Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

مرة أخرى: النزاع الماروني

· النهار سمير عطاالله 17 تشرين الأول 2018 دعوت غير مرة، مكرهاً من الأعماق، إلى أن تبقى الرئاسة في لبنان للمسيحيين وتُنزع من الموارنة. ...


· النهار سمير عطاالله 17 تشرين الأول 2018
دعوت غير مرة، مكرهاً من الأعماق، إلى أن تبقى الرئاسة في لبنان للمسيحيين وتُنزع من الموارنة. فعلت ذلك من أجل لبنان، لأن صراع الموارنة المَرَضي يُلحق الضرر به، ويعكّر استقراره على الدوام. وقد أثبت التاريخ أن الصلح بين الموارنة مستحيل، والاتفاق غير ممكن، لأن سياسييهم لا يدركون الفارق بين معنى السلطة وغريزة التسلّط. وهذا عيب خلقي وإعاقة جوهرية في بلد مكوَّن من تعدد كثير. بل هو بالدرجة الأولى، جهل بمعنى الامانة الدستورية ونكران لمفاهيمها.
وكما ان السنونوة لا تصنع ربيعاً، والشجرة لا تؤلف غابة، فإن ظهور بعض الاستثناءات الكبرى لا يلغي اخطار الغريزة العامة، اولاً على بقاء الموارنة في وطنهم، وثانياً على بقاء وطن شبيه بشعبهم المتمسك بالمثل والنظم الحضارية، والممتلىء انواعاً من التفوق والعبقريات، وطناً ومغترباً.
أن هذه الظاهرة الاجتماعية البارزة في انحاء العالم، يقابلها تاريخ سياسي حاشد بمظاهر التبعية والتزلم للخارج المتسلط والمتنفذ في أوانه، ومكتظ بالعنف والمجازر والأحقاد. وكان اكثرها وحشية تحول الحرب الأهلية الى مجموعة حروب ضمن المناطق المسيحية، بدأت خلافاً على المواقف من المصير، وتحوّلت حروباً على المرافىء والمرافق.
ما هو أسوأ وأفظع من الحرب؟ الأفظع أنها لم تنته. أو بالأحرى أنها لا تنتهي. بعدما سمي "اتفاق معراب" وما رافقه من مصافحات وصور، قال الدكتور سمير جعجع "إن البعض "ضاقوا بالاتفاق". غير دقيق. الجميع كانوا ينتظرون منذ السنوات البلائية، أيَّ اتفاق. لكن البعض الذي أشار إليه، كان يشعر أن الاتفاق سوف يسقط في أول امتحان أمام السلطة. هو وتواقيعه وصوره وقداديس ملحم الرياشي.
وما كنا نعتقد أنه تقع في 13 تشرين الأول ذكرى يُحتفل بها، لكن الوزير جبران باسيل رفع شارة النصر على شركاء معراب يخبر الناس انهم مجرمون يعرقلون مشروعه في انقاذ لبنان، وعلامات هذا المشروع ألاّ يبقى سياسي ماروني مرفوع الرأس من الكتائب وتاريخها الذي تفرعت منه كل هذه المجموعات، إلى المستقلين الاحرار الذين رأوا ان مبرر لبنان كونه فكرة طليقة لا يصح لها حزب ودوغما.
عندما ورث جبران باسيل الجنرال ميشال عون في رئاسة التيار في ذلك القَسَم الشهير بالسجود، اعتبر ان الإرث يشمل أيضاً كل تاريخ الجنرال العسكري والسياسي والأدبي. واعتبر ان اللقب يحمل معه تلقائياً، جماهيرية ميشال عون والكاريزما التي ضربها على مريديه في شتى الحروب التي خاضها. من الحرب الأهلية، إلى حرب الإلغاء، إلى حرب بعبدا، إلى حرب التحرير. وفي مثل هذا الاعتبار رؤية رومانسية تلائم الرجل السريع الطموح، لكنها لا تتساوى مع وقائع الحياة ومعطيات الإرث، ولا خصوصاً، مع مفاهيم وشروط الزعامة في لبنان. عندما أسس كمال جنبلاط الحزب التقدمي الاشتراكي، جمع حوله بعض أهم واثقف وأعمق وأكثر الرجال كاريزما. لكنه ظل الزعيم الوحيد. والتفَّت حول ريمون اده عصبة من أفضل الناس، وظل العميد الوحيد. ووقف الى جانب بيار الجميل في تأسيس الكتائب جمهرة من الألمعيين، وظل وحده الشيخ بيار. وظل كميل شمعون الأكثر وسامة بين رؤساء العالم.
