Page Nav

HIDE

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

ماثيو كوبفير برادلي جاردين- حركات قومية موالية للكرملين تطيح اليمين الروسي المتطرف

في احتفال سنوي في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، مشت جموع في جنوب شرقي موسكو وهي تهتف: «نحن الروس! المجد للشعوب السلافية! المج...



في احتفال سنوي في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، مشت جموع في جنوب شرقي موسكو وهي تهتف: «نحن الروس! المجد للشعوب السلافية! المجد للجنس الأبيض!». ثم ظهر جمع آخر يحمل العلم القومي الروسي ولافتات عليها الصليب المعقوف السلافي. ومشى هؤلاء في شارع يوليتسا بيريرفا، وطالبوا بمحاكمة الرئيس فلادمير بوتين. لكن ما كان ينبغي أن يكون احتفالاً كبيراً للقوميين الروس على اختلاف مشاربهم، اقتصر على جمع من حوالى 800 شخص فحسب. وسلطت الضوء هذه المسيرة على تغير كبير طرأ على الحركة القومية في روسيا. ومنذ ضم شبه جزيرة القرم، تعاظمت المشاعر القومية الموالية للنظام. ولكن، في الوقت نفسه، انقسم اليمين المتطرف على نفسه بسبب دعم الكرملين للانفصاليين الموالين لروسيا في أوكرانيا. وعليه، وجدت المسيرة الروسية الرئيسية في ضاحية ليوبلينو بموسكو، وهي تعارض الحرب في أوكرانيا، في مواجهة منافس: تجمع أصغر لدعم «الربيع الروسي» (تظاهرات الموالين للروس في اوكرانيا ضد تظاهرات ميْدان في كييف، وهي تحولت الى حركة انفصالية مسلحة).
وبرزت المشاعر القومية الروسية في السنوات المضطربة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، ولكنها صارت حركات منظمة في أواخر العقد الأول من القرن الحالي. وساهمت هجرة العمالة من آسيا الوسطى وحربي الشيشان في ذيوع المواقف السلبية من المتحدرين من منطقة شمال القوقاز. ويبدو أنّ خطاب القوميين العرقي ضد الهجرة غير الشرعية، حاكى مشاعر غضب عامة الروس.
وفي ذروتها، تلقت الحركات القومية اليمينية الروسية دعماً من شخصيات سياسية لافتة. وأول من شارك في هذه المسيرات كان دميتري روغوزين، القومي الموالي للكرملين، وهو الآن نائب رئيس الحكومة المتشدد. ثم، في 2011، لعب الناشط في مكافحة الفساد والمعارض، أليكسي نافالني، دوراً محورياً في تنظيم الحدث. كما كان القوميون جزءاً أساسياً من الحركة الاحتجاجية في 2011. ولكن مع ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم وبداية الحرب في الدونباس، انفرط عقد الحركة القومية. فانشغل الرأي العام الروسي بأحداث أوكرانيا وكثر من الروس فقدوا الاهتمام بقضية العمّال المهاجرين. وانحاز بعض القوميين الى الكرملين، وبعضهم الآخر الى أوكرانيا. وفي أعقاب الثورة الأوكرانية، وقعت اشتباكات عنيفة بين الفصائل القومية الروسية المختلفة.
وقرر قوميون نقل المعركة إلى أوكرانيا. فسافر جزء منهم للقتال مع الانفصاليين في دونيتسك ولوغانسك، في حين انضم آخرون الى الميليشيات الموالية لأوكرانيا. ويقدر ألكسندر فيرخوفسكي، مدير مركز «سوفا» (مركز أبحاث متخصص بالدراسات المجتمعية حول الحركات القومية والعنصرية) أعداد من قاتل في صفوف الانفصاليين (الموالين لروسيا) بالمئات، و100 شخص إلى جانب كييف.
ويرى إيغور بروسفيرين، القومي البارز ورئيس تحرير موقعي «سبوتنيك» و»بوغروم» (موقع إخباري يميني) الذي ساهم بإرسال المتطوعين إلى صفوف الانفصاليين، وجمع التبرعات، والمساعدات الإنسانية للدونباس، أن الذين دعموا أوكرانيا هم النازيون، والعنصريون البيض. وهو يقول إن «القوميين الروس الحقيقيين ليسوا الاشتراكيين القوميين (النازيين)، بل هم من يعلون شأن المصالح الوطنية الروسية من غير الإيمان بسمو عرق على آخر».
