محسن أ. يمّين إن بيت عتابا منسوب إلى شاعر من الشعراء العاميّين في ناحيتك، فاتك عنه، قد يردّك ما يزيد على المائة عام إلى الوراء. خطر لي ...
محسن أ. يمّين
إن بيت عتابا منسوب إلى شاعر من الشعراء العاميّين في ناحيتك، فاتك عنه، قد يردّك ما يزيد على المائة عام إلى الوراء.
خطر لي ذلك وأنا أفكّر في ما حصل معي البارحة حين إستوقفني، في بعض طريقي، إبن عائلتي الرئيس السابق لرابطة آل يميّن في زغرتا بدوي جبّور يمّين وأسمعني من العتابا ما كنت أجهله. فإستمهلته ريثما أتلقّف قلماً وورقة، وأتبعه إلى مشغله، كي آخذ العصفور وخيطه. أعني بيت العتابا وحكايته معاً. فقصّها عليّ " أبو سلمان"، بهدوئه ووقاره المعهودين، موضحاً، وهو يستهلّ الكلام أن كل ما سيخبرني إياه هو، للأمانة ، منقول عن المرحومة السيدة آنجيل عيسى يميّن، أرملة عزيز زخيا الدويهي.
وفي الحكاية أن يوسف بك كرم ( 1907-1885) ، إبن بطرس بك كرم (1898-1847)، وهو الثالث في تسلسل بكوات آل كرم حَمْلاً لإسم يوسف، بعد جدّ "بطل لبنان"، "وبطل لبنان" بالذات . أي يوسف المعروف في أوساط المؤرّخين بيوسف بك كرم الثالث هامَ ذات يوم بحسناء إهدنيّة من عامة الشعب. وقد حرص على كتمان أمره عن والدته السيّدة ماريا إبنة حنّا بك أبي صعب المعروف بحنّا بك الأسعد، أوّل من أنعم عليه العثمانيون بلقب البكويّة في جبل لبنان القديم. لأنها لم تكن لتتقّبل فكرة غرام شاب من سلالة بكويّة، ومن الميْلين، بفتاة دونه مقاماً في السلّم الإجتماعي، أو تتهاون، في حال تبينّ لها أن إبنها وقع في مثل هذا المحظور. خصوصاً وإن الآمال الكرميّة كانت معقودة على يوسف بعد وفاة عمّ والده "بطل لبنان" في إيطاليا، عام 1889، ومن ثمّ، إنقضاء أجل والده بطرس، بعد ذلك بقليل، سنة 1889، ويوسف لم يكن وحيد أهله فحسب، إنمّا كان وحيد البكوات جميعاً، في ذلك الحين. لأن عمّه أسعد بك (1852-1903) مات دون عقب، بعد زيجتين، وعمّه سليم (1854-1912) لم يكن قد رزق ولديه الآنسة ماري ويوسف بك الرابع (النائب الراحل) (1910-1972) بعد. ولكن البكوية ليست بمنجاة من الوقوع تحت سلطان الحبّ. والبرهان هذه الفتاة الإهدنية التي إمتلكت على "يوسفنا" فؤاده، وجعلته يتقلّب على جمر ولعه بها، وإنجذابه إليها . أمام هذا الوضع، إرتأى أصدقاء وخلاّن البك العاشق، ذات صيف، أن يجمعوه بالتي أحبّها قلبه عند "نبع
النواحير" ، في جرد إهدن العالي، وذلك بعيداً عن أعين الرقباء الذين قد يسرّبون خبره إلى والدته. وقد كان لهم ذلك. فصعدوا قاصدين النبع المذكور على دفعتين: أولى ضمّت الفتاة التي لا بّد أن يكون أفرحها إحساسها بإنها فتنت ألبك، وثانية كان يوسف في عدادها. وقد حكى أصحابه،بعدما إنطلت اللعبة على السيّدة ماريا، أنهم لم يروا وجه البك الذي كان عمره قصيراً، وقضى في ال22 ربيعاً، جّراء الزائدة الدوديّة، في عينطورة، متهلّل الأسارير كما رأوه، يومئذٍ، يضيئه ما كان يختلج في نفسه من شعور جامح. فسرى، مع النسيم، إحساس بالإرتياح شمل الموجودين كافةً، ومع مسيل مياه النبع سالت العتابا كالآتي : من الناحور سال الدمع وإنْهَلْ/ ورتي مني جديد الثوب وإن هَلْ/ بوجك زمهرير البدر وإن هَلْ/ يُونّس الغريب بعد الغياب/.
فمن الذي فاضت قريحته، حينئذ، في ذاك المكان العالي هل الشاعر الإهدني المعروف انطانيوس العاقوري الذي قضى نحبه في أواخر الحرب العالمية الأولى، أم "أبو شهيد الأهل"، فخلّدا بذلك ذكر الحبّ البكوي الممنوع؟
إذا كان الحَفَظَة إنقسموا في الرأي بهذا الشأن فإن السيدة آنجيل كانت تميل إلى ترجيح كفّة الثاني . "وأبو سلمان"، محدّثي، يكتفي الآن بنقل ما أصغى إليه، بكلّ تجّرد.
