Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

مصائر طه حسين

عدي الزعبي مصائر طه حسين غريبة عجيبة، وتكاد تختصر حال الثقافة العربية بعده: من جهة، نجح النظام الرسمي العربي في احتوائه وهضمه، وتهميش و...

عدي الزعبي

مصائر طه حسين غريبة عجيبة، وتكاد تختصر حال الثقافة العربية بعده: من جهة، نجح النظام الرسمي العربي في احتوائه وهضمه، وتهميش وتهشيم أفكاره وأعماله بشكل كامل. في معظم الدول العربية يدرّس شيء ما من العميد في المدارس، وتحافظ السلطات ومثقفوها على مظهر الاحترام الكامل له. ولكن تدريسه هامشي، بضع كلمات من "الايام"، ولا إشارة واحدة عند تدريس الشعر الجاهلي أو العذري أو المتنبي لآراء العميد. هكذا يتعلم الطالب، مع الانظمة، عدم أهمية العميد، ويعامله كجزء من المنظومة الرسمية: أي يتجاهله. 
الماركسيون، اللذين اجتاحوا الثقافة من الخمسينيات فصاعداً، تجاهلوا العميد، ولم يفهموه، ولم يلتفتوا إليه. 
الإسلاميون جعلوا الهجوم على العميد لعبتهم المفضلة، ليتحول من مثقف إشكالي إلى رمز يتصارع عليه جهلة متأسلمون وجهلة متلبرلون او يساريون يمثلون الانظمة: على الشبكة العنكبوتية، قصيدة "انا اعبد الشيطان" لطه حسين، ووثائق وشهادات تثبت عمالته لإسرائيل وفرنسا والماسونية العالمية: مخيف حجم الهجوم على الرجل الذي حافظ على إيمانه الشخصي الديني بعيداً عن النقاش العام، مخيف ومحزن، بالضبط لأن طه حسين لم يناقش الدين بالطريقة التي سيناقشها به علمانيون متعصبون، ارادوا هدم الدين: كان العميد، على ما أرى، أقرب إلى شكية المعري وفولتير: شك صادق في قدرة العقل على الوصول إلى الحقائق، وتسليم، ربما، بإله عادل قادر.
مع سقوط الاتحاد السوفييتي، والتخفف من الحمل الماركسي الثقيل، أصابت لوثة ما بعد الحداثة وما بعد التنوير وما بعد العقل من كان يفترض ان يتابعوا عمل العميد: للمرة الثالثة، بقي إرث العميد غائباً، ومغيباً، في اللحظة التي كان يفترض ان يعود بها بكامل بهائه: المدافع الشرس عن الحرية، نظرياً وعملياً: كعميد وكوزير وكمثقف موسوعي استثنائي. 
في ذكرى ميلاده، عقد مؤتمر ضخم في مصر، افتتحه الرئيس الراحل أنو السادات، وألقى كلمة سخيفة فارغة مخادعة، ادعى فيها انه وريث طه حسين: هو ونظامه العجيب الهجين. ضمت وثائق المؤتمر عشرات الاوراق الفارغة تماماً: وضمت، صدق أو لا تصدق، قصائد شعر عمودية سخيفة في مدح طه حسين: واحدة لنزار قباني والثانية لسعيد عقل:
إذن، أسوأ اشكال الثقافة العربية: المديح التافه، في شكله العمودي، كان النهاية السوداء لأكثر المشاريع الثورية في إعادة قراءة الادب العربي، وإعادة تأويله، وفهمه، والبناء عليه. 
مصير محزن، لثقافة تتخبط باستمرار في مشاريع غير جادة، وغير ديمقراطية، والاهم: غير نقدية.

عن الفايسبوك

ليست هناك تعليقات