محسن أ. يمّين عام 1998، وعلى أثر متابعة "المؤسّسة العربيّة للصورة " FAI لمراحل إصدار كتابي "صور حميمة"، عن دا...
محسن أ. يمّين
عام 1998، وعلى أثر متابعة "المؤسّسة العربيّة للصورة" FAI لمراحل إصدار كتابي "صور
حميمة"، عن دار "آكت سود" الفرنسيّة، على هامش المعرض الذي أقيم،
حينذاك، في "معهد العالم العربي"، في باريس - وكان واحداً من أربعة
معارض نُظّمَت ضمن إطار "سنة لبنان" في المعهد - قمت بإهداء نسخ منه إلى
ذوي المصوّر الزغرتاوي الراحل كميل القارح (1897-1952). وكان من الطبيعي أن تشمل
إهداءاتي نسخة لإبنته السيّدة ماري القارح الكوسا، لتكتمل سلسلة لياقاتي
المتوّجبة. وقد توجّهت، لهذه الغاية، إلى منزلها في زغرتا. قرعت الباب. فإستقبلتني
بحفاوة، إنّما بملامح لم تخلُ من الإستغراب لسبب الزيارة. لكن هذا الإستغراب سرعان
ما زال حين إتّضح القصد، وإنقلبت صفحة مشاعرها البادية على وجهها إرتياحاً
ملحوظاً. إنتهزت الفرصة لأدخل إلى صلب الموضوع مباشرة، وفتحت لها الكتاب على
الصفحة المتضّمنة صورة والدها قائلاً: "أنظري ها هي صورة كميل القارح التي
عرضت مؤخّراً في العاصمة الفرنسيّة". وإذا بها تصرخ، مشيحةً بوجهها عنها، كمن
تَلَقّى لدغةً مباغتة. فإعترتني عندها حالةٌ من الذهول لم تدعها هي تطول بمسارعتها
الى التوضيح أنها تخاف من الصور، وتمنّيها عليّ لو أضع الكتاب على أقرب طاولة، كي
تتمكّن إبنتها، ويتمكّن نجلاها، من تصفّحه، شاكرة لي بادرتي. ومعتذرة عمّا صدر،
بصورة لا إراديّة، عنها. لم أشأ أن أُثقل عليها أكثر بالإستفسار عن سبب رهابها هذا
من الصور، وهي إبنة مصوّر. بل حيّيتها موّدعاً، وعلائم الإستغراب تغزو محيّاي.
لأنني خلت أن قلبها سيُصّفق من الفرح، والدموع ستقفز من عينيها تأثّراً، ولأنه كان
يساورني أن الصور يفترض ان تشكّل قسماً من ذاتها، كإبنة مصوّر، نَمَت وترعرت في
جوّها، وانني حين سأعرض عليها "بورتريه" والدها، مطّلاً من قلب كتاب،
ستتلّقاه بكل جوارحها. ولم أتأخّر في إمطار شقيقها الذي كان لا يزال على قيد
الحياة بالأسئلة، وأولاده، لصلتي الوثيقة بهم، عن سبب هذا الرهاب من الصور. وإذا
بالجواب المُجمع عليه، يأتي. ومتى عرف السبب، بطُل العجب.
وأسدلتُ، بعدئذ، ستاراً من الكتمان على ما حصل، كي لا
أتسبّب لها بأي إحراج، أو إزعاج.

ليست هناك تعليقات