ومن قال، بعد هذا، أن "لذاتنا في الشوق لا في الوصال"؟!
فقليل من الوصال أثلج صدر البك المكتوي بنار الحبّ، في تلك النزهة، وهو على مقربة من ثلوجنا الأبديّة في "القرنة السوداء".
إن بيت عتابا منسوب إلى شاعر من الشعراء العاميّين في ناحيتك، فاتك عنه، قد يردّك ما يزيد على المائة عام إلى الوراء.
خطر لي ذلك وأنا أفكّر في ما حصل معي البارحة حين إستوقفني، في بعض طريقي، إبن عائلتي الرئيس السابق لرابطة آل يميّن في زغرتا بدوي جبّور يمّين وأسمعني من العتابا ما كنت أجهله. فإستمهلته ريثما أتلقّف قلماً وورقة، وأتبعه إلى مشغله، كي آخذ العصفور وخيطه. أعني بيت العتابا وحكايته معاً. فقصّها عليّ " أبو سلمان"، بهدوئه ووقاره المعهودين، موضحاً، وهو يستهلّ الكلام أن كل ما سيخبرني إياه هو، للأمانة ، منقول عن المرحومة السيدة آنجيل عيسى يميّن، أرملة عزيز زخيا الدويهي.
وفي الحكاية أن يوسف بك كرم ( 1907-1885) ، إبن بطرس بك كرم (1898-1847)، وهو الثالث في تسلسل بكوات آل كرم حَمْلاً لإسم يوسف، بعد جدّ "بطل لبنان"، "وبطل لبنان" بالذات . أي يوسف المعروف في أوساط المؤرّخين بيوسف بك كرم الثالث هامَ ذات يوم بحسناء إهدنيّة من عامة الشعب. وقد حرص على كتمان أمره عن والدته السيّدة ماريا إبنة حنّا بك أبي صعب المعروف بحنّا بك الأسعد، أوّل من أنعم عليه العثمانيون بلقب البكويّة في جبل لبنان القديم. لأنها لم تكن لتتقّبل فكرة غرام شاب من سلالة بكويّة، ومن الميْلين، بفتاة دونه مقاماً في السلّم الإجتماعي، أو تتهاون، في حال تبينّ لها أن إبنها وقع في مثل هذا المحظور. خصوصاً وإن الآمال الكرميّة كانت معقودة على يوسف بعد وفاة عمّ والده "بطل لبنان" في إيطاليا، عام 1889، ومن ثمّ، إنقضاء أجل والده بطرس، بعد ذلك بقليل، سنة 1889، ويوسف لم يكن وحيد أهله فحسب، إنمّا كان وحيد البكوات جميعاً، في ذلك الحين. لأن عمّه أسعد بك (1852-1903) مات دون عقب، بعد زيجتين، وعمّه سليم (1854-1912) لم يكن قد رزق ولديه الآنسة ماري ويوسف بك الرابع (النائب الراحل) (1910-1972) بعد. ولكن البكوية ليست بمنجاة من الوقوع تحت سلطان الحبّ. والبرهان هذه الفتاة الإهدنية التي إمتلكت على "يوسفنا" فؤاده، وجعلته يتقلّب على جمر ولعه بها، وإنجذابه إليها . أمام هذا الوضع، إرتأى أصدقاء وخلاّن البك العاشق، ذات صيف، أن يجمعوه بالتي أحبّها قلبه عند "نبع
النواحير" ، في جرد إهدن العالي، وذلك بعيداً عن أعين الرقباء الذين قد يسرّبون خبره إلى والدته. وقد كان لهم ذلك. فصعدوا قاصدين النبع المذكور على دفعتين: أولى ضمّت الفتاة التي لا بّد أن يكون أفرحها إحساسها بإنها فتنت ألبك، وثانية كان يوسف في عدادها. وقد حكى أصحابه،بعدما إنطلت اللعبة على السيّدة ماريا، أنهم لم يروا وجه البك الذي كان عمره قصيراً، وقضى في ال22 ربيعاً، جّراء الزائدة الدوديّة، في عينطورة، متهلّل الأسارير كما رأوه، يومئذٍ، يضيئه ما كان يختلج في نفسه من شعور جامح. فسرى، مع النسيم، إحساس بالإرتياح شمل الموجودين كافةً، ومع مسيل مياه النبع سالت العتابا كالآتي : من الناحور سال الدمع وإنْهَلْ/ ورتي مني جديد الثوب وإن هَلْ/ بوجك زمهرير البدر وإن هَلْ/ يُونّس الغريب بعد الغياب/.
فمن الذي فاضت قريحته، حينئذ، في ذاك المكان العالي هل الشاعر الإهدني المعروف انطانيوس العاقوري الذي قضى نحبه في أواخر الحرب العالمية الأولى، أم "أبو شهيد الأهل"، فخلّدا بذلك ذكر الحبّ البكوي الممنوع؟

ومن قال، بعد هذا، أن "لذاتنا في الشوق لا في الوصال"؟!
فقليل من الوصال أثلج صدر البك المكتوي بنار الحبّ، في تلك النزهة، وهو على مقربة من ثلوجنا الأبديّة في "القرنة السوداء".
ليست هناك تعليقات