لكن يوري غورسكي، وهو قومي روسي ذو ميول ملكية قاد مسيرة القوميين في ليوبلينو، يعتبر أن الحرب في أوكرانيا مقتلة أخوية. ويقول «إنّ القومية الروسية لا يمكن أن تقبل بأن يقتل مواطنون أوكرانيون يحملون اسماء عائلات روسية مواطنين روساً يحملون اسماء عائلات أوكرانية»، ويضيف «جذورنا واحدة».
وبعد اندلاع الصراع في أوكرانيا، زادت السلطات الروسية مستوى الضغط على اليمين المتطرف. وفي حزيران (يونيو) 2014، أقر مجلس الدوما قانوناً يجرم دعم النشاطات المتطرفة على شبكة الإنترنت، وصار تبادل أي محتوى متطرف في الفايسبوك جنحة تعاقب بالسجن. وبعدها واجه القوميون مشكلات. ففي آب (أغسطس)، حكمت السلطات على الزعيم القومي ألكسندر بيلوف بالسجن لـ 7.5 سنة بتهمة الاختلاس والتطرف. وقبل أيام من مسيرة القوميين، وضعت السلطات أحد منظمي المسيرة، دميتري ديوموشكين في الإقامة الجبرية بسبب اتهامات بالتطرف. ووفقاً لمركز «سوفا»، زادت الأحكام المتعلقة بالتطرف على الإنترنت من 103 في 2013 إلى 216 في 2015. ولكن المشكلة الأكبر هي انزلاق اليمين المتطرف الى مواجهة مباشرة مع الحركة القومية الموالية للكرملين.
والحركة القومية الجديدة الموالية للسلطة تمزج ما بين الوطنية والشعور بالعظمة والعداء للغرب، ومنها «حركة التحرير الوطني»، وهي جماعة قومية تستهدف محاربة أعداء روسيا في الداخل وتأسست في 2011 على يد نائب قومي متطرف في مجلس الدوما الروسي، يفغيني فيودوروف. وتناهض الحركة هذه أعداء روسيا المزعومين، أي السفارة الأميركية والسياسيين المعارضين والفنانين الذين ينتقدون رقابة الدولة، والشركات الأجنبية لتدقيق الحسابات العاملة في روسيا. وتدعو «حركة التحرير الوطني» إلى إلغاء القوانين التي تحد من قوة بوتين، أي القوانين التي، صاغتها، وفق فيودوروف، الولايات المتحدة. وتنتقد الحركة هذه «الطابور الخامس» في الحكومة الروسية. وتقول إحدى الناشطات البارزات في الحركة هذه: «في التسعينات كان مهيناً أن تكون روسياً، بينما اليوم لدى الروس ما يؤمنون به. وبدأت أسطورة أن كل شيء في الغرب رائع، بالانهيار. والناس يعودون إلى الجذور».
ومع تزايد قوة الحركات القومية الموالية للسلطة، لا يبدو أن مستقبل اليمين المتطرف مشرق. فهو منقسم حول أوكرانيا، ويشوبه اقتتال داخلي. وانقضت أيام المجد السالفة، حين انضم القوميون إلى صفوف الانفصاليين في دونباس، وترك كثيرون منهم المنطقة بسبب ضغط الكرملين، بينما القوميون الذين حاربوا مع الجانب الأوكراني لا يمكنهم العودة إلى ديارهم في روسيا. ومن المرجح أن تخفف الأزمة الاقتصادية في روسيا، والقوانين الجديدة التي تفرض قيود على استقبال العمال المهاجرين، جاذبية خطاب القوميين القديم المعادي للمهاجرين. وفي 31 تشرين الأول (أكتوبر)، أعلن بوتين أنه يدعم إقرار قانون جديد يحدد مفهوم «الأمة الروسية»، وهذا يشير إلى أن السلطات غير مستعدة لإنزال القومية الروسية العرقية في منزلة الركن. ولم يرحب القوميون بهذه الخطوة.
ويتنبأ أنطون شيخوفتسوف، وهو زميل زائر في معهد العلوم الإنسانية في فيينا، أن لا يؤدي الوضع الحالي إلى تدمير أو ولادة جديدة لليمين المتطرف الروسي. بدلاً من ذلك، يعتقد شيخوفتسوف بأن الحكومة الروسية ستستمر في استخدام الإستراتيجية القديمة ضد القوميين: استمالة أولئك الذين يمكنها دمجهم بالنظام السياسي، وقمع الآخرين.


* باحثان، عن «موسكو تايمز» الروسيّ، 10/11/2016، إعداد علي شرف الدين

ليست هناك تعليقات