وسام سعادة
أعدت قراءة ذلك الفصل الذي يتطرّق فيه برنارد لويس بشكل جميل جدا الى عصر الخزامى (لالي دفري) او عصر التوليب. رغم ان المؤرخين عادة يحددون المرحلة بين 1718 وبين 1730، الا ان لويس "يمططه" اكثر، او بالاحرى يقتفي اثره طيلة القرن الثامن عشر، يمد له "سلكا كهربائيا" يصله بالهواجس والمرامي الاصلاحية للسلطان سليم الثالث اواخر ذلك القرن.
عصر الخزامى، المكنى نسبة الى انتشار نقوش ورسوم الخزامى وارتفاع الطلب على الخزامى، وهذا "هوس خزامي" يمكن ان يقارن بمثيله في اوروبا قبل ذلك بقرن. لكن اذا كان الاقبال على بصل زهر الخزامى يدرس في التاريخ الاقتصادي من باب النظر الى اواليات السوق وتقلبات العرض والطلب مطلع الازمنة الحديثة، فان الطلب على الخزامى وعلى الترمز بالخزامى كان له بعد آخر في التاريخ العثماني: الشعور بالحاجة الى التجديد، وعدم الاستنزاف كثيرا في الحروب، الحاجة المبكرة للتأثر بأوروبا الغربية، بدءا من فن العمارة. فبالعودة الى برنارد لويس هو يستهل فصله هذا من "ذو مسلم ديسكوفري اوف يوروپ" بملاحظة اثر العمارة الايطالية على جامع نور عثمانية قرب البازار الكبير بالاستانة. يلحقه لويس بعصر التوليپ، رغم انه مبني بعد عشرين عاما على عصر التوليپ بالمعنى المحدد، ويدرج عادة مسجد نور عثمانية الذي بناه المعماريان مصطفى آغا واليوناني سمعان كالفا، ضمن المرحلة "الباروكية العثمانية".
كان ابرز رموز عصر الخزامى، الصدر الاعظم داماد ابراهيم پاشا، ولقبه داماد لانه تزوج من ابنة سلطانه احمد الثالث، الاميرة فاطمة سلطان، التي كانت بين الاثنين صاحبة نفوذ قوي (تزوجت صدرين اعظمين في حياتها الوجيزة)، وثمة رأي راجح بأنها كانت الشخص الاقوى في السلطنة بتلك المرحلة.
ويبدو في بحث للمؤرخ كولن ايمبير ان العثمانيين كانت عينهم ايضا في ذلك الوقت على الاصلاح البطرسي في روسيا، ويتحفظون على هذا النوع من الاصلاح الحاد في نفس الوقت، خصوصا وقت الغاء بطرس الاكبر لمنصب بطريرك موسكو، وسيبقى ملغى الى 1917، وسقوط القيصرية.
في عز الاصلاح الاوتوقراطي البطرسي بروسيا، والملكية المطلقة في فرنسا، كانت النسمة الاصلاحية الخزامية العثمانية اقرب الى مزاوجة الاصلاح الحذر، "التحسيني"، التدريجي، بشيء من الرومانسية، عبر عنه "الركض على التوليب"، كأنما للفطن بأن طبقة من نوع جديد، فيها شيء من الشبه بالبرجوازية، تنبجس من تحت رخام استنبول.
عصر التوليب، بالمعنى الحصري للكلمة، ينقضي مع الاطاحة به على يد الانكشارية مدعومين من العوام، بقيادة الانكشاري الارناؤوطي پاترونا خليل في مثل هذه الايام من عام 1830، الذي يمكن القول بشيء من التجاوز، انه اقام "جمهورية انشكارية - عامية" على رأس الامبراطورية لبضعة أسابيع، بعد ان قتل الداماد وفاطمة سلطان وحبس احمد الثالث، قبل ان يقذف الصراع بين الانكشارية سريعا پاترونا خليل الى جهنم.
اطالة برنارد لويس الفترة الخزامية حتى بعد الاطاحة بالخزاميين موفقة جدا. اقله من ناحية ان ثمة "استمرارية خزامية" ظلت توجد اشكالا لها حتى السلطان الموسيقار الشهيد سليم الثالث، "رجعة الخزامى" بمعنى من المعاني.
................................. اي اصلاح بلا خزامى لا يعول عليه.
