في كتاب "الأنساب"، نقل السمعاني عن الجنيد قوله: "مجنون ليلى من أولياء الله تعالى، ستر حاله بجنونه". وفي "الفتوحات المكية"، استعاد ابن عربي "حال قيس بن الملوح مجنون بني عامر صاحب ليلى" في حديثه عن "قوة سلطان حرقة لهيب نار الحب" التي "تحل على قلوب المحبين و"تحرق كل شيء تجده ما سوى المحبوب". تتحول ليلى في هذا السياق إلى طريق المجنون في التوحيد وصولا إلى الواحد الأحد. تتجلى هذه الصورة خصوصاً في إنتاج كبار الشعراء الفرس الذين نظموا في المجنون قصصا عدة تجد جذرها في الروايات العربية.
في القرن الخمس عشر، وضع بدوره منظومة خاصة بـ"ليلى ومجنون"، وفيها مهّد لرواية الحج إلى مكة في فصل بديع يناجي فيه العاشق معشوقته ويقول: "يا كعبة القاصد المشتاق، وقبلة الحسان من كل الأفاق. حريم حبك حديقة الحرم، والمقيمون به كزوار الحرم. جدائل شعرك عقد ذوي التيجان، ونفخ عطرك وله المشتاقين، وخلخالك الذهبي تاج الرؤوس، وسلسال شفاهك يغار منه الكوثر، وكل شعرة من غدائرك كالليل البهيم مثار وله ألف مجنون مثلي. وحين يفترّ ثغرك مبتسما فأيّ سوق لبائع الشهد! قد عقدت الإحرام لبابك فجراً وأنا رضي الطبع جذلان، فقلت: إذا تيسّر لي اليوم السجود على تراب ذلك الباب، فعلى الله حجة وطواف. والآن وقد نلت مقصودي، وتمتعت من وجهك بما أشتهي، فأذني لي أن أشدّ الرحال إلى البيت الحرام". بدورها، تناجي ليلى العامرية حبيبها وتقول: "يا من منهجك طريق الصدق، إنما حجك إليّ وحجي إليك. ولأن يضئ محيانا نور التلاق، خير من أن يحترق قلبانا بنار الفراق". يمضي المجنون إلى مكة وحيدا، "وخلانه في سفره الجن والحيان". يلتقي في طريقه بقصاد الكعبة وهم يطلقون أصواتهم بالتلبية، أما هو، فـ"كان يردد بدلها اسم ليلى. وعندما أبصر من بعيد سواد الكعبة، امتلأ سواد عينيه نورا، وتذكر جمال ليلى، فأطلق من خرقة الشوق صيحة، ثم بدأ بالطواف حول البيت، ولم يجد السبيل إلى وصال قمر الحبيب". كما في الرواية العربية، يتعلّق المجنون بأستار الكعبة ويبدأ بالدعاء: "يا ربة الخدر، يا مزهوة الحجاب، ويا حلالة عقد حلقات الأسرار: مكانك بين أندية العرب، وبك كسدت سوق كل العجم". يتوب قيس إلى ربه، ويقول: "يا من يولي وجوههم إليك العجم والعرب، وأرواحهم جميعا سكرى من الشوق إليك، أصرف وجهي عن كل شيء، وأغسل صحائفي من كل كلام، إلا من هوى وجه ليلى، ومن نداءات الشوق إليها. فليلى ملاذ أمل روحي، وكنز عيشي الخالد. منها تستمد عيني نورها، ومنها يجد قلبي المضني روح القرار. هي ملكة ولاية الجمال، وروح جسم العشق، غاية كل محب. وما دامت ملكة فأنا عبد، وما دامت هي الروح فأنا بها حي. وليلى مصباح الحياة، وباكورة يانع الثمار في بستان الأمل. فكل من لم يحي بها فهو ميت، وكل من لم يعره منه حرارة الشوق فهو بارد القلب. ولو أن العالم كله على رأي واحد، وخرج عن قاعدة الوفاء لها، فحاشا أن أعيرهم أذناً، وحاشا أن أنساها لحظة".
استعاد الرسامون قصة حج مجنون ليلى إلى البيت الحرام في عشرات المنمنمات التي رافقت منظومات نظامي وجامي ومن سار على دربهم. في نسخة من "العروش السبعة" (سباعية جامي) زوّقت عام 1571 قي قزوين، تدخل ليلى العامرية فضاء اللوحة بلباس الحج، مشيرة بيدها في اتجاه قيس الذي يرفع ذراعيه نحوها، محدّقا في وجهها. أنشد الشاعر في قصيدته اليائية الخالدة:
أراني إذا صليت يممت نحوها/ بوجهي وإن كان المصلى ورائيا
وما بي إشراكٌ ولكن حبها/ كعود الشجا أعيا الطبيب المداويا
كتبها محمود الزيباوي في صفحته الفايسبوكية