وهي أعراض سيابية شائعة عند الفنانين البصريين) وأرهفتْ نظرةَ الفنان الكليلة. وكان "القارب" الأهواريّ يتهادى تحت هذه النظرة التائهة بين أوشام وفالاتٍ وبقايا عرس ريفيّ (أشبعنا ماهود أحمد من أمثالها) رسخ في نقطة لا تتزحزح من أفق التشرد والضياع وفقدان السلام. ولعل سلمان الشهد ممرور بفقدان الاتجاه ونأي البقاع، فهو شاعر آخر من شعراء الزمن الصعلوكيّ القديم. وأيّ سلام يطلبه مطرودٌ من جنة عدن العراقية، كما استقر قاربها في ذاكرته الناضبة؟

اكتسب "الشهد" مهارته التخطيطية من عمله الصحفي الطويل في تزيين نصوص الجرائد، وإخضاع الزمن المدينيّ الصاخب الى تمثيلاته الكروكية الطرية. ولما ضجّ الزمن بدقّات الأجراس المنذِرة بالحروب، حمل الفنان هذه الرسوم التوضيحية ليصنع منها عالماً مستقلاً برموزه ومراجعه التخيلية. حملها في قاربه وصارع المفاجآت كما يصارعها حالمٌ حوصر في زاويته الصحفية المستقرّة. خاض رحلة صعبة لكنه لم يفرّط بجزء من فردوسه المفقود. كنز تخطيطي صغير لكنه تعويذة لمسافرٍ زادُه الخيالُ، وعيونٌ مفتوحة على الواقع البعيد.
ليست هناك تعليقات