Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

شذرات كارل كراوس : ألاّ يملك المرء فكرة ومع هذا أن يكون قادراً على التعبير عنها ، ذاك ما يصنع الصحافي !

الشذرة عند كارل كراوس 1874 - 1936 فن اللغة بامتياز. جنس أدبي يقع بين الشعر والفلسفة، إلا أنه أبعد ما يكون عن الشعر، لأنه محكوم بالعقل وليس...



الشذرة عند كارل كراوس 1874 - 1936 فن اللغة بامتياز. جنس أدبي يقع بين الشعر والفلسفة، إلا أنه أبعد ما يكون عن الشعر، لأنه محكوم بالعقل وليس بالإحساس. ولا يمكن أن نختزله في قواعد معينة. إنه لعب بالأنظمة الشعرية والفكرية. وروح الشذرة روح إشكالية. فهي أسلوب عالم فقد ثقته بقيمه وأشكاله، عالم يحن إلى بدء جديد. ولهذا، فإن الشذرة، كما عبر عن ذلك فريدريش شليغل، فن يخاطب المستقبل والأجيال القادمة، ويظل معاصروه عاجزين في أغلب الأحيان عن فهمه أو تقبله.

وظهرت الشذرة أول ما ظهرت عند اليونان، وبالضبط عند هيبوكراتس في كتابه Aphorismi الذي يحوي نصائح وطرق علاج طبية. وتتكون الشذرة من عدد قليل من الكلمات، وتتطرق الى جميع المواضيع، السامية منها والوضيعة، العلمية وغير العلمية. وفي العصر الحديث، وخصوصاً عند باكون، كانت الشذرة تعبيراً عن شكه بالطريقة العقلانية أو المنطقية في التفكير. كما أنها كانت عدوة السطحية والسطحيين. ذلك أنه ليس في إمكان أي كان الابداع في هذا المجال إذا لم يكن مسلحاً بما فيه الكفاية. وباسكال أيضاً في كتابه "أفكار" انتصر للشكل الشذري، اللانسقي، ما سماه بنظام القلب أو الحدس.

إن الشذرة تعارض كل فكر نسقي، وتستعمل غالباً كسلاح هجائي ضد الزمن الراهن. روحها هي روح التمرد. حقيقة مقلقة، فكر نقدي، لا نسقي، ولا قوانين لها غير قوانين الأنا. إنها كما قال عنها نيتشه: "فن الخلود". والشذرة تظهر دائماً في المابين، مع نهاية نظام قديم وقبل بروز معالم نظام جديد. إنها شاهدة ومسجلة هذا التحول الدراماتيكي، هذا الفراغ الروحي الذي تعجز كل الأنساق عن فهمه وتخاف الاقتراب منه. والشاذرAphoristiker يملك طبيعة مقاتلة. إنه لا يخاف الصراع، بل هو يعمل واعياً على اشعال فتيله. إنه المعارض الأبدي بامتياز، أو كما قال عنه شليغل: "يوجد دائماً في وضع هجائي".

وكذلك كان كارل كراوس. لقد كان هدفه الأسمى النضال ضد الزمن، وأخذ هذا النضال شكل نضال ضد لغة هذا الزمن. لقد فضل كراوس الشذرة على كل فنون القول الأخرى، ذلك أنها وحدها من تستحق اسم فن الهجاء بامتياز. وأهم موضوع لشذرات كراوس كان الأخلاق. ليس الأخلاق السائدة وإنما الأخلاق التي لم تكن تخجل من قول ما يجـــب أن يكـــون. فالأخلاق في نظره لا تعرف أنصاف الحلول. 36 سنة يكتب كــراوس في مجلته الشعلة Der Fackel، وفي أغلب الأحيان كان يحررها وحده. لم يحتقر كراوس أحداً قدر احتقاره الإعلام، والزواج القائم في الإعلام بين الرأي والحكم الشخصي. حاجتنا اليوم إلى كراوس أكثر من أي وقـت مــضى. في وقت تحول الإعلام إلى حاجب في بلاط الرأسمال وشركات الإعلانات، وفقد الانسان حريته في التعــبير، في زمن صناعة الوعي وصناعة الذاكرة، وفي زمن تخرس أصوات النقد وترتفع أصوات التكفير.

* كتابة الشذرة بالنسبة الى من يستطيع ذلك، أمر صعب. ولكنه أمر سهل بالنسبة الى من لا يستطيعه.

* الشذرة لا تتدثر البتة بالحقيقة. إنها، إما نصف حقيقة، أو حقيقة ونصف الحقيقة.

* لا أتحكم سوى بلغة الآخرين. لغتي تفعل بي ما تريد.

* شوارع فيينا معبدة بالثقافة. شوارع المدن الأخرى بالإسفلت.

* من الأمراض الأكثر انتشاراً: التشـــخيص.

* ألاّ يملك المرء فكرة، ومع ذلك أن يكون قادراً على التعبير عنها: ذاك ما يصنع الصحافي.

* يملك المظهر من الحروف أكثر مما تملكه الكينونة.

* اللغة أم الفكر وليست خادمته.

* يا رب، اغفر لهم، إنهم يعرفون ما يفعلون.

* حين تحس ثقافة ما بقرب نهايتها، تبعث بطلب الكاهن.

* المرأة التي لا يمكنها أن تكون قبيحة، ليست جميلة.

* الألمان - شعب القاضي والجلاد.

* لغة الشاعر، حب امرأة - إنها دائماً تلك الأشياء، التي تحدث للمرة الأولى.

* تبدأ الأوهام، في اللحظة التي يتوقف المرء عن التعلق بها.

* كيف يحكم العالم وتخاض الحروب؟ الديبلوماسيون يكذبون على الصحافيين ثم يصدقون أكاذيبهم حين يقرأونها.

* الفنان، وحده ذلك الذي يستطيع أن يصنع من الحل لغزاً.

* الأكثر سوءاً في الشوفينية، ليس كراهية المرء للأمم الأخرى، ولكن حبه لأمته.

* واضعو الأخلاق قلبوا وضعية الأجناس: قيدوا جنس الأنثى بالتقليد، وعملوا على تهييج الذكر. وبفعل ذلك جف الجمال والعقل. ما زالت هناك بعد شهوة في العالم، لكنها ليست أبداً ذلك التفتح الظافر للذات، بل فقط الانحطاط الوضيع لوظيفة.

* الذي لا يحفر حفرة للآخرين، يسقط بنفسه فيها.

المصدر: مختارات جمعها كريستيان فاغنكنشت، وصدرت طبعتها الجديدة أخيراً عن دار سوركامب الألمانية.

التقديم والترجمة عن الألمانية:

رشيد بوطيب
عن جريدة الحياة

ليست هناك تعليقات