علوان حسين طقس ٌ سيء ٌ , عاصفة ٌ على الأبوب الجبال ُ التي كانت رمادية ً تكللت بالبياض . زمهرير ٌ ترتعد ُ له ُ المفاصل ُ وأنا أجلس ُ أم...
علوان حسين
طقس ٌ سيء ٌ , عاصفة ٌ على الأبوب الجبال ُ التي كانت رمادية ً تكللت بالبياض . زمهرير ٌ ترتعد ُ له ُ المفاصل ُ وأنا أجلس ُ أمام النافذة ِ أرقب ُ جارتي الشجرة تئن ُ الريح ُ بين غصونها لا أعلم ُ شيئا ً عن مصير الطيور التي كانت تختبىء ُ بين أوراقها . أنا الآخر ُ أختبأ ُ في غرفتي يحاصرني صوت ُ الرياح ِ وهي تعول ُ تهتز ُ لها الجدران ُ والستائر ُ واللوحات ُ المعلقة كأنها على الهواء . أحدق ُ بالمرأة ِ في اللوحة ِ خارجة ً للتو من الحمام تلف ُ جسمها بمنشفة بيضاء تكشف ُ عري ساعديها وجزءا ً من صدرها . شعرها مبلول ٌ وعيناها السوداوان تحدقان بي . دعوتها أن تهبط َ من اللوحة ِ وتجلس ُ معي على الأريكة لكنها ظلت محتفظة ً بصمتها . وجهها يشبه ُ جارتي حفيدة الشاعر لوركا . دهشت ُ من هذه المصادفة العجيبة كيف لم تنتبه هي لهذا الشبه بينها وبين امرأة اللوحة ؟ فكرت ُ بأن لدي َ سبب ٌ منطقي ٌ لدعوتها إلى بيتي لترى الشبه َ الفريد بينها وامرأة اللوحة . إتصلت بها أخبرتها بأن لدي َ مفاجأة ً لها لسوف تسرها حتما ً . قالت من يخرج بهذا الطقس السيء ؟ قلت ُ لها تعالي سوف لن تندمين . والقطط أليس خطرا ً عليها التعرض لهذا البرد القارص ؟ ستكون بخير صدقيني , شقتي دافئة والمسافة بيننا لا تستدعي الخشية من أي خطر ٍ محتمل . هل لديك نبيذ من النوع الذي أحبه ؟ لدي َ نبيذ إيطالي عالي الجودة ونبيذ بوردو الفرنسي ونبيذ إسباني أيضا ً لا تقلقي من هذه الناحية . ماذا عن الزيتون وقليل من الخس ؟ أسمعي هل قرأت شيئا ً عن مازات بلدان شرق المتوسط ؟ أظنني سمعت ُ عنها . أوكي تنتظرك ِ أنواع ٌ شتى من المازات اللذيذة بس تعالي . طيب أنا قادمة . هيأت المائدة والنبيذ والوردة المرتجفة من البرد أجلستها هادئة ً وسط المائدة . دخلت هي أيضا ً كالعاصفة معها قططها ساعدتها في حمل الأواني والألعاب والطعام القططي . سألتني عن المفاجأة الجميلة التي دعوتها من أجلها . قلت ُ لها أصبري قليلا ً سوف تكتشفينها بنفسك ِ فقط دعي عينيك ِ وحواسك ِ مفتوحة ً على آخرها . ما رأيك لو نسمع أغاني عربية ؟ لم لا لنجرب الإصغاء لأغاني جيراننا العرب ؟ أجابتني وهي ترشف النبيذ بينما أنا أقلب ُ باحثا ً عن السهرة الإندلسية لفيروز ووديع الصافي . صوتها كأنه الماء ينساب ُ من بحيرة الفيروز هذه المغنية . أنت ِ تقولين شعرا ً قلت ُ لها . وهل نسيت َ بأني حفيدة ُ شاعر ٍ عظيم ؟ لا لم أنس بالطبع أنت ِ لم تخبرينني بأنك ِ شاعرة . لست ُ شاعرة لكن الشعر َ أحلم ُ بصوت ٍ عال . ماذا عنك َ هل تستهويك َ لعبة الشعر ؟ أعرف ُ أنها لعبة ٌ خطرة ٌ لكنها تستهويني حد أني حينما أنغمس ُ فيها أنسى إنتمائي لمنظومة البشر . هل تشعر ُ وقتها بأنك ملاك ٌ أم إله مثلا ً ؟ الحقيقة ُ أشعر بأني مزيج ٌ من ملاك ٍ وشيطان ٍ في الآن نفسه . محكوم ٌ عليك َ أن تظل َ بشرا ً صديقي حتى لو كنت َ تشعر ُ بأنك َ في مصاف الآلهة . الآن أرجوك أني أنتظر المفاجأة . حدقي في الجدار أمامك ِ وقولي لي ماذا ترين ؟ رفعت بصرها نحو اللوحة المواجهة لها على الجدار ثم وجدت نفسها منجذبة ً بلا وعي ٍ منها كما لو أنها تحدق لنفسها في المرآة وعثرت عليها مصادفة ً . أنزلت اللوحة َ من مكانها وراحت تركز ُ بكل أفكارها غير مصدقة ٍ نظرها بغتة تركت اللوحة مركونة ً على المائدة وهرعت ْ إلى الحمام ثم عادت بعد قليل ٍ بشعر ٍ مبلول ٍ ومنشفة بيضاء تحيط ُ بجسمها وهو يحتفظ ُ بحرارته وعريه ِ وقد إتخذت الهيئة َ نفسها بالوقفة ِ ذاتها والنظرات المصوبة لي بعمق ٍ . وضعت ُ اللوحة لصقها ورحت ُ أقارن ُ بين الصورتين . سألتني من الأجمل في رأيك أنا أم الصورة ؟ الصورة ُ أجمل قلت ُ لها . حدقت ْ بي بوسع عينيها قد باغتها كلامي . لماذا تظن ُ بأن الصورة َ أجمل ُ من الأصل ؟ المرأة في اللوحة ِ عريها بريء , هكذا يبدو لي , أما أنت ِ تبدين َ مختلفة عنها . وماذا يوحي لك َ عريي ؟ سألتني بنبرة فيها شجن . لو تزيحي المنشفة عن جسمك ِ لأراك ِ بوضوح , على الأقل أستطيع َ أن أكون َ فكرة ً واضحة ً عنك ِ . أسقطت ْ المنشفة عنها وصرخ َ بي عريها كأنما فتحت لي كوة ً من السماء لأنظر َ إلى الصباح ِ ينبلج ُ ببهاء ٍ لم أعهده ُ قبلها . الآن قل حقيقة إحساسك َ بي وأنت َ تراني عارية . أنا مثل سجين ٍ يبصر الصباح َ للوهلة ِ الأولى بعد أن كان مدفونا ً في زنزانة ٍ تحت الأرض ِ لم ير فيها لا شمسا ً ولا قمرا ًحتى وجدك ِ أمامه ُ امرأة ًباهرة الأنوثة ِ جمالها يُسكر ُ ويدوخ ُ . أنت ِ الصباح في ليل السجين الطويل . أنت َ الأخر بدأت تقول ُ شعرا ً ,قالت لي .
جمالك ِ هو من أطلق َ العنان َ لمخيلتي , قلت ُ لها . إرتدت ملابسها على عجل وعادت لجلستها إلى المائدة امرأة ً خارجة ً للتو من حلم .
ليست هناك تعليقات