الإرث، بناء تاريخي طويل، لا يفيده الاستعجال في شيء. والذي بنى صورة جعجع عند اللبنانيين لم يكن شرق صيدا وحرب الجبل، بل 11 عاماً أمضاها مصلياً في زنزانة، اكتشف خلالها أن الزنزانة الأكثر شقاء هي زنزانة النفس. أما تلك التي تخرَّج منها، فمطهر أرضي.
عندما ظهرالمهندس جبران باسيل الى جانب الجنرال عون، بدا خياراً لا اعتراض عليه. فهو قريب من الجنرال وأمين سره في منفاه وفي عودته. ومن ذا يشك في ان قرار المنفى كان وحشياً ومتخلفاً ولم يعد وارداً في هذا الزمن؟ خصوصاً إنه اتُّخذ بلا محاكمة، وظُلمه الأكبر أنه لا سابقة له في زمن الاستقلال. أما ظُلمه الأقسى، فإنه أعفى جميع ابطال الحرب وخص به الأكثر شعبية بين المسيحيين آنذاك.
رأى الشاب السريع الطموح في رضا الجنرال عليه حقاً بكل ما يسبغه الجنرال. وصار يشير في احاديثه العامة الى "سنوات النضال". وقسَّم الناس إلى قسمين، مثل جورج دبليو بوش، "نحن وهم". وأصر على ان يلعب دور "الوريث" المطلق على رغم الضرر الذي لحق به وبصاحب الإرث، جراء هذا التصرف.
ثم لم يعد يكتفي بالإرث العائلي، فراح يشيع – ويتصرف – أنه كميل شمعون وبشير الجميل. وأخذ يتحدث عن حزب الكتائب بمزيج من الازدراء والشفقة، في حين خاطب نائبه ابراهيم كنعان سامي الجميل محذراً "الصغار" من اللعب مع كبار المتنيين. وربما كانت غريزة الاستقواء على سامي الجميل قد قويت يومها بانضمام الشيخ سركيس سركيس إلى لائحة التغيير والاصلاح.
انتشى الوزير باسيل بلعبة توزيع ما تبقى عن التيار من حصص ومقاعد: الكتائب لا وجود لهم. فرنجية آوت! القوات نوّاسة. كلما خرج على الناس متحدثاً أسقط طريدة وأسقط من رصيده. وإذا اتبعنا طريقته في الحسابات يكون ما يلي: ثلثا المسيحيين، ما بين قوات وكتائب ومرده وعايفين حالهم، ضده. ونصف الشيعة الذين يتزعمهم بلطجي، ضده. واكثرية الدروز ضده. وسنّة دار الفتوى ضده.
وكثير من هؤلاء ليسوا بالضرورة ضد المورِّث، لأنهم لا يمكن ان يسلموا مصيرهم وبلدهم الى نزاع مع رجل كلف نفسه أن يحمل مكاييل الحق والحياة ويقول للناس، كلما نسوا: اعطيناهم النفط. اعطيناهم الأمن. استعدنا اللبنانيين من الانتشار: 600 جنسية على الأقل.
هل خطر لك يوماً ان تمنن كائناً بشرياً بتراب أرضه؟ ثمة مشكلة كبرى وبسيطة معاً في مسألة الوزير باسيل: لغته. فاللغة المجردة من التواضع مجردة من المحبة. ولبنان محبة، واللغة الاستعلائية تذكر بالحروب ومدافن المساكين والابرياء والضحايا. ونريد ان نتذكرهم في صلواتنا وليس فقط في تشكيل الحكومات ومسك الدفاتر.
استعادة الحرب علامة مفزعة. ولغة الحرب مريعة. فحتى الآن كنا نحمد الله ونشكره على ان الوباء المجنون الذي يضرب المنطقة لم يعبر الحدود. لكن النزاع المرضي بين سياسة الموارنة يطل من جديد. وزعيمهم يخاطب رئيس الوزراء قائلاً: إذا طلبني يجدني، مما يجعل دار الإفتاء تفتح بابها لاجتماع رؤساء الحكومات للمرة الأولى منذ الحرب!
من يريد ان يصبح رئيساً للجمهورية، لا بد أن يتذكر ان 20 نائباً ليسوا شيئاً. هذا منصب يقاس بمدى الاجماع ومدى محبة الناس ومدى التواضع أمام قداسة المسؤولية

ليست هناك تعليقات