عن الفايسبوك
أعدت قراءة ذلك الفصل الذي يتطرّق فيه برنارد لويس بشكل جميل جدا الى عصر الخزامى (لالي دفري) او عصر التوليب. رغم ان المؤرخين عادة يحددون المرحلة بين 1718 وبين 1730، الا ان لويس "يمططه" اكثر، او بالاحرى يقتفي اثره طيلة القرن الثامن عشر، يمد له "سلكا كهربائيا" يصله بالهواجس والمرامي الاصلاحية للسلطان سليم الثالث اواخر ذلك القرن.
عصر الخزامى، المكنى نسبة الى انتشار نقوش ورسوم الخزامى وارتفاع الطلب على الخزامى، وهذا "هوس خزامي" يمكن ان يقارن بمثيله في اوروبا قبل ذلك بقرن. لكن اذا كان الاقبال على بصل زهر الخزامى يدرس في التاريخ الاقتصادي من باب النظر الى اواليات السوق وتقلبات العرض والطلب مطلع الازمنة الحديثة، فان الطلب على الخزامى وعلى الترمز بالخزامى كان له بعد آخر في التاريخ العثماني: الشعور بالحاجة الى التجديد، وعدم الاستنزاف كثيرا في الحروب، الحاجة المبكرة للتأثر بأوروبا الغربية، بدءا من فن العمارة. فبالعودة الى برنارد لويس هو يستهل فصله هذا من "ذو مسلم ديسكوفري اوف يوروپ" بملاحظة اثر العمارة الايطالية على جامع نور عثمانية قرب البازار الكبير بالاستانة. يلحقه لويس بعصر التوليپ، رغم انه مبني بعد عشرين عاما على عصر التوليپ بالمعنى المحدد، ويدرج عادة مسجد نور عثمانية الذي بناه المعماريان مصطفى آغا واليوناني سمعان كالفا، ضمن المرحلة "الباروكية العثمانية".
كان ابرز رموز عصر الخزامى، الصدر الاعظم داماد ابراهيم پاشا، ولقبه داماد لانه تزوج من ابنة سلطانه احمد الثالث، الاميرة فاطمة سلطان، التي كانت بين الاثنين صاحبة نفوذ قوي (تزوجت صدرين اعظمين في حياتها الوجيزة)، وثمة رأي راجح بأنها كانت الشخص الاقوى في السلطنة بتلك المرحلة.
ويبدو في بحث للمؤرخ كولن ايمبير ان العثمانيين كانت عينهم ايضا في ذلك الوقت على الاصلاح البطرسي في روسيا، ويتحفظون على هذا النوع من الاصلاح الحاد في نفس الوقت، خصوصا وقت الغاء بطرس الاكبر لمنصب بطريرك موسكو، وسيبقى ملغى الى 1917، وسقوط القيصرية.
في عز الاصلاح الاوتوقراطي البطرسي بروسيا، والملكية المطلقة في فرنسا، كانت النسمة الاصلاحية الخزامية العثمانية اقرب الى مزاوجة الاصلاح الحذر، "التحسيني"، التدريجي، بشيء من الرومانسية، عبر عنه "الركض على التوليب"، كأنما للفطن بأن طبقة من نوع جديد، فيها شيء من الشبه بالبرجوازية، تنبجس من تحت رخام استنبول.
عصر التوليب، بالمعنى الحصري للكلمة، ينقضي مع الاطاحة به على يد الانكشارية مدعومين من العوام، بقيادة الانكشاري الارناؤوطي پاترونا خليل في مثل هذه الايام من عام 1830، الذي يمكن القول بشيء من التجاوز، انه اقام "جمهورية انشكارية - عامية" على رأس الامبراطورية لبضعة أسابيع، بعد ان قتل الداماد وفاطمة سلطان وحبس احمد الثالث، قبل ان يقذف الصراع بين الانكشارية سريعا پاترونا خليل الى جهنم.
اطالة برنارد لويس الفترة الخزامية حتى بعد الاطاحة بالخزاميين موفقة جدا. اقله من ناحية ان ثمة "استمرارية خزامية" ظلت توجد اشكالا لها حتى السلطان الموسيقار الشهيد سليم الثالث، "رجعة الخزامى" بمعنى من المعاني.
................................. اي اصلاح بلا خزامى لا يعول عليه.
عن الفايسبوك
التصنيÙ:
ثقافة