فاطمة حوحو
قليلون جدا ربما من صحفيي هذا الزمن يعرفونه او سمعوا باسمه، فهو حتى عندما كان يعمل في جريدة الحزب الشيوعي اللبناني النداء قبل اقفالها في اوائل التسعينات اذ كان اعلام الحزب المطبوع اول ضحايا سقوط الاتحاد السوفياتي المدوي، كان ملحم سكرتيرا للتحرير، ينام في الجريدة ويستفيق فيها، كان يشبه احد الشخصيات المثقفة الفرنسية في الستينات، اقرب الى اعتناق الفلسفة الوجودية، عالمه سيجارة جيتان صحيفة فرنسية وطعام يومي في مقاهي الحمرا المودكا هي المفضلة وكان ان اراد ان يبتعد قليلا عن عاداته اليومية يمر الى الويمبي وربما يتجاوزها الى كافييه دوباري.
لم يكن يتحدث كثيرا لكنه كان يعمل كثيرا، ويحب جلسات الاصدقاء واستضافتهم، وان لم ياخذ ويعطي، يكفي ان يستمع ويستمتع، كريم لم يهمه ملك او مال، يعيش بالقليل والكثير فالامر سيان، مونفيشيست، لم يترك الحزب في ازمنة التغيير ظل على افكاره العقائدية الجامدة، لم يغير ولم ينتقد ولم يصرخ، ولم يتقبل الانهيار او يستوعبه، كطفل صغير يرفض ان يصدق ان امه ماتت وهو يحلم انها ما زالت تنتظره في المنزل لتفتح له الباب عندما يعود من المدرسة.
كان ملحم يتابع اصدار الجريدة من الفها الى يائها، يسهر حتى ساعات الفجر دون كلل او ملل، عقله في متابعة الخبر الصغير والحدث الكبير، لا يغفل عن تفصيل، معظم الزملاء الذين عاشوا تجربة جريدة النداء عرفوا كيف يخرجون شرنقة الجمود الفكري وابدعوا في مجالات عملهم الصحفي في صحف ووسائل اعلامية اخرى، الا ملحم الذي بقي على اخلاصه لعاداته وبقي مدمنا على كونه رفيقا شيوعيا ومكتفيا بما اعطته اليه دائرة الحياة، لا نعرف كثيرا عن حياته الخاصة سوى انه كان متزوجا من اجنبية سويسرية او فرنسية الجنسية وله ولد ربما لا يراه ولم نراه، وانه فضل الحياة الحزبية على الحياة الخاصة.
كان ملحم على متن الزورق الذي خطفته اسرائيل مرة خلال الحرب الاهلية عندما كان قادما من قبرص الى لبنان، روى لنا القصة وضحكنا كثيرا فملحم لا علاقة له بالعمل المسلح وكان يخاف في زمن القصف والقذائف، ويبحث عن الزوايا الآمنة قدر الامكان، عندما سقطت الدول الاشتركية ذبل ملحم واصبح عدوانيا قليلا تجاه المتحمسين للبيرويسترويكا، اذكر اني كنت في الاتحاد السوفياتي زمن صعود غورباتشوف كتبت في العام 1989 كتبت سلسلة مقالات عن التغييرات التي تجري هناك رفض ملحم نشرها في النداء ووضعها في الجارور وقال لي لن يتقبلها القراء الشيوعيون، فالقضايا التي تناولتها حساسة وعوالم الشيوعيين ستنهار ان هم اطلعوا علي حقائق مخفية عنهم، يومها لجأت الى احد "مثقفي" الحزب الاقل جمودا في افكاره الى ان تم الافراج عن المقالات ونشرت 15 مقالا وكانت ردة فعل بعض الشيوعيين غريبة كان في تصويري الواقع خيانة. كان ذلك الزمن الذي قطعت فيه حبال روابطي مع مدعي الديموقراطية.
رغم عدم توافقنا الفكري في امور عدة بقيت العلاقة انسانية باقية مع ملحم كونه زميلا مهنيا وهو يعمل في صوت الشعب، استفزه بافكاري ويقابلني ببسمة ويسالني عن عالمي الجديد، اقول له انه ليس عالمي فقط انه واقع مختلف وزمن آخر، لكنه لا يراه فهو ما يزال يعيش في الماضي، حتى في ملابسه التي لم تتغير كثيرا، وعاداته ايضا في السيطرة على كل الصحف اليومية من الصباح حتى وقت الغداء، اذ لا يمكن لاحد سرقة جريدة من تحت يديه قبل ان يفليها هو صفحة صفحة.
منذ سنة تقريبا اخبرتني ابنة اختي ان ملحم مصاب بالسرطان، تألمت لآلامه كنت اشعر انه رجل وحيد، والناس من حوله يسعون الى حياتهم، اذ قلما في اجوائه الجديدة في الاذاعة وجد صديقا او علاقات شبيهة بتلك التي قائمة في زمن النداء، فالجيل الجديد مختلف وهم مشغولون بأنفسهم، كان وحيدا في حياته ووحيدا في عمله، وعاد لحضن عائلته في بلدته المتين الى منزل كبير وجميل كنا قد زرناه في زمن ما بعد المعارك في الثمانينات.
وداعا ملحم انت الذي لم توسخ يديك في المهنة التي تاكل ابنائها، هل كنت مرتاحا الى خياراتك البقاء والعيش داخل شرنقة الحزب الم تطمح الى ينمو جناحيك فتطير حرا في الخارج ، كنت اود ان اعرف وكنت اريد ان اقول لك ان الحياة التي نحبها قد لا تبادلنا الحب دوما.
قليلون جدا ربما من صحفيي هذا الزمن يعرفونه او سمعوا باسمه، فهو حتى عندما كان يعمل في جريدة الحزب الشيوعي اللبناني النداء قبل اقفالها في اوائل التسعينات اذ كان اعلام الحزب المطبوع اول ضحايا سقوط الاتحاد السوفياتي المدوي، كان ملحم سكرتيرا للتحرير، ينام في الجريدة ويستفيق فيها، كان يشبه احد الشخصيات المثقفة الفرنسية في الستينات، اقرب الى اعتناق الفلسفة الوجودية، عالمه سيجارة جيتان صحيفة فرنسية وطعام يومي في مقاهي الحمرا المودكا هي المفضلة وكان ان اراد ان يبتعد قليلا عن عاداته اليومية يمر الى الويمبي وربما يتجاوزها الى كافييه دوباري.
لم يكن يتحدث كثيرا لكنه كان يعمل كثيرا، ويحب جلسات الاصدقاء واستضافتهم، وان لم ياخذ ويعطي، يكفي ان يستمع ويستمتع، كريم لم يهمه ملك او مال، يعيش بالقليل والكثير فالامر سيان، مونفيشيست، لم يترك الحزب في ازمنة التغيير ظل على افكاره العقائدية الجامدة، لم يغير ولم ينتقد ولم يصرخ، ولم يتقبل الانهيار او يستوعبه، كطفل صغير يرفض ان يصدق ان امه ماتت وهو يحلم انها ما زالت تنتظره في المنزل لتفتح له الباب عندما يعود من المدرسة.
كان ملحم يتابع اصدار الجريدة من الفها الى يائها، يسهر حتى ساعات الفجر دون كلل او ملل، عقله في متابعة الخبر الصغير والحدث الكبير، لا يغفل عن تفصيل، معظم الزملاء الذين عاشوا تجربة جريدة النداء عرفوا كيف يخرجون شرنقة الجمود الفكري وابدعوا في مجالات عملهم الصحفي في صحف ووسائل اعلامية اخرى، الا ملحم الذي بقي على اخلاصه لعاداته وبقي مدمنا على كونه رفيقا شيوعيا ومكتفيا بما اعطته اليه دائرة الحياة، لا نعرف كثيرا عن حياته الخاصة سوى انه كان متزوجا من اجنبية سويسرية او فرنسية الجنسية وله ولد ربما لا يراه ولم نراه، وانه فضل الحياة الحزبية على الحياة الخاصة.
كان ملحم على متن الزورق الذي خطفته اسرائيل مرة خلال الحرب الاهلية عندما كان قادما من قبرص الى لبنان، روى لنا القصة وضحكنا كثيرا فملحم لا علاقة له بالعمل المسلح وكان يخاف في زمن القصف والقذائف، ويبحث عن الزوايا الآمنة قدر الامكان، عندما سقطت الدول الاشتركية ذبل ملحم واصبح عدوانيا قليلا تجاه المتحمسين للبيرويسترويكا، اذكر اني كنت في الاتحاد السوفياتي زمن صعود غورباتشوف كتبت في العام 1989 كتبت سلسلة مقالات عن التغييرات التي تجري هناك رفض ملحم نشرها في النداء ووضعها في الجارور وقال لي لن يتقبلها القراء الشيوعيون، فالقضايا التي تناولتها حساسة وعوالم الشيوعيين ستنهار ان هم اطلعوا علي حقائق مخفية عنهم، يومها لجأت الى احد "مثقفي" الحزب الاقل جمودا في افكاره الى ان تم الافراج عن المقالات ونشرت 15 مقالا وكانت ردة فعل بعض الشيوعيين غريبة كان في تصويري الواقع خيانة. كان ذلك الزمن الذي قطعت فيه حبال روابطي مع مدعي الديموقراطية.
رغم عدم توافقنا الفكري في امور عدة بقيت العلاقة انسانية باقية مع ملحم كونه زميلا مهنيا وهو يعمل في صوت الشعب، استفزه بافكاري ويقابلني ببسمة ويسالني عن عالمي الجديد، اقول له انه ليس عالمي فقط انه واقع مختلف وزمن آخر، لكنه لا يراه فهو ما يزال يعيش في الماضي، حتى في ملابسه التي لم تتغير كثيرا، وعاداته ايضا في السيطرة على كل الصحف اليومية من الصباح حتى وقت الغداء، اذ لا يمكن لاحد سرقة جريدة من تحت يديه قبل ان يفليها هو صفحة صفحة.
منذ سنة تقريبا اخبرتني ابنة اختي ان ملحم مصاب بالسرطان، تألمت لآلامه كنت اشعر انه رجل وحيد، والناس من حوله يسعون الى حياتهم، اذ قلما في اجوائه الجديدة في الاذاعة وجد صديقا او علاقات شبيهة بتلك التي قائمة في زمن النداء، فالجيل الجديد مختلف وهم مشغولون بأنفسهم، كان وحيدا في حياته ووحيدا في عمله، وعاد لحضن عائلته في بلدته المتين الى منزل كبير وجميل كنا قد زرناه في زمن ما بعد المعارك في الثمانينات.
وداعا ملحم انت الذي لم توسخ يديك في المهنة التي تاكل ابنائها، هل كنت مرتاحا الى خياراتك البقاء والعيش داخل شرنقة الحزب الم تطمح الى ينمو جناحيك فتطير حرا في الخارج ، كنت اود ان اعرف وكنت اريد ان اقول لك ان الحياة التي نحبها قد لا تبادلنا الحب دوما.