رامبو..عربياً

alrumi.com
By -
0
عواد ناصر
… وماذا بعد كل الذي كُتبَ وقيل، علناً أو سراً أو مواربةً وارتياباً، في حياة المهر الفرنسي الجامح، المدعو آرثر رامبو؟
ماذا، سيضيف مثلي، أو غيري، من ضوء إلى تلك الومضة المبهرة التي خطفت أنظار العالم، ولم تزل، منذ خربط ذلك المهر الجامح خريطة المجتمع الثقافي في باريس فور وصوله قادماً من شارلفيل ولم يبلغ بعد سن الرشد، الشعري والفسلجي؟
وصل رامبو إلى باريس بدعوة بعد تردد، من بول ڤيرلين، أحد الشعراء الذين تأثر بهم، إلى جانب شارل بودلير وڤيكتور هوغو ولوترياميون.
رحل رامبو في السابعة والثلاثين من عمره (1854-1891)، بعد ان توقف عن الكتابة قبل عشر سنوات من رحيله، في باريس، جراء السرطان، بعد رحلات مثيرة عبر ثلاث قارات، آخرها أفريقيا، وعبر إثيوبيا واليمن، تاجراً ومهرباً للسلاح والقهوة.
أهم الكتب التي ترجمت له، حياته وشعره، في القاهرة وبغداد، الأول صدر عن دار الهلال والثاني عن وزارة الثقافة والإعلام العراقية بين نهاية ستينات القرن الماضي وبداية سبعيناته.
صدر عدد مهم من مجلة الآداب الأجنبية، في دمشق، بعنوان "رامبو والكومونة"، منتصف السبعينات، كما أتذكر، وما زلت أتذكر غلافه الأخضر.
مثل بقية ثقافات العالم، حتى اليوم، أصابت لعنة ذلك "الطفل المعجزة" أرثر رامبو، ثقافتنا العربية، ولم يخرج ذلك الشيطان الهائم، عبر العالم، من جسدها، ولكن التأثير ليس واحداً في جميع الظروف والأحوال والأزمنة والأماكن.
والتأثير، أيضاً، اختلف من جيل إلى جيل، حيث قراءتي ومتابعتي لشعرنا العراقي، مثلاً، تتيح لي القول إن ذلك "الطفل المعجزة" لم يجد تأثيره في تجارب رواد الشعر الحر المعروفين، السياب ونازك والبياتي، أو من لحقهم من جيلي الخمسينات والستينات، فلا رسائل السياب، مثلاً، حملت إشارة ولو غائمة، عن رامبو، قدر ما حملت بعض هوامش قصائده، أسماء شعراء إنكليز (إديث ستويل).
السبعينيون في العراق، على وفق معايشتي لأغلبهم، كانوا يلهجون به كثيراً، لكن تأثيره السلوكي المتمرد، في حياته اليومية، أكثر من تأثيره الشعري في نصوصهم الإبداعية.
ما زال لهذا الشاعر العابر والجوال، المثير للجدل، تأثيره في
الثقافة الفرنسية، بعامة، والفن الفرنسي، من ضمنه الشعر، أبناء مدارس وحركات فنية شهيرة كان مهدها باريس: التكعيبية والسريالية والدادائية.. ترسيمات فرنسية، وليس من حركة فنية شهيرة وصلتنا من الإنكليز، ربما يعود الأمر إلى "حرارة" البحر المتوسط، والروح المحافظ في التفكير الإنگليزي.
الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير تقصى، خلال عمله في اليمن مديراً لفرع اليونسكو، تقصى خطوات "العابر في نعال من ريح" وأشار إلى أن الشاعر الفرنسي طلب في إحدى الرسائل التي بعثها إلى أخته ايزابيل من اليمن: "ابعثي لي بنسخة قرآن الوالد ذات الشروحات" .
ويقول الباحث الأمير إلى أنه، عندما نُقل رامبو إلى المستشفى بمرسيليا، كتبت شقيقته بأنها كانت عندما تأتيه بالقس ، كان يرفض بقاءه إلى جانبه. وفي لحظات موته، اضطرت عائلته إلى إحضار القس لتعميده، لكن الأخير خرج من غرفة رامبو، كالمضروب على رأسه، مخاطباً عائلة الشاعر الفرنسي: هذا الشخص لم يكن يسمعني، بل كان يُتمتم بكلمات غريبة، كان يقول"الله كريم، الله كريم".
ويؤكد الأمير بأن رامبو غير اسمه في عدن إلى "عبد ربُو". ويستدرك: "أنا لا أهدف من ذلك لتأكيد إسلام رامبو، لكني اذكر حقائق لا أخشى منها أو أخفيها"!.
أمضى صاحب "المركب السكران" حوالي أربع سنوات متقطعة في عدن(1880-1891) لا أعتقدها كانت كافية لئن يتعلم رامبو العربية، لكنه، وفق كتاب عرب ارتبط بالسكان المحليين بعلاقات ودية.
من الكتابات العربية الصادرة حديثاً ما وضعه الشاعر العراقي سامي مهدي في كتابه "أرثر رامبو: الحقيقة والأسطورة-قراءة مختلفة لسيرة رامبو وشعره وتفوهاته النظرية" والكتاب واضح من عنوانه.
إنه مسعى نقدي يثير الاستغراب لما تضمنه من نيل صارخ لتجربة رامبو الشعرية والثقافية لم أجد لها مسوغاً سوى أنها نقد ثقافي معادٍ للإبداع والحريّة والتحدي بعد أن كفت طاقة النقد المسلح عن العمل، بطبعتها القومية المتطرفة.
أرثر رامبو، رغم حياته المتوترة، المشوبة بالعدوانية والتشرد والغطرسة، وما يمكن أن يصدر من شاعر في مثل سنه، لم يزل أحد الرواد المؤسسين لنادي الغبطة الشعرية وأجرأ مخترعي مفاتيح الحرية في الشعر والحب، حتى بين أولئك النجوم، من شعراء فرنسا وفنانيها الذين كانوا يحيطون به.

Tags:

إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)