Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

ليلة القدر

عدي الزعبي في المخيال الشعبي، تحتل ليلة القدر مكانة خاصة، عزيزة على قلوب المستضعفين وصغار الكسبة. يؤمن المصلون بأن أبواب السماء تُفتح ع...

عدي الزعبي

في المخيال الشعبي، تحتل ليلة القدر مكانة خاصة، عزيزة على قلوب المستضعفين وصغار الكسبة. يؤمن المصلون بأن أبواب السماء تُفتح على مصراعيها، لتصل تضرعاتهم إلى العلي القدير مباشرة. يوحي ذلك بان أبواب السماء مغلقة طيلة العام، ويذكّر باساطير سكن الله في الأعالي، وحيداً، خلف كرة النجوم الثابتة: في مكان غير محدود ولا محدد، يقع خلف الكون كله. كأننا في ليلة القدر نفتح ثقوباً في كرات الأفلاك التي آمن بها فلاسفة المسلمين بجدية، واستعملها المؤمنون منهم بالفيض الأفلاطوني لتشرف على عالمنا، بعقول الملائكة التي تملكها، كي يحفظوا لله خاصية لطالما نسبها الفقهاء له: الثبات، وعدم التغير. التغير يكون فقط للكائنات الدنيا، وليس لله الكامل. 
تمتلئ مساجد الشام بالمصلين، ليلة 27 رمضان، ليتحول ليل المدينة إلى نهار هادئ يفيض بسكينة دينية صادقة لا مثيل لها: يصلي الناس آملين، ولو مرة، بأن تصل صلواتهم إلى الله: يصلون كلهم: من أغنى الأغنياء إلى أفقر الفقراء. يطلبون الصحة، اولاً، والأمن، ثانياً. ثم يطلبون كل شيء: مساعدات مادية واوراق يانصيب رابحة وتوفيق في امتحانات الدراسة ورضا الحبيب والحبيبية والزوج والزوجة، وزحمة أقل ومطر اكثر وصيف أرحم وشتاء أنعم ونسيم دائم، يتضرعون أن يشفى مرضاهم ويعود مغتربوهم. يبكي وينوح كثيرون منهم. لا يعرفون لماذا. طالما أبواب السماء مشرعة لهم، يلمسون العناية الإلهية بشكل حسي، كأنهم يتكلمون مع الله وجهاً لوجه. يخرجون من مساجدهم، تملؤهم طيبة لا تدوم طويلاً. 
لا أعرف كيف تطورت ليلة القدر حتى أصبحت ما هي عليه اليوم: سحر خالص يتلبس الناس، كأن كل ما تمنوه يعيش بينهم في ليلة واحدة. ولا يعرف أحدهم بالضبط متى تكون ليلة القدر. لا يعرفون، ولكنهم يخمنون. يتركهم الشك مرتاحين: قد تكون ليلة أخرى، لم يسمعنا الله هذه المرة. ولكن، ربما ليلة أخرى. ربما غداً، أو بعد غد. ربما رمضان القادم، او الذي يليه، او بعد عشرين سنة. يبقى الأمل. لا يعرفون بالضبط، أيضاً، كيف تُفتح أبواب الجنة في الليل، او من يفتحها، او لماذا. لا يهتمون بهذه الامور العملية. يكادون يدركون أن الأمر كله اسطورة، كما يؤكد أولئك السنة الذين يكرهون البدع، ويحافظون على إسلام متقشف بسيط، ممل جدا وغير شعبي. يهرب الناس من البساطة، ويفتحون قلوبهم ليلة القدر، لكل ما يختبئ فيها: أساطير وخرافات وخزعبلات، ونور ينبع من الداخل، من الروح التي لا تفنى ولا تموت، ومحبة لا يحدها شيء، كالكون الواسع اللانهائي نفسه. 
غداً ليلة القدر، وفيها سيقول الناس لانفسهم كل ما لا يقال في العلن، عل قلوبهم تتخفف قليلاً من أسى لا تتحمله، ولا يداويه شيء، ولا حتى الصلوات الصادقة!

ليست هناك تعليقات