الجزء الثاني من رأي الباحث اديب نعمة في الواقع الانتخابي اللبناني 5 الاهتمام بما يجب فعله من الآن حتى موعد يوم الاقتراع، أكثر أهمي...
الجزء الثاني من رأي الباحث اديب نعمة في الواقع الانتخابي اللبناني
5
الاهتمام بما يجب فعله من الآن حتى موعد يوم الاقتراع، أكثر أهمية بما لا يقاس من الموقف من الاقتراع نفسه. والتركيز على هذه النقطة الأخيرة هو الهروب الكبير من المسؤولية المواطنية.
أشرت الى ثلاثة أطراف وسيطة في الفعل المواطني الشعبي هي الأحزاب الإصلاحية والصحفيين والجمعيات والنشطاء المدنيين. فماذا نتوقع منهم؟
أبدأ بأنه لا أمل اطلاقا في الأحزاب السياسية التي هي موقع المعارضة الإصلاحية الليبرالية او اليسارية. فهذه ليس على جدول اعمالها أي اصلاح وأي تغيير حقيقي بما هو فعل سياسي وشعبي يشكل استراتيجيتها وخطة عملها الفعلية التي توظف من اجلها كل ما تملكه من إمكانيات شعبية او تنظيمية او معنوية. يبدو ان موقفها محصور في اعتراض مبدئي هو اجترار لمواقف سابقة متقادمة لم تعد تنفع، وبعض الظهور الإعلامي، وربما السعي لتحصيل موقع في الندوة البرلمانية لن يكون مؤثرا، وهي على استعداد لخوض المعارك المناسبة وغير المناسبة من اجل زيادة فرص الحصول عليه. لا إرادة عندها للدخول في مواجهة حقيقية وراديكالية تراكمية وفعالة في مواجهة الممارسة السياسية السلطوية الراهنة.
اما المعارضة التقليدية، فهي تتم من مواقع الانحياز الى صيغة الاستقلال – الطائف، ولها حظوظ ان تكون فعالة وان تحقق جانبا من أهدافها ان تكتلت رموزها. ولكن لا مضمون إصلاحيا لمواقفها، واقصى ما تطمح اليه هو الدفاع عن مصالحها المتضررة من التوازنات السلطوية الجديدة وطروحاتها، وهذا – موضوعيا – يعني انها قد (نشدد على قد) تحول دون الانحدار الى قوانين انتخابية اقصائية وأكثر سوءا واقل تمثيلية، وهذا اقصى ما تطمح اليه. وليس في ذلك أي اصلاح من النوع الذي نطمح اليه، ومنع الانحدار الى وضع اكثر سوءا هو نتاج ثانوي غير مقصود لدفاعها عن مصالحها الفئوية كونها فئة طرفية في توازنات السلطة المستجدة.
اعتقد ان من يعول على دور للأحزاب والتشكلات السياسية الممأسسة مخطئ، ولا فرق بين يمين ويسار ووسط. فالممأسسون يسعون أولا كي يكونوا جزءا من اللعبة لا تغيير قواعدها.
اعتقد ان من يعول على دور للأحزاب والتشكلات السياسية الممأسسة مخطئ، ولا فرق بين يمين ويسار ووسط. فالممأسسون يسعون أولا كي يكونوا جزءا من اللعبة لا تغيير قواعدها.
علينا ان نأخذ هذا الواقع بعين الاعتبار، فالأحزاب فقدت مصداقيتيها، وهي غير مؤهلة على الاطلاق لكي تبادر الى حراك فعلي، وهي حتما غير قادرة على ان تشكل قيادة للاحتجاج الشعبي ضد هذه المهزلة.
هذه حقيقة. هذه ليست دعوة لليأس. انها دعوة للفاعلين الاخرين لتحمل مسؤولية إضافية.
فماذا عن الصحفيين، مثلا؟
هذه حقيقة. هذه ليست دعوة لليأس. انها دعوة للفاعلين الاخرين لتحمل مسؤولية إضافية.
فماذا عن الصحفيين، مثلا؟
– 6
هدف الممارسة السياسية للعصبة السلطوية هو اقصاء المواطنين عن دائرة الفعل السياسي الحقيقي. الجواب على هذا الاقصاء هو جوهر هدفنا نحن: ان يكون المواطن/ المواطنون فاعلا سياسيا.
سبق اشرنا الى ثلاث وسائط في تمكين المواطن من الفعل: الأحزاب (وقد قطعنا الامل منها)، والصحفيين، والجمعيات. ورأي اليوم عن الصحفيين.
لماذا؟ ولماذا قلت الصحفيين لا الصحافة؟
لا بد ان نميز بين الصحفي ووسيلة الاعلام التي يعمل فيها، واستطرادا التمييز بين الجسم الصحفي وبين وسائل الاعلام. وسائل الاعلام – مثلها مثل الأحزاب – فقدت الكثير من دورها كمساهم في الإصلاح المواطني. هي غالبا وفي معظم أدائها، أسلحة في التنافس الدائر بين الأطراف الحاكمة على الاستحواذ على القدر الأكبر من السلطة والغنائم؛ واسلحة في السيطرة على جمهور المؤيدين والمحازبين لهذه الأطراف واضفاء مشروعية شعبية وايديولوجية على مصالحها الضيقة. أضف الى ذلك انها تخوض أيضا تنافسا في ما بينها على الجمهور والموارد يشبه تنافس السياسيين.
لذلك تضاءل الجانب المهني والموضوعي في العمل الإعلامي لصالح الوظيفة التعبوية المباشرة، ولدى كل الأطراف دون استثناء. ولكن هل يجوز ان نعتبر ان ما ينطبق على وسائل الاعلام نفسها – ومثالها الأشد فظاعة وتأثير التلفزيونات – ينطبق على الصحفيين أيضا؟
طبعا لا. فالصحفي هو فرد مواطن ومسؤول بحكم مهنته عن المساهمة في اطلاع المواطنين على الحقائق والمساهمة في تكوين رأي عام. وإذا تماهى مع الوسيلة الإعلامية التي يعمل فيها، لم يعد فردا، ولم يعد مواطنا، بل مجرد موظف يوصل "صوت سيده" لا أكثر ولا اقل، ولا يعود صحفيا بالمعنى المهني.
واذا كنا نسعى الى مخاطبة الناس عموما، ونسعى الى يكونوا مواطنين فاعلين، فمن الأولى بنا ان نخاطب أيضا بعض الفئات الخاصة لكي يكون لها وجودها الفردي – المواطني – المستقل في مجال عملها المهني. من هؤلاء الصحفيين نظرا لدورهم الهام في صناعة الرأي العام (ومعهم أيضا كل من يمارس المهن الحرة او المهن التعليمية) ليكون لهم موقف إزاء نقاباتهم ومؤسساتهم، باعتبار ذلك جزء من الإصلاح المواطني المطلوب.
اذا لم ننجح جميعا في ان تمارس هذه الفئات المهنية دورها المواطني، وان تحقق وجودها المستقل والمتميز عن المؤسسات والهيئات التي ينتظمون فيها، فهل لنا ان نتوقع ان يكون نجاح في انشتار الوعي المواطني والممارسة المواطنية في المجتمع كله؟
لذلك ثمة مسؤولية مباشرة وهامة تقع الى الصحفيين بصفتهم هذه، وبصفتهم المواطنية، لأن لهم تأثير اكبر في الرأي العام. وليس مستجهنا ان ندعوهم الى لعب هذا الدور، بالاستقلال عن المؤسسات التي يعملون فيها.
وخلاف ذلك نكون مشاركين في بناء مجتمع شمولي حيث لا وجود للفرد وللرأي الفردي والفعل الفردي، بل للجماعات والمؤسسات وحدها.
الصحفي صوت نفسه، وليس "صوت سيده". هكذا يجب ان ننظر اليه، وهكذا يجب ان نكون معا شركاء فاعلين في الإصلاح المواطني: وهكذا نعبر عن احترامنا لهم كأفراد وكمهنة.
اما عن الجمعيات والنشطاء المدنيين، فإلى الرأي التالي.
7
فكرة اعتراضية عن الطائفية: بعضنا يعتبر الطائفية الشر الحصري الذي به تفسر مصائب السياسة الراهنة كلها، كأنها "لعنة" او "صيبة عين" تكفينا عن البحث عن أسباب أخرى لفهم الأداء السياسي الراهن وتغييره، ويذهب بعض هذا البعض في سلوك يجمّل سلوكياته الانعزالية على أساس رفض الطائفية. يقابل ذلك من يعتبر ان وصم أي سلوك بأنه طائفي هو طريق العبور الى قلوب وقناعات شريحة واسعة من الناس. فما يؤدي الى العزلة هناك يؤدي الى الشعبية - الشعبوية هنا.
لم يعد بإمكاننا التعامل مع الطائفية على هذا النحو التقليدي والكسول. لعل مقال جهاد الزين في النهار منذ يومين الذي قارب الطائفية وقانون الستين من منظور التقسيم الإداري الانتدابي، يشكل دعوة الى نقاش من منظورات جديدة لهذه المسألة أيضا، ذات الصلة الوثيقة بالجدل الدائر بصدد العملية الانتخابية اليوم.
فكرة اعتراضية عن الطائفية: بعضنا يعتبر الطائفية الشر الحصري الذي به تفسر مصائب السياسة الراهنة كلها، كأنها "لعنة" او "صيبة عين" تكفينا عن البحث عن أسباب أخرى لفهم الأداء السياسي الراهن وتغييره، ويذهب بعض هذا البعض في سلوك يجمّل سلوكياته الانعزالية على أساس رفض الطائفية. يقابل ذلك من يعتبر ان وصم أي سلوك بأنه طائفي هو طريق العبور الى قلوب وقناعات شريحة واسعة من الناس. فما يؤدي الى العزلة هناك يؤدي الى الشعبية - الشعبوية هنا.
لم يعد بإمكاننا التعامل مع الطائفية على هذا النحو التقليدي والكسول. لعل مقال جهاد الزين في النهار منذ يومين الذي قارب الطائفية وقانون الستين من منظور التقسيم الإداري الانتدابي، يشكل دعوة الى نقاش من منظورات جديدة لهذه المسألة أيضا، ذات الصلة الوثيقة بالجدل الدائر بصدد العملية الانتخابية اليوم.
عودة الى السياق من حيث انتهى الرأي السادس الذي لا يطاع، وكان الكلام قد بلغ الفاعل الوسيط الثالث في بناء حراك مواطني: أي الجمعيات والنشطاء الفاعلين من مواقع مدنية (اترك موضوع النقابات لوقت لاحق). هؤلاء يزداد دورهم في ظل انحسار دور الأحزاب، وفي ظل طغيان الدور الحربي – الحزبي – التعبوي لوسائل الاعلام، بانتظار فعالية اكبر للجسم الصحفي المستقل.
ثمة مسؤولية خاصة تقع على الجمعيات بصفتها مؤسسات تمتلك هياكل وقدرات بشرية وتنظيمية، وتملك في الوقت نفسه تاريخها الخاص والجماعي مع جمعيات أخرى في العمل المواطني. تحتفظ قلة من المؤسسات بهذا الدور المستقل إزاء السلطة وإزاء الممولين، في حين يتراجع غالبا الدور المواطني بما هو فعل تغييري بالضرورة في وضعنا، لصالح الانجراف في العمل الاحترافي (بالمعنى السلبي) وفق مشاريع وبرامج، لا وفق رؤى واستراتيجيات تحويلية، وسط تبعية متزايدة – واعية او غير واعية – لأجندات الممولين وطرق عملهم التي تتحول بفعل الممارسة الى طرق عمل الجمعية اللبنانية نفسها، معزولة عن مسارات التحويل المجتمعي.
عندما لم تقم الأحزاب ولا الجمعيات الممأسسة بدورها في البلدان العربية، تحرر الاحتجاج الشعبي من سقوف الأحزاب والجمعيات واتخذ شكلا شعبيا مباشرا في الشارع، بدءا من تونس ومصر (2101 – 2011) وصولا الى الحراك الشعبي صيف 2015 في لبنان. كان خروجا من القمقم من حيث الشكل (النزول الشعبي الكثيف الى الشارع)، ومن حيث المضمون الذي استهدف التغيير السياسي الداخلي مباشرة ودون مواربة (الشعب يريد اسقاط النظام). كانت حالة صارخة لمجتمع بأسره يطرح التغيير السياسي الصريح من موقعه المدني المواطني، دون ان ينظر اليه او ان ينظر الى نفسه بصفته حزبا او تيارا سياسيا.
في لبنان اليوم، الانقسام واضح بين عصبة السياسيين أصحاب السلطة الفعلية خارج المؤسسات الدستورية وداخلها (مجلس إدارة لبنان، الخلية الحاكمة... او أي تسمية تريدونها)، وبين المجتمع المدني (بمعنى غير السياسي). وإذا اردت ان اصف التناقض الجوهري المهيمن حاليا، فهو بين المجتمع السياسي السلطوي، وبين المجتمع بشكل عام، او ما يمكن اعتباره المجتمع المدني بما يعنيه مجموع الناس في معاشهم الاقتصادي والاجتماعي. وفي رأيي، هذا ما يفسر درجة التطرف في سلوك السلطة الفعلية (مجلس الادراة) وإغتنام مؤسسات الدولة بشكل فج ووقح واحتقار الناس (بما في ذلك المناصرين)؛ وتجاهله يفسر في الوقت نفسه قصور الجمعيات الناشطة عن رؤية جوهر المشكلة وجوهر الدور المدني المواطني المطلوب منهم القيام به، بما هو احداث تغيير سياسي حقيقي من موقع مدني ومواطني، وليس الاندراج في مسارات متحكم فيها مسبقا من قبل أصحاب السلطة، ووفق قواعدهم.
هي مواجهة بين المجتمع المدني والمواطني، وبين مستقرّ السلطة الكامن في مجلس الإدارة – الخلية الحاكمة التي اغتنمت مؤسسات الحكم الدستورية والدولة، والتي يجب ان يوجه الضغط ضدها ومن اجل تعديل قواعد اللعبة السياسية الغنائمية (ان لم نقل تغييرها) هو هدفنا المعلن والفعلي في آن.
فهل تذهب الجمعيات، ومجموعات وافراد الناشطين في هذا الاتجاه حقا؟
في لبنان اليوم، الانقسام واضح بين عصبة السياسيين أصحاب السلطة الفعلية خارج المؤسسات الدستورية وداخلها (مجلس إدارة لبنان، الخلية الحاكمة... او أي تسمية تريدونها)، وبين المجتمع المدني (بمعنى غير السياسي). وإذا اردت ان اصف التناقض الجوهري المهيمن حاليا، فهو بين المجتمع السياسي السلطوي، وبين المجتمع بشكل عام، او ما يمكن اعتباره المجتمع المدني بما يعنيه مجموع الناس في معاشهم الاقتصادي والاجتماعي. وفي رأيي، هذا ما يفسر درجة التطرف في سلوك السلطة الفعلية (مجلس الادراة) وإغتنام مؤسسات الدولة بشكل فج ووقح واحتقار الناس (بما في ذلك المناصرين)؛ وتجاهله يفسر في الوقت نفسه قصور الجمعيات الناشطة عن رؤية جوهر المشكلة وجوهر الدور المدني المواطني المطلوب منهم القيام به، بما هو احداث تغيير سياسي حقيقي من موقع مدني ومواطني، وليس الاندراج في مسارات متحكم فيها مسبقا من قبل أصحاب السلطة، ووفق قواعدهم.
هي مواجهة بين المجتمع المدني والمواطني، وبين مستقرّ السلطة الكامن في مجلس الإدارة – الخلية الحاكمة التي اغتنمت مؤسسات الحكم الدستورية والدولة، والتي يجب ان يوجه الضغط ضدها ومن اجل تعديل قواعد اللعبة السياسية الغنائمية (ان لم نقل تغييرها) هو هدفنا المعلن والفعلي في آن.
فهل تذهب الجمعيات، ومجموعات وافراد الناشطين في هذا الاتجاه حقا؟
ليست هناك تعليقات