
تحاول "التشبّه" بالآخر المتقدم، ولكنها في تضاعيف وجودها المتعب المثقل بالماضي تحتوي صوراً جميلة عن التعايش بين الثقافات المتنوعة، وكذلك صوراً عن انفتاح هذه المدينة [باعتبارها وريثة ذاكرة امبراطورية غابرة] على الآخر من خارجها، وما يعنيني هنا؛ الآخر الآسيوي؛ التركي والايراني والآذري والطاجيكي.. الآخر الآسيوي الإسلامي. فالآسيوية الاسلامية جزء أساسي من هوية بغداد الحضارية.
شيء من المطبخ الإيراني في الكاظمية، والمطبخ التركي، وجموع من الزوّار الآسيويون قرب ضريح الباز الاشهب الكيلاني. متصوّفة طاجيكيون وأصحاب محال ايرانيو الجنسية، وأتراك ومن كل مكان. المدرسة الايرانية في شارع الرشيد، وجاليات يهودية ايرانية تأتي كل سنة الى العراق في موسم الاعياد اليهودية لزيارة قبر حزقيال [مرقد ذي الكفل الحالي].
وقد ذكر لي شيوخ معمّرون في بلدة ذي الكفل كيف أن موسم الزيارات اليهودية يتحول الى مهرجان للبيع والشراء والتجارة النشطة، وانهم [التجار والباعة المسلمون] ينتظرون هذه الاعياد اليهودية بشوق.
.
بالامكان تجميع صور كثيرة عن "انفتاح" ومرونة العراقي في بغداد والكثير من المدن العراقية، تجاه الآخر الأجنبي، بما يملأ صفحات كتابٍ كامل، وليس هذا للتدليل على أننا "كنّا في السابق أفضل"، ولكن لتعزيز فكرة أن لدينا تراثاً في هذا الجانب أو ذاك يمكن أن نعتزّ به ونبني على أساسه صورة مختلفة عن أنفسنا اليوم.
.
قدر العراق، وقدر بغداد بالذات والبصرة ومدن عراقية أخرى، هو الانفتاح. رغم كل الخراب الذي سببته السياسة لتمزيق أية أواصر بين العراق وجيرانه والبلدان التي نرتبط معها بتراث مشترك.
.
أنتظر اليوم الذي أشهد فيه زيارات غفيرة لمرقد الكيلاني، لمحبي صاحب المقام من شمال أفريقيا وأواسط آسيا.
واليوم الذي يأتي فيه السيخ لزيارة قبر "بابا نانوك" مؤسس السيخية المدفون بمقبرة معروف الكرخي.
وأن يزور البهائية أماكنهم المقدسة في بغداد، وكذلك اليهود [هسه اتهم بالصهيونية

.
أتمنى أن أرى ذلك اليوم الذي يتحول فيه دير الربان هرمزد المحفور داخل صخر جبل يطل على ألقوش [عمره 1200 سنة] وقد تحول الى معلم سياحي. فهذا أقدم دير في الشرق الاوسط.
.
الكلام كثير.. ولكني مؤمن أن هذا اليوم سيأتي، ربما لن نشهده بأعيينا، ولكن لا بد للغرائز العدوانية أن تنتهي في يوم ما، ولا بد أن نتذكر تلك الومضات الجميلة في جوهر هويتنا الجمعية.
.
(*) روائي عراقي
عن الفايسبوك