محمود درويش بطل في رواية

alrumi.com
By -
0



عبد المنعم رمضان

كلما فكرت في محمود درويش، وجدتني أراقبه خفية، وأراقبه علانية، قبل أن أسأل نفسي عن مدي صلاحيته في أن يكون بطلا لرواية من تأليف دوستويفيسكي، لأنني في الحقيقة أريد أن أحبه مثلما أحببت الأمير ميشكين ومثلما أحببت إليوشا، لكنني أري صعوبة الأمر، عندئذ أتحرك خطوة أو خطوتين، ربما جهة اليسار، نعم جهة اليسار، وأقول لنفسي لتكن الرواية من تأليف فرانز كافكا، لكن (ك) بطل كافكا يهز رأسه بشدة، فأتحرك خطوة أخرى وأقول لماذا لا يكون محمود هو الشاعر في رواية كونديرا (الحياة هي في مكان آخر)، لكن كونديرا يرفض وينصحني أن أعود به، أي محمود، إلى الوراء قليلا وأضعه داخل كتاب لمكسيم غوركي، غير أنني أتجاهل نصيحة كونديرا، وأفكر في الطيب صالح، ولأنني أحب الطيب أخاف عليه من همزات الشياطين فأهز رأسي ثانية، وأنسي عمدا نجيب محفوظ، لكنني بغتة أجد لمحمود أماكن في روايات حنا مينه وإلياس خوري وعبد الرحمن منيف، بعد أن يلبسوه ثيابا كاكية اللون أو زيتية اللون، ويجبره أحدهم أن يحمل تحت إبطه جهة اليمين ديوان شعر، وتحت الإبط الأخرى بندقية خرطوش، وعند هذه النقطة أتوجس من ردود أفعال بعض الذين سيتهمونني بالتحامل، لذا أتريث، وأجلس علي مقعد وثير في بيت أحد أصدقائي لأن بيتي يخلو من المقاعد الوثيرة، وأفكر في أن أجعله بطلا أول في إحدى روايات إحسان عبد القدوس، وأصدقائي كلهم يعرفون أنني مسكون بنوستالجيا الاستذكار العذب لصباي الحافل بروايات إحسان، ثم أسأل نفسي، لماذا كلما فكرت في محمود درويش تخليت عن وقاري الزائف ورحلت معه إلي عالم كان يشتهيه ويخفي اشتهاءه له، عالم التمثيل، أقصد الدبلوماسي، خاصة أنني عرفت من أحد كاتمي أسراره، أنه وهو الشاعر العذب، أجبر نفسه علي أن يلبس تحت فانلته الداخلية التي لم تكن بيضاء، كانت بلون مياه البحر، أن يلبس تحتها العَلم الذي أهدته له أمه عندما كان صبيا علي الرغم من أنه تهرّأ لكثرة الاستعمال، وفوقه العلم الآخر الذي أهداه إليه أبو عمار بعد أن قَبِلَ محمود أن يجلس خلفه ليكتب خطابه الأخير، أقصد خطاب العرش الأخير، وأثناءها ظن الاثنان معا أنهما سيف الدولة الحمداني وأبو الطيب المتنبي، أحسب أنني سمعتهما يتناجيان ويتناديان هكذا: مولاي سيف الدولة، نعم نعم أنشدنا يا أبا الطيب، الغريب رغم طول الحوار بين الاثنين، أن عَلم أمه ظل مشبوكا في خريطة ترسم حدود بلاده وتتوسطها بوضوح قرية اسمها البروة، لا يذكرها أبو عمار، وعندما أهداه أبو عمار العلم الجديد تذكّر محمود خريطة أمه، فلمعت عيناه وامتلأتا بالدموع التي لمحها أبو عمار فأدرك سرهما، سر اللمعة وسر الدموع، وقرر أن يهديه خريطة جديدة، غير أنه فتّش كل الأدراج ولم يجد سوي خريطة قديمة مستعملة، فأهداها لمحمود، الذي احتبست دموعه بعدما بحث عن قرية البروة ولم يجدها، وعندما جلس بمفرده، أخرج من عينيه بقية دموعه التي حبسها، وحشا بها قصيدة لم يجرؤ أن ينشرها قبل وفاة الزعيم، وتمني لو أن عبد الحليم حافظ وليس مرسيل خليفة، يعود إلى الحياة، ليغني هذه القصيدة، لكنه فطنٌ وأريب، وكان يعلم أن عبد الحليم لن يعود، فكتب قصيدته رحلة المتنبي إلى مصر، واكتشف في أثناء كتابتها أن المتنبي لم يركب طائرة من قبل، فدعاه وقرر أن يرفّه عنه ويصطحبه معه، وعندما أصبحا وحيدين في السماء، اقترب محمود من أذن المتنبي، وسأله عن كافور، هزّ المتنبي رأسه كأنه لم يسمع، ولمّا ألحّ محمود بالسؤال، خاصمه المتنبي وقال له: هذا فراق بيني وبينك، بعدها اجتاز المتنبي الصحراء ليموت، لكن محمود الذي لا ييأس أبدا ذهب إلى بيروت ثم وضع طرف جاكتته في فمه استعدادا لأن ينادي كل أفراد عصابته القديمة، نادي راشد حسين، قال له راشد: اتركني يا محمود، لقد مت ميتة بشعة، نادي سميح القاسم، فأجابه: إنني وزوجتي في صحبة عزت العلايلي وزوجته، وها نحن ندخل فندق شبرد، نادي ناجي العلي، فقال له: سامحتك يا محمود، لا أستطيع أن أعود إلي الأرض، فالقتل البشع الذي أودى به، جعل روحي محض شظايا لا تتمكن الملائكة من إعادة تركيبها، نادي ريتا، فذهبت وهي تردد القصيدة التي جعلتها امرأة شهيرة، بين ريتا وعيوني بندقيه، في هذه اللحظة، عرفت اسم الرواية التي يصلح محمود درويش أن يكون بطلها الوحيد، لكنه طلب مني ألا أذكر عنوانها قبل أن يعطيه أبو مازن إذنا بالتمثيل، ولأنني أحبه دون مواربة، وضعت الرواية تحت المخدة التي أضع رأسي عليها عندما أنام.

(*) شاعر مصري
عن أخبار الأدب
Tags:

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)