Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

«كل الأنهار» لدوريت رابينيان: رواية منعتها إسرائيل واحتفت بها ميركل

بذريعة أنها تشكل خطراً على الهوية اليهودية بيتر بيومونت | ترجمة: مريم يحيى May 03, 2017 عاصفة من الانتقادات التي لم تهدأ ...


بذريعة أنها تشكل خطراً على الهوية اليهودية

بيتر بيومونت | ترجمة: مريم يحيى

May 03, 2017
عاصفة من الانتقادات التي لم تهدأ تواجه الروائية الإسرائيلية «دوريت رابينيان» منذ العام الماضي، ذلك عند اختيار روايتها الثالثة «كل الأنهار» ــ الصادرة عن دار نشر سيربنتين اللندنية ــ ليتم إدراجها في المناهج الدراسية في إسرائيل، قبل أن تتراجع وزارة التعليم عن قرارها هذا، متعللة بموضوع الرواية، الذي يحول دون اعتمادها في مناهج الوزارة! تدور أحداث الرواية حول علاقة الحب بين الفنان الفلسطيني «حلمي» والسيدة الإسرائيلية «ليات». وتعترف المؤلفة أنه على الرغم من الجانب السلبي لمنع الرواية من قِبل الرقيب الإسرائيلي، الذي تعلل بعدم صلاحية الموضوع لإقراره في المناهج الدراسية، وبلغ الأمر حد اتهامها صراحة بأن الرواية «تشكل خطراً على الهوية اليهودية»، إلا أنها في الوقت نفسه تعترف بالجانب الإيجابي لهذا الأمر، فقد تضاعفت مبيعات الرواية إلى حد كبير، وصارت مجال حديث الأوساط الثقافية الإسرائيلية، ثم سرعان ما تصاعد الأمر إلى ترجمة الرواية لأكثر من 20 لغة، وتم نشرها في بريطانيا، كما تستعد المؤلفة لحفلات توقيع في الولايات المتحدة الأمريكية.
رؤية اليمين المتشدد
جاءت أحداث الرواية هدفاً للحلف اليميني المتشدد في الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي جعل من العمل ومؤلفته صيداً لحزبه في جميع وسائل الإعلام التابعة والمعبرة عن أفكاره. ورغم ما تلقته المؤلفة من تهديدات، إلا أنها ترى أن الفترة التي تلت حذف روايتها من المناهج الدراسية المقررة، قد ساعدت كثيراً على مدى اتساع رؤيتها، فتقول: «مازلت أشعر بمدى أهمية الأمر، وأظن أن ما حدث جعلني أدرك تماماً أسباب منع روايتي، وجعلني أرى بوضوح شديد ما آلت إليه الأمور في إسرائيل، والوضع الراهن بها». لقد أدركت المؤلفة الحال الذي وصل إليه البعض في إسرائيل، إلى الدرجة التي صار بالنسبة لهم الفن والأدب من الأشياء التي تشكل خطراً داهماً على المجتمع.
قوة الأدب والفن
وتستطرد «رابينيان»: «إن الفن والأدب يعدان دعوة سحرية للهوية والتعاطف في الوقت نفسه، إن الهوية في العمل الأدبي تتحول إلى هوية شخوصه المُتخيلين، وبذلك ستهتم به، فتشعر بما يشعر به الآخر، وترى الأمور من خلال عينيه هو، وهنا تكمن وتتجلى نقطة القوة الكامنة في الفن والأدب. إن الأدب هو الدرع الذي يجب أن نرتديه جميعاً، وقتها ستشعر بكل من حولك، بمختلف هوياتهم، وبغياب هذا الدرع لن يبقى سوى درع الجهل واللامبالاة بالآخرين، ووقتها سيكون الأمر مؤلماً بحق». وترى «رابينيان» أن الرغبة في التعاطف هي التي جعلت اليمين الإسرائيلي المتشدد يرى في روايتها خطراً داهماً يحيق بدولة إسرائيل الحديثة، وتتذكر حينما كانت تجلس في ميدان (هابيما) في تل أبيب، عندما جاءها اتصال هاتفي يخبرها بمنع روايتها من المناهج الدراسية، بصفتها رواية «هدَّامة»، تقول: «تلقيت اتصالاً هاتفياً من محرر جريدة «ها آرتس»، الذي كشف لي عن الأمر بالتفاصيل، وللأمانة فلقد استغرقنا معا في الضحك أمام هذه الأسباب السخيفة التي ساقها مانعو الرواية، والتي تتلخص في أن روايتي «تهديد للهوية اليهودية!»، كما أنه ــ من وجهة نظرهم ــ يشجع القراء الشباب على الاندماج في المجتمعات غير اليهودية في البلاد». وترى اليوم رابينيان ردود الأفعال تجاه روايتها، وذلك في إطار حملة ممنهجة من حكومة نتنياهو، التي تستهدف أي نوع من الفنون أو الآداب التي لا تتوافق مع تفكيرهم اليميني المتشدد. وتستطرد في وصف التوجهات الثقافية التي تتبناها الحكومة الإسرئيلية: «إنها مؤامرة شديدة الفعالية لتغييب العقول في إسرائيل، فلا ينتبه الناس إلى التلاعب الذي يتم من أجل إخضاعهم، بما يخدم مصالح السلطة الحاكمة، التي تزداد قوتها كلما ازداد انتشار الجهل بين الناس».
حماية الهوية المقدسة
وجاء في البيان الرسمي الصادر عن لجنة المناهج الإسرائيلية في وزارة التربية والتعليم على الرواية، وذلك بدعم من «نفتالي بينيت» وزير التعليم، الذي ينتمي إلى الحزب اليميني .. «إن العلاقات الحميمية بين اليهود وغيرهم، مع وجود خيار قانوني لتوثيق عقود للزواج، ومن ثم تكوين أسرة، محل رفض شديد لفئة واسعة من المجتمع، التي ترى في هذا تهديداً على الهوية اليهودية وغير اليهودية، حتى لو لم يرد ذكرهذا الأمر في الرواية فعلياً». ومع تداعيات الموقف، يبدو أن الوزارة قد اضطرت إلى التراجع خطوة محسوبة إلى الوراء، فتراجعت عن قرارها المسبق والمعلن بالحظر التام للرواية، لتكتفي بإمكانية الاستعانة بالرواية في المناهج الدراسية إذا دعت الحاجة إلى ذلك، لكن بالنسبة للمؤلفة فالضرر قد وقع بالفعل، وكان ما كان، وتسخر بقولها: «إن المفارقة في الأمر أن من عمل على منع الرواية لم يفهم منها أن أحد أهم أفكارها الرئيسة هو الخوف من فقدان الهوية».
الإصرار على العزلة
تضيف رابينيان .. «اضطر اليهود إلى الحفاظ على هويتهم حين تم نفيهم، فصاروا منفصلين عن المجتمعات التي يعيشون فيها، ليقيموا حاجزاً معنوياً وحدوداً لا يمكن تخطيها. فكرة العزلة المجتمعية هذه تتجسد في الرواية من خلال شخصية «ليات»، السيدة اليهودية التي تخشى ضياع هويتها، بعلاقتها مع حبيبها الفلسطيني. ويعكس هذا الأمر شيئاً لافتاً، وهو أنك تستطيع إخراج فتاة من الشرق الأوسط، دون أن يكون في الإمكان هدم جدران العزلة من حول قلب الفتاة. لذلك يدعو سبب منع الرواية إلى السخرية». وتضع رابينيان حداً فاصلاً بين الهوية وتعريف الهوية الذي يروج له الساسة القوميون، والتي تراه «درعاً من الظلامية». تتعجب رابينيان من الهجوم على روايتها، فلقد سبق وكتبت مقالا مطولاً في صحيفة «الغارديان» عام 2005، تحدثت فيه عن الفنان الفلسطيني «حسن حوراني»، الذي لقي حتفه في حادث غرق، بعد مقابلتها له بفترة وجيزة. وتقول: «كل ما أردته هو إحياء ذكرى هذا الرجل الذي عرفته في نيويورك، والذي توفي بعد أشهر قليلة من تعرفي عليه، وشعرت وقتها بمسؤولية إنسانية تجاه ذكراه، تدعوني لأشهد على أيامه الأخيرة. لقد كانت الرواية مجرد محاولة للنجاة، بدون إدعاء لأي شجاعة أو ما إلى ذلك. فقط وقتها شعرت بالحاجة إلى أن أقول وأشهد على أن الصداقة علاقة أكثر سمواً من العلاقة العاطفية، خاصة بين شخصين تقوم خلفيتهما على صراع، يصل إلى حد الحياة والموت».
نتنياهو وميركل
وعن الدعم الذي تلقته رابينيان من ناس لم تكن تتوقع منهم ذلك أبداً تقول: «تلقيت خطاباً من أنغيلا ميركل، التي قرأت الرواية مترجمة إلى اللغة الألمانية، وبدى لي الموقف شديد التناقض، فبينما يمنع الساسة في إسرائيل روايتي، تعلن لي قائدة سياسية ألمانية مدى إعجابها بالرواية، ودعمها لي!». وفي الأخير، يبدو أن ما تعانيه رابينيان لن يكون الصراع الأخير في الوسط الثقافي الإسرائيلي، فلن يترك الساسة في إسرائيل الأمور دون تدخل منهم، لإنهاء أي نقاش أو مجرد محاولة لرؤية «الآخر» من منظور يخالف معتقداتهم ومصالحهم السياسية. ونختتم بكلمات رابينيان: «إذا اقتصرت الرؤية على منظور واحد، سيضيق بنا العالم، ولن يؤثر ذلك على الوقت الحاضر فقط، بل سيمتد إلى المستقبل، فإلى أين نحن ذاهبون؟».
كاتب بريطاني
بتصرّف عن «الغارديان»
 مترجمة من مصر

ليست هناك تعليقات