Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

عماد أبو صالح...عن فيروز

عن " فيروز" كتب الشاعر الصديق "عماد أبو صالح".. هذا النص الصادم للبعض عنها . . وطلبه الشاعر الصديق السوري مروان على.....

عن " فيروز" كتب الشاعر الصديق "عماد أبو صالح".. هذا النص الصادم للبعض عنها . . وطلبه الشاعر الصديق السوري مروان على.. المقيم فى ألمانيا. . ومن هنا أرسله له.. ولكم.. يقول عماد أبو صالح: 
***
أنا لست مهووساً بـ "فيروز". أعتذر هنا لمريديها ومرضاها. سريعة وخفيفة وهشّة كما يليق بفراشة تعوم في النور. هي غصن، لا جذر. وردة، لا شجرة. صوتها صاف وشفّاف، لكن لا يشبعني، ولا "يبُلُّ ريقي". ينقصه عثرة، غلطة، نحنحة، ذرّة غبار، أو حبّة ملح تحدّ من حلاوته. صوت طالع من "الحلق" لا "العمق". صوت "فينيقي" وطنه الماء، بلا طين ولا رسوخ. صوت "نخبة" يرفل في الفرح والراحة. هو بيت من هواء، لا خيمة لكلاب السكك ومشرّدي الشوارع. شوكولاته، لا رغيف للجوعى. هو "جنّة" لا يدخلها المطرودون من رحمة الله. صوت طاهر ونظيف، حرام على الوسخ والتعاسة. "جارة القمر"، هل هذا مديح؟ لا طبعاً، هنا الأزمة. أزمتها في علوّها لا دنوّها، "ملائكيّتها" لا "إنسانيّتها". 
***
صوت "فيروز" يجسّد هويّة المكان اللبناني بامتياز. هشاشة صوتها هي مرادف لهشاشة الدولة اللبنانيّة التي لا يتعدّى عمرها بضعة عقود. قدر الثقافة اللبنانيّة عموماً، هو "التحليق" الإستطيقي فوق الأرض. خطر على اللبنانيّين زرع جذورهم في طين الواقع، لأنه ليس هناك "محاصصة" بين الأشجار. الحفر في الأعماق - لبنانيّاً- يعني إثارة نعرات وتناحر أعراق وصراع هويات. الهروب إلى الأعالي هو طيران أو "فرار" من أسئلة، إجابتها الوحيدة هي الدم. صوت فيروز "ملائكي" لا "إنساني"، بمعنى أنه يفتقر إلى وحل البشر. صوت الرومانسيّين والعاشقين والمرفّهين والمرتاحين، لا صوت البائسين والضائعين والفقراء والتعساء. صوت نظيف.. ومعقّم كمستشفى.
***
لا يمكن فهم صوت (وحالة) فيروز دون معرفة أبرز خصال الحضارة الفينيقيّة التي تلقي بمؤثّراتها- من قرون غابرة- على المكان اللبناني والشخصية اللبنانيّة. إن الترحال الدائم والمرور السريع والعلاقات العابرة، هي أهم ركائز ما يمكن أن نسمّيه "ثقافة الماء". هناك حذر من الارتباط بالمكان أو مدّ الجذور في "اليابسة"، لأن الجذور قيود تعوق متعة السفر. الحب أيضاً لابد أن يكون خفيفا (أو مؤقتا)، إذ ان العشق العميق يستدعي الاستقرار والإقامة. البيت "الفينيقي" هو "السفينة" والأرض هي "البحر"، والمحراث هو "المجداف". العوم على السطح هو "الأمان"، والغوص في القاع يجب أن يكون بحساب خشية مخاطر الغرق. صوت فيروز "فينيقي"، بمعنى أنه تجسيد حقيقي للخفّة والسرعة والآلام السطحيّة، حيث لا قبور أصلاً لدفن الموتى على السفن. لا معزّين ولا طقوس عزاء. لا وقت للحزن. إلقاء الموتى في عرض البحر، هو أول بند في ثقافة البحار، لأنهم "حمولة زائدة" تعوق الانطلاق إلى رحلة جديدة.. وفرح آخر! 
عماد أبو صالح
مجلة "عالم الكتاب" المصرية 2015

ليست هناك تعليقات