Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

بعد نصف قرن على هزيمة يونيو 1967: «الزعيم» في الفن المصري مازال يُغني ويعظ

Jun 15, 2017 القاهرة ـ «القدس العربي» محمد عبد الرحيم: لم تكن هزيمة الخامس من يونيو/ حزيران 1967 مجرد معركة خاسرة يمكن تج...


Jun 15, 2017
القاهرة ـ «القدس العربي» محمد عبد الرحيم: لم تكن هزيمة الخامس من يونيو/ حزيران 1967 مجرد معركة خاسرة يمكن تجاوزها حتى الآن في ظل آفة العيش في ظل التاريخ، لم تزل هذه الآثار ترمي بشرر على وعي الأجيال المصرية والعربية. فالحدث لم يكن مجرد هزيمة كما سجل الهزائم المعهود لدى العرب، بل كان تجسيداً لحال ابتدأ بأزمة ــ رغم ما جسده من حلم مشروع ــ وكان من الحتمي أن تنفجر هذه الأزمة في وجه الجميع. وما بين سنوات الفرح والإيهام ببعض الإنجازات، يصحو وطن البلاغة ليجد أوهامه قد تبددت، فالبعض تنبأ، والبعض لم يستطع التصديق، والبعض الأخير جعل من الأمر سلعة يحيا ويناضل من خلالها في خطب عصماء ومؤلفات فارغة، تليق بهذا الوعي المنتهَك. ولم يكن الفن بعيداً عن السياسة في يوم من الأيام، فهو الصوت الأرّق، والأقوى تأثيراً وترسخاً في نفوس الجماهير ــ مرحلة القطيع التي لم يزل يحياها الكثيرون ــ ومن خلال الأغنيات والأشعار والأفلام والمسرح، تمت أسطرة البطل وصورته، وأصبح التسبيح باسم البطل الأوحد هو سمة ذلك العصر، الذي كان لا بد أن يستفيق أصحابه على صفعة لم تزل وجوههم تحملها حتى الآن.
يا أهلاً بالمعارك والنهار اللي عدّى
«وصحيت على ثورة بتهز الدنيا/ولقيت أوطاني حكمها بإيديا/وجمال قدامى بينادي عليا/قوم أرفع راسك واشبع حرية».
«كانت الصرخة القوية/من ميدان في اسكندرية/صرخة أطلقها جمال/إحنا أممنا القنال/ضربة كانت من معلم/خلى الاستعمار يسلم».
«يا أهلاً بالمعارك/يا بخت مين يشارك/بنارها نستبارك/ونطلع منصورين».
«إحنا الشعب/إحنا الشعب اللي اخترناك من قلب الشعب/يا فاتح باب الحرية/يا ريس يا كبير القلب».
«صورة صورة صورة/كلنا كده عاوزين صورة/صورة للشعب الفرحان تحت الراية المنصورة».
«عدّى النهار/والمغربية جايّة تتخفّى ورا ضهر الشجر/وعشان نتوه في السكة/شالِت من ليالينا القمر».
بعض مقاطع من أشهر الأغنيات في وجدان المصريين، أغنيات واكبت رحلة البطل الأوحد، وجد عبد الناصر ضالته في صوت عبد الحليم حافظ، كما وجد الأخير وجوده في هذه الأغنيات، وتلاقت مصائر البطل السياسي والشعبي مع مطرب الثورة ومُنشدها الأول. شاب صغير ملامحه كما ملامح آلاف المصريين، ضئيل الجسد ويحمل صوتاً جباراً كحلم، الأمر درامي إلى حدٍ كبير، وما النهايات إلا صورة صادقة للبدايات. لم يكن عبد الحليم يكذب أو يدّعي في ما تغنى به، كذلك الثنائي الأشهر معه، صلاح جاهين، وكمال الطويل ــ الأخير إلى حدٍ ما، نظراً لميوله الوفدية ــ ومن خلال الأغنيات الأقرب إلى البيانات والمنشورات الثورية، التي تذاع وتتواتر كخطب وأقوال الزعيم الخالد، استمرت الحالة كأغنية طويلة لا تنفصل مقاطعها، من حركة التأميم، إلى العدوان الثلاثي، مروراً بالوحدة مع سوريا وحرب اليمن والعودة المأزومة منها ــ لم تظهر الأزمة أو الكارثة في الأغاني طبعاً ــ حتى يوم الخامس من يونيو 1967. لتبدأ مرحلة الانحدار أو السقوط المدوي، ليصبح صوت عبد الناصر أقل حدة وجرأة، ويصبح صوت عبد الحليم أكثر حزناً ويُتماً عن المعهود، لنصل إلى أغنية «عدّى النهار» التي كتبها عبد الرحمن الأبنودي ولحنها بليغ حمدي، نغمة حزينة وتائهة لا تعرف لها طريق. بعدها عاد مطرب العواطف وقد «أدخلته يد الله في التجربة»، دون أن ينسى وهو في قمة الوله والحب أن يُلمّح في مقطع عاطفي دال .. «ما رمانا الهوى ونعسنا/واللي شبكنا يخلصنا».
من رد قلبي إلى الشيطان يعظ
ولم تكن السينما بعيدة عن هذه الأحلام/المتاهات، بل أصلت لصورة الزعيم ورفاقه، وأصبح الجيش ورجاله هم الأمل المرتجى، وما الإصلاح والصلاح إلا عن طريق هؤلاء الفتية الذين زدناهم هدى. يوسف السباعي، عز الدين ذو الفقار، ضابطان سابقان في الجيش، إضافة إلى فئة الكتاب والمخرجين من أصحاب الميول الاشتراكية، وكذلك البقية الباقية من الفنانين عديمي الموقف السياسي، والمُهللين للركب العظيم ــ الفئة الفنية الغالبة ــ فكان الانتقام من العصر البائد/عصر الملك، ووصمه بكل الشرور والموبقات، وما العصر السعيد ــ عصر يوليو ــ إلا جنة الخلد على الأرض. العديد من الأفلام التي تناولت حال الزعيم وحركته الثورية، أعمال متباينة المستوى، إلا أن أكثر فيلمين تأثيراً هما .. «رد قلبي» و»الناصر صلاح الدين»، وقد رسّخا في وجدان الشعب المصري والعربي صورة الزعيم ونضاله وحكمته وحلمه الدائم بعالم سعيد. فها هو ابن الفلاح يصبح ضابطاً في الجيش، ويخوض الحروب، ويحب ابنة الباشا ــ شكل انتقامي من الفئة الإقطاعية بمفهومها المصري ــ وها هي حركة التأميم، وحلم التغيير تم بالفعل، فلم يعد هناك سادة ولا عَبيد، فقط أسوياء كأسنان المشط.
ظهرت بعد ذلك نغمة انتقادية بعد استتباب الحلم الثوري، الذي أصل بدوره للمناخ البوليسي الذي مسخ المصريين ــ حتى الآن ــ النغمة التي تعالت في فيلم «شيء من الخوف» الذي كتب السيناريو له عبد الرحمن الأبنودي وأخرجه حسين كمال، وتصوير عصابة السلطة والحاكم الأوحد، الذي لم يستطع بأفعاله كسب قلب حبيبة طفولته.
ثم جاء فيلم «ميرامار» قصة نجيب محفوظ وإخراج كمال الشيخ، ليوضح أسباب ما آلت إليه الأمور، من فساد مدّعي الثورية وتهميش جيل آخر، حُكم عليه أن يعيش دوماً في الظِل.
 وفي الأخير نجد فيلم «الشيطان يعظ» عن قصة بعنوان «الرجل الثاني» لنجيب محفوظ، وأخرجه أشرف فهمـي، وهو يوضح من خلال رموزه كيف بدأ الأمر بفكرة البطولة والتضحية وانتهى.
 فها هو (شطا الحجري) يريد أن يصبح فتوة وينضم إلى عالم الفتوات، مجرد «كوّاء» بسيط كما العديد من أهل الحارة، لكن حلمه وطيشه يحثانه على المخاطرة. الاسم نفسه ذو دلالة ــ كحال اسماء شخصيات محفوظ ــ البطل صاحب الشطط في الفكر والأفعال، لا يجد إلا الانضمام إلى فتوة حارته، الأقرب إلى أفكاره في تحقيق العدل أو نموذج الفتوة الصالح ــ هكذا يظن ــ لكن الرجل يتخذه وسيلة لتحقيق أهدافه، بأن يتتبع فتاة شابة، ويحاول الإيقاع بها اختباراً لأخلاقها، لكن الحجري يقع في حب الفتاة، ويهرب ليتزوجها بعيداً عن عين فتوة حارته، وهنا تكون الطامة الكبرى، باللجوء إلى فتوة آخر أكثر شراسة، فشطا وأمثاله وما يمثلونه مجرد دُمى في يد الكبار، فما كان من اغتصاب زوجته أمام عينيه، ليحمل آثار هذا العار زمناً طويلاً. هكذا عالج محفوظ الأمر، وهكذا كانت الرؤية الفنية لأحداث جسام في تاريخ وحياة الناس، وبما أن الأكثرية في هذه المنطقة تعشق التغني بالألم، فالأمر لم ينته، ويتناقل ويتداول ويتواتر كحكاية أسطورية تقترب حد التقديس. ولم يشفع مرور نصف قرن على كارثة استفاقت عليها المنطقة بالكامل، لكنها لم تزل حتى الآن لم تصدق، وتعمل في إصرار يدعو للعجب في استنساخ نسخ مشوهة من الحاكم الفرد المطلق، ومحاولة مستميتة لارتباط وجودهم بوجوده، الأمر يكمن في ثقة مفقودة بالنفس، وخوف متأصل في أن نتجاوز عتبته.

ليست هناك تعليقات