Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

جائزةٌ بمذاقٍ مُرّ لمارخا مينكو

ترجمة محمد رشو صدفة مؤلمة: رئيس مجلس إدارة جائزة پ. س. هووفت التي منحت لمارخا مينكو هو حفيد للزوجين الذين استوليا على ممتلكات عائلة مي...


ترجمة محمد رشو

صدفة مؤلمة: رئيس مجلس إدارة جائزة پ. س. هووفت التي منحت لمارخا مينكو هو حفيد للزوجين الذين استوليا على ممتلكات عائلة مينكو اليهودية في فترة ما بعد الحرب

نادراً ما اصطدم الحاضر مع الماضي بقسوةٍ كما هو الحال هنا. «إنها صدفةٌ غريبة»، تقول جيسيكا فوتين، الابنة الصغرى والمتحدثة باسم الكاتبة مارخا مينكو. «لو أنك تخيّلتَ شيئاً كهذا، لوجد فيه الآخرون أمراً يفتقد إلى المصداقية.»

في كانون الأول، علمت مارخا مينكو (98 عاماً) من خلال ابنتها أنها ستنال جائزة پ. س. هووفت. رئيس مجلس الإدارة خيليس دورلاين، أستاذ الأدب الحديث في خرونينغن، كان يودّ أن يبلّغها الخبر عبر الهاتف بنفسه. لكنها بدت فكرةً غير جيدة للكاتبة، «حتى بالنسبة له هو أيضاً».

دون أن يكون الرجل على دراية بالأمر، تبين أن دورلاين حفيدٌ لزوجٍ من أمرسفورت كانا قد قاما خلال الحرب العالمية الثانية بأخذ مجموعة من الأدوات المنزلية من عائلة مينكو اليهودية وثم استوليا عليها. مارخا مينكو، الناجية الوحيدة، طالبت بالممتلكات في ما بعد الحرب، لكن دون جدوى. فنظراً لأن والديها كانا معتقلين وأنهما قد قتلا، فإن كل شيء كان يخصهما لا بد وأن يعود تلقائياً، حسب الزوجين دورلاين، إلى من كان حارساً لها، وصيّاً عليها.

كتبتْ مينكو بشجاعة حول هذه القضية في قصتها الشهيرة «العنوان» في عام 1957. لكنها غيّرت الكنية من دورلاين إلى دورلينغ، لذا لم يشكُّ حتّى الحفيد – المولود في عام 1951 – بأي شيء. وذلك حتى تاريخه في كانون الأول الماضي.

أبقت ابنة مينكو الأمر في البداية طيّ الكتمان. «وإلا لكانت الصحافة تناولت هذا وحسب»، كما أوضحت عبر الهاتف. «لما كانت كل تلك المقالات البديعة قد كتبت عن أعمال أمي.» كانت الكاتبة تعيش في طمأنينةٍ مع الصمت. «ليس بوسعه هو أن يقوم بأي شيء» كان ردّ فعلها عندما سمعت اسم رئيس مجلس الإدارة.

ومع ذلك، بقي الأمر مزعجاً، على الأخصّ بعد أن درست الإبنة مراسلات ما بعد الحرب بين والدتها والسلطات الرسمية وآل دورلاين. مارخا مينكو وزوجها بيرت فوتين كانا قد تُركا هكذا ببساطة لقدرهما في ذلك الوقت، ومن قبل الحكومة أيضاً. كانا «فقيرين للغاية، معدمين كفئران الكنائس»، تقول الإبنة، لكنهما، رغم ذلك، لم يتلقيا أية مساعدة في سبيل استعادة ممتلكاتهما. «لطالما اختبرنا في عائلتنا مثل هذه القصص. الكثير من اليهود اختبروا شيئاً شبيهاً. لكن الوعي التاريخي بهذا الأمر محدودٌ في هولندا، في ما بين غير اليهود. ولهذا السبب أردت أن أخرج للعلن وأروي القصة للجميع».

عندما بدأت مؤسسة پ. س. هووفت بعد حفل توزيع الجائزة بتصميم الكتيب الذي يطبع عادةً كتقليد من تقاليد الجائزة، مع تقرير اللجنة، بدت لي أنها فرصةٌ طيبة. الإبنة فوتين، التي تعمل كصحفية، تستفتح الكتيب المنشور هذا الأسبوع بنصٍّ تشرح فيه الخلاف حول ملكية العائلة وبالتفصيل. وثم بعد تقرير اللجنة، تحلّ القصة الأصلية العنوان، وبحثُ الواقع والتداعيات الأدبية، معاً في الكتيب، بجوار بعضهما البعض.

يتيح الكتيب أيضاً مساحةً لردٍّ قصير من خيليس دورلاين. وكما الأحفاد الآخرين، فإنه «يشعر بالخجل» و«الحنق بشكل خاص»، كما يكتب. «لقد حدث التاريخ البغيض قبل أن يولد أيُّ واحد منا، لكنه وبعد ثلاثة أرباع قرن من الزمن ظهر ليسبب لنا الأذى وبألم، وليتركنا عاجزين عن الكلام». لقد كتب رسالةً أيضاً إلى مينكو، لكن أكثر من ذلك، لا يريد أن يعلّق بأي شيء. الكاتبة ترى هذا جيدأً. لا تتصرف على نحوٍ درامي وترى أن أيّ حديث مع دورلاين لا مغزى له ولا طائل منه.

تظهر وثيقةٌ تاريخية أن مجموعة الممتلكات المنزلية لمينكو كان يتألف من من بضع أوانٍ فخارية كاملة، ستائر، مفرش مائدة، سكاكين لا صدأ فيها، ملاعق فضية، ملابس، والكثير من الكؤوس والأواني الزجاجية. كانت هناك أيضاً لوحة رسمتها شقيقة مارخا مينكو. «الكثير من اليهود كانوا يستأمنون مثل هذه الأغراض كإجراءٍ احترازي عند جارٍ طيب، في حالة تلقيهم استدعاء للذهاب في «رحلة»، كما كان يقال حينها،» تقول فوتين. «تبين بعد الحرب، أن هذا الجار الطيب لم يعد طيباً كما كان. هذا أمرٌ يحدث في الكون كله، ولا يزال بإمكانك أن تراه في أماكن أخرى من العالم حيث يسود الكثير من البؤس: يستغل البشر مصائب بعضهم البعض».

في البيت، نادراً ما كانت الكاتبة تتحدث عن الأغراض المفقودة. في الحقيقة، ألمّ بها حزنٌ على تلك المفقودات أقل بكثير من حزنها على الأشخاص الذين فقدتهم. ومع ذلك، كان هناك غرضٌ واحدٌ، كانت تذكره بانتظام، من حينٍ لآخر: ملاعق الشاي الفضية. الملاعق التي غدت في أذهاننا خيالاً، مفهوماً يحلّق حولنا بأجنحة. في إحدى زيارتيها لـ «العائلة الحارسة» في أمرسفورت، اختلست مينكو منهم لحظةٍ وألقتْ نظرةً وحسب على الدرج الذي كانت فيه أدوات المائدة. تضيف فوتين التي استعادت عدداً من ملاعق الشاي التي كانت تخصّ عائلتها: «عندما كان الناس يترددون علينا لنتناول الشاي معنا، غالباً ما كانوا يسألون وهم يبتسمون: هل هذه ملاعق أمرسفورت؟»

في العنوان، لم تأتِ مارخا مينكو على ذكر السرقة. ومع ذلك، تغادر بطلة القصّة منزل امرسفورت، فجأةً، عندما يهمّ أحدٌ ما بفتح درج أدوات المائدة. يدرك القارئ الآن ما كان وراء ذلك. انتقامٌ لذيذ، خُلّدَ أدباً.

ساندر بيكر
جريدة تراو 6 حزيران 2019

والدا مارخا، سالومون وخريتجيه مينكو، 55 و53 عاماً قتلا في سوبيبور في 7 أيار 1943، توفي ديفيد، الابن، 28 عاماً، في وارسو في 31 يناير 1944 ، وقُتلت زوجته شارلوت في أوشفيتز في 3 سبتمبر 1943. بيتي، الشقيقة الكبرى لمارخا قتلت في أوشفيتز في 30 سبتمبر 1942.
مارخا مينكو (1920) الاسم المستعار لسارة مينكو، كاتبة هولندية، كتابها العشب المرّ (1957) يعتبر من كلاسيكيات الأدب الأوربي عن الحرب العالمية الثانية. نالت في عام 2005 جائزة كونستانتين هيوخينس عن مجمل أعمالها، وفي عام 2019 توجت بجائزة پ. س. هووفت التي تعتبر جائزة الإنجاز مدى الحياة وتمنح بالتناوب بين الشعر والنثر المكتوب باللغة الهولندية. تحظى مارخا بإعجاب النقاد على لغتها النقية والرصينة، وعلى نثرها الحيّ الواضح المليء بالفكاهة والملاحظات العميقة

ليست هناك تعليقات