Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

جمال القري... عن حسين مروة

يشكّل خلق الأساطير في تاريخ كل الشعوب وفي كل العصور ضرورةً يعزّزها الحكّام من أجل تبرير مشاريعهم، وتسيّدهم، ولإضفاء صورة النزاهة على شخص...


يشكّل خلق الأساطير في تاريخ كل الشعوب وفي كل العصور ضرورةً يعزّزها الحكّام من أجل تبرير مشاريعهم، وتسيّدهم، ولإضفاء صورة النزاهة على شخصياتهم، وكذلك، من أجل استلاب عقول البشر، وخلق أحاسيس لديها بحاجتها الدائمة إلىوجود المتسلّط عليها. وتختلف هذه الأساطير من عصرٍ إلى آخر، ومن شعبٍ إلى شعب، فبينما هناك أساطير تمجّد شعوباً بعينها، ففي شرقنا التعيس، غالباً ما تكون هذه الأساطير ممجدّة لفكرة الهيمنة والسيطرة وإخضاع الناس عبر تصويرها بالقاصرة، وعبر الدين المقتّص، و عبر الخصائص المولودة فيها، التي تبدو لازمةً لها إلى الأبد. 
حسين مروة، محّض التاريخ العربي والشرقي دراسة وبحثاً، ويمكن لقائلٍ اليوم، أن هذه الرؤية لا بدّ من أن تُنقد، وهذا صحيح ومشروع، غير أن ما هو غيرمشروع، هو اغتياله!! ولا بأي معيارٍ من المعايير، ولا بأي تبريرٍ من التبريرات، ولا بإسم أيّ من القضايا مهما قُدّست. فإغتياله (كما اغتيال كل من يشابهه) يشكّل إفراغ المكان لسطوة من يريد إعادة أسطرة العصر وفقاً لمعتقداته التي يبغي فرضها. ومن غير المقبول بتاتاً أن يُقال بأنها مرحلة ومرّت، وكان لها ضروراتها ومسوّغاتها، إذ أن من يمارس قتل العقل والفكر، لا يمكن أن يُركن إليه أو إلى قضاياه التي يُلبسها التمجيد فيما هي شكل جديد من أشكال استمرارية الهيمنة.
في مثل هذا اليوم، أسكتوا العقل برصاصة، وليس بالعقل، وحبّذا لو فعلوا أو يفعلون، لكنّا حينها احترمنا خياراتهم مهما تباعدت الآراء. أورد أدناه، مقطعاً قصيراًممّا كتبه حسين مروة عن أسلوب أسطرة ما هو حاجة للمتسلّطين، ولكنه معبّر جداً:

"ثلاث شخصيات قرن بها التاريخ العربي ثلاث رذائل، ثم راح يذيعها في الاجيال امثلة تحيا ولا تموت، كأن مشيئة التاريخ قصدت الى خلقها وتكوينها قصداً عن تفكير وتدبير لكي تكون انعكاساً لمجرى الحياة الاجتماعية عند قومنا العرب في هاتيك الاجيال، ولكي تكون اسلوباً رائعاً من اساليب العرض والاداء.
ذلك اسلوب يعرض الفضيلة بوجهها السلبي حين يعرض وجه الرذيلة، ويؤدي الخير على صورة من صور الشر.
فأي صنيع للتاريخ هذا الصنيع؟ انه يقيم هيكلاً من تقاليد شعب على شخصيات ثلاث ليست هي في تاريخ هذا الشعب سوى نكرات ومجاهيل لا وجود لها الا كوجود الطحلب يعيش دون قوام ولا كيان.
اي تفكير هذا وأي تدبير يقصد الى ابشع صور الشر، فيجلوها للأيام والاجيال صوراً لماحة السّنا تشع خيراً وحقاً، وتشع فضيلة وخلقاً كريماً؟
تلك هي الشخصيات: أبي رغال، وعرقوب، والملك الغادر بسنمّار.
اولئك الذين ابدعهم التاريخ العربي ابداعاً من غمار الحياة العربية، لكي يقول للعرب في اجيال كهذه الاجيال، بأسلوب بكرٍ كهذا الاسلوب: ان شعبكم يا قوم كان ينكر الخيانة، وخُلفَ الوعد والظلم، انكاراً شديداً، حتى نصب لهذه الرذائل الثلاث اعلاماً ثلاثة، ثم جعل لهذه الاعلام تاريخاً، وجعل من هذا التاريخ اسلوباً عظيماً في الدلالة على انكار المنكر، ثم ارسل ذلك كله في العصور والاجيال امثالاً سائرة تقذف اللعائن حمماً في وجه كل خائن، او مخلف للوعد، او ظالم.
وأني لأحس ارواح هؤلاء الثلاثة تنادينا اليوم من على خشبة التاريخ بملء حناجرها، تقول
من تراه يستحق اليوم هذا الصلب ايها القوم؟ أنحن....وما نحن سوى افراد ثلاثة في امة ضخمة، ام هؤلاء العديد من رجالكم في كل شعب عربي...هؤلاء الذين يقيمون اليوم للخيانة اعراساً، ويرفعون للظلم والطغيان امجاداً، وينحتون من سجايا الشياطين الاشرار، مثيري الحروب، ونافخي ابواق الخراب والدمار، اصناماً يعبدونها، ويريدون ان يقدموا شعوبهم قرابين في هياكلها النخرة؟

ليست هناك تعليقات