إما محاكمة المسؤولين عن إفلاس المالية العامة وانهيار الاقتصاد أو الاستقالة
لقد دعوتم، فخامة الرئيس في حفل الأفطار الذي أقامه أمس الحرس الجمهوري في نادي الضباط الشعب اللبناني "إلى وحدة الصف كأهم من أي شيء آخر، والاستعداد لتحمل المشقات... وأن نكون (الشعب اللبناني) يدًا واحدة، لأنه بالوحدة ننجح في أداء المهمات المطلوبة مهما كانت طبيعتها". وفي الوقت نفسه، استقبلتم فخامة الرئيس الدكتور عصام سليمان، رئيس المجلس الدستوري، الذي شارك في مؤتمر مونتريال حول الدستور والأمان التشريعي.
نقول شكرًا فخامة الرئيس، بينما تدعون الشعب اللبناني لأن يتحد يدًا واحدة ويتحمّل المشقات، لا يزال اللصوص من الطبقة السياسية الفاسدة يجتمعون ويتشاورون على كيفيك "مصّ" الشعب وتحميله أعباء نهبهم المالية العامة بسياساتهم الفاشلة وسرقاتهم والهدر للمال العام بكل أنواعه. الشعب يتحد، فخامة الرئيس، عندما تكون حكومته نزيهة وأركانها شرفاء؛ فيضحي بالغالي والنفيس في سبيل إنقاذ بلده. أما أن تطلب فخامتكم من الشعب أن يتحد ويستعد لتحمّل المشقات، فهذا غير عادل ومنصف، عندما يشرّع لصوص السياسة المجتمعون القوانين لمصّ دم الشعب، فيما لا نجد واحدًا منهم أمام القضاء "المفقود" والمغلوب على أمره، ولا في السجن، سوى من ليس من طبقة السياسيين، لان لا تطبيق لـ "قانون من أين لك هذا؟" ولا لرفع السرية المصرفية عن أعضاء الطبقة السياسية، عن أموالهم وممتلكاتهم في الداخل، أو التحري عن أموالهم في الخارج. لقد أصبحنا، فخامة الرئيس، الدولة 138 من بين الدول الأكثر فسادًا في العالم. ألم يزعجكم هذا التصنيف عندما تزورون عواصم العالم وتلتقون زعمائها، وأو تطلبون مساعداتها وهباتها؟ ولا أخفي عليكم القال والقيل عنكم خلال زياراتكم الخارجية باصطحاب أعضاء وفود زيادة عن "الطبيعي".
هل تعلم فخامة الرئيس أنّ جمارك مرفأ بيروت المنهوبة تقدّر بـ 700 مليون دولار، ويشاع أنها تذهب إلى المهربين من حزب الله وغيره، كذلك الحدود الشرقية والشمالية؟ وتباع السلع بأقل من 30% في المناطق المحمية حزبيًا. وفي موضوع الكهرباء، هل وصلتكم الشائعات التي طالت صهركم جبران باسيل بهدر المال العام للكهرباء بأكثر من مليار دولار، وعندما اجتمعت لجنة الطاقة البرلمانية لدرس الموضوع، انتهت إلى لا شيء، وتوقفت عن الاجتماع. وهل استمعتم إلى كلام النائبة يعقوبيان في برنامج "صار الوقت" عن بواخر الكهرباء التركية التي بلغت السمسرات فيها 8% لكل الطبقة السياسية؟ وعن النفط والغاز، حدّث ولا حرج؛ فكل زعيم يعتزم السيطرة على الشريط الساحلي في مناطق سيطرته للاستحواذ على المنشآت اللوجستية عليه التي تخدم عملية استخراج النفط وتسويقه,
هل تعلم فخامة الرئيس أن الأملاك البحرية والنهرية المستولى عليها من قبل الطبقة السياسية ومن أزلامها المحميين تمتد من ساحل شمال لبنان إلى الناقورة جنوباً، وأن تسوية مخالفاتها يمكن أنْ تدرّ مبلغ 300 مليون دولار، وقد لحظتها رسوم الموازنة بقيمة 70 مليونًا فقط؟ هل تعلمون أنّ حزب الله طالب عبر النائب حسن فضل الله بمحاكمة الرئيس السنيورة بتهمة هدر المال العام خلال وجوده في الرئاسة الثالثة، ثم توقف عن ذلك بعد تهديد تيار المستقبل بفتح ملف مرفأ بيروت، واعتبار مفتي الجمهورية إنّ السنيورة هو "خط أحمر"؟
هل فكرت، فخامة الرئيس، حكومتكم المجتمعة في السراي منذ أسابيع وتوافقت رغم كل خلافاتها على سد عجز الموازنة من الشعب، بمحاسبة الوزراء والمسؤولين الذين سمحوا بالتوظيف العشوائي الذي ظل الكلام عنه يوميًا على لسان النائب إبراهيم كنعان، وأنتم تعلمون، فخامة الرئيس، أنّ 30 ألف شخص حصلوا على وظائف بطرق ملتوية بين الأعوام 2014 و2018، ومنها تياركم الحزبي، وأضخموا الإدارات العامة، في وقت أنّ 30% من الموظفين الحاليين لا يعملون؟ وفخامتكم أدرى بأحوال الوزارات والمؤسّسات والإدارات. واليوم، على الشعب اللبناني أنْ يتحمّل رواتب وأجور من جرى توظيفهم عشوائيًا من قبل الطبقة السياسية الفاسدة. وعندما خرج البطريرك الراعي قبل حوالى سنة من اجتماع مع فخامتكم قال للصحافيين إنّ رئيس الجمهورية أبلغي أنّ وضع لبنان الاقتصادي والمالي خطير جدًا. لكن جرى تمييع كلامه، بأنّ البلد بألف خير، وشهد على ذلك شاهد من أهله: حاكم مصرف لبنان.
فخامة الرئيس، نريد عشرة من السياسيين اللصوص البلطجية بكل معنى الكلمة يحاكَمون أمام القضاء لنصدقكم ونعمل برأيكم في أن نكون يدًا واحدة ونتحمّل المشقات. نريد أن نعرف بالأسماء والوقائع كيف وصلنا إلى هنا، وهذا حقنا كشعب. وقد تقولون، فخامة الرئيس، إنكم تحكمون منذ العام 2016، ولكن هذا لا يعفيكم من فتح ملفات الفاسدين، وانتم منغمسون بالسياسة منذ العام 2005، ولديكم تمثلكم في المجلسين النيابي والتنفيذي. لكن، فخامة الرئيس، هناك أشياء كثيرة حصلت خلال مدة حكمكم القصيرة. وما فائدة أن يشارك رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان بمؤتمر الفرنكوفونية حول "الدستور والأمان التشريعي"، طالما أن الدستور شماعة يتلطى خلفها السياسيون بأفعالهم المريبة، ولا يُحال أحد منهم إلى القضاء، وتاريخ لبنان منذ عهد الوصاية السورية شاهد على خرق الدستور؟ وكم من قانون خرق، من الجنسية والإعلام...
لا أشك، فخامة الرئيس، أنّ الأجهزة التي تعمل لديكم من مخابرات وأمن عام وأمن قومي ... قد أبلغتكم عن أسماء الفاسدين من السياسيين والمتنفذين؛ فلماذا لا تفضحونهم، ولماذا لا تسلطون القضاء عليهم؟ إذا كنتم لا تستطيعون ذلك، فصارحوا الشعب، علّه يرى الرحمة في الهجرة من بلد لم يشعر يوما أنه مواطن فيه، ومن طبقة سياسية فاسدة عفنة لا يستطيع تغييرها، بسبب انغماسه بالطائفية والمذهبية.
فخامة الرئيس
إما أنْ تقوموا بفضح اللصوص وناهبي المال العام من السياسيين الذين أوصلوا البلد إلى وضعه المفلس الراهن، من أعلاهم إلى أصغرهم، وتحيلونهم إلى القضاء، وإما عليكم أن تقوموا بخطوة لم يسبقكم إليها رئيس جمهورية، وهي الاستقالة، احتراما للوعود التي خاطبتم بها الشعب منذ العام 1988، واحتجاجًا على الطبقة السياسية التي أوصلت البلاد إلى حافة الإفلاس. وخوفي أن تلي خطوة تصحيح موازنة الدولة من الشعب اللبناني التي ستنقص من دخله حوالى 30%، بين اقتطاع مباشر من الرواتب وضرائب ورسوم غير مباشرة، خطة أخرى وهي تحميله عبء سداد الدين العام البالغ 90 مليار دولار.
مع فائق تقدير واحترامي
د. عبد الرؤوف